توقف الدكتور محمد لحسن زغيدي عند مجازر 17 أكتوبر 1961 وما تحمله من دلالة في النضال الجزائري الذي نقل الثورة الى عمق فرنسا الاستعمارية كاشفة عن إرادة لا تقهر في استعادة السيادة. وقال الدكتور على هامش الاحتفالية بمئوية المقاومة في الطاسيلي ناجر ان هذه المجازر التي كشفت مرة أخرى عن وحشية مستعمر وقمعه لمسيرة سلمية بباريس، أثبتت دور الجالية بالمهجر وارتباطها الأبدي بمصير أمتها ووطنها. التفاصيل في هذا الحوار الذي أجرته معه “الشعب” في جانت. «الشعب”: ما هو المغزى من إحياء يوم ال 17 أكتوبر 1961 أو ما يسمى بيوم الهجرة؟ محمد لحسن زغيدي: المغزى من إحياء يوم 17 أكتوبر 1961، له هدفين أساسين الأول هو اعتراف لجيل قام بأنبل واجب ومن خلاله لأجيال سبقته حضرت لذلك الواجب، والهدف الثاني هو ربط الصلة بين الأجيال، الجيل الذي أنجز والجيل الوفي لما أنجز ولذلك ربط الأجيال يتطلب دائما واجب الاعتراف والوفاء بهذا الاعتراف، إحياء هذه الذكرى أيضا هو العودة إلى الذاكرة الجماعية كاستقراء تاريخي للجالية الجزائرية، لأن يوم 17 أكتوبر أخذ تسمية ذات أبعاد نضالية وثورية وأيضا أخذ رقعة جغرافية أكبر وأوسع، ولهذا سمي بيوم الهجرة الذي يحمل هذه الدلالة لنتذكر كل الجزائريين، الذين كانوا خارج هذا الوطن. معنى هذا أن هذا الحدث تضمنه بيان نوفمبر؟ نعم نداء أول نوفمبر كان موجه لكل جزائري، حينما نادى في البداية إلى الشعب الجزائري ثم اختتم النداء بقوله: “أيها الجزائري إننا نناديك لتبارك هذه الوثيقة....”، فهنا النداء بصيغة المفرد معناه أنه يتجه إلى كل جزائري حيثما وجد في الكرة الأرضية، ليكون هذا النداء فرض عين بعدما بدأ بفرض الكفاية، ولهذا أن كل الجزائريين المتواجدين بالمهجر عليهم أن ينضموا ولهذا نجد أن مؤتمر الصومام فلسف هذا النداء وأعطاه أبعاده الحقيقية بأن نادى كل الجزائريين في العالم كله، بأن يهيكلوا أنفسهم سواء كانوا طلبة أو عمال أو تجار عليهم أن يقوموا بواجبهم إزاء الثورة، في إطار التجنيد والتعبئة والالتزام والتعريف بالقضية، بصفة عامة. أما بصفة أخص هو موجه إلى الجالية الجزائرية المتواجدة في فرنسا، ولهذا نجد مؤتمر الصومام حيا الجالية الجزائرية، وكلفها بأن تضطلع بمهمة جد خطيرة وهي أولا أن تتهيكل هيكلة ثورية وثانيا أن تقوم بالعمل الثوري الميداني داخل فرنسا، ثالثا أن تبرهن على وجودها بما تقوم به من انجاز ثوري حتى تعمل على أن يشعر المواطن الفرنسي بما يشعر به المواطن الجزائري بالجزائر، ولذلك أمام هذه الهيكلة التي قامت بها الثورة بإنشاء فيدرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا، والتي قسمت فرنسا إلى ولايات ورأينا أنه في 25 أوت 1958 تلك العمليات الفدائية العظمى التي قامت بها الجالية الجزائرية، بأن برهنت على نقل العمل الثوري من الجزائر إلى فرنسا في حد ذاتها، هذه الأعمال والهيكلة أرهبت الفرنسيين أنفسهم. ما تقييمكم لدور الجالية الجزائرية في المهجر إبان حرب التحرير الوطني؟ الجالية الجزائريةبفرنسا ساهمت كثيرا في دفع الثورة، من خلال نقل الحرب إلى عقر دار العدو وهيكلة نفسها في فيدرالية جبهة التحرير الوطني، وهذه النقلة تعتبر الأولى والفريدة من نوعها. لم تنضم الجالية للوعي الثوري ولا إلى العمل الوطني في 1954، وإنما بدأت تمارس العمل الثوري مع نهاية الحرب العالمية الأولى. هنا بدأت تهيكل نفسها بفرنسا بعد إصلاحات 1919، ويعود إليها الفضل في إنشاء أول حركة وطنية سياسة استقلالية وهي نجم شمال إفريقيا، بأنها هي التي أنجبت العلم الوطني الجزائري في 5 أوت 1934، كذلك أن حزب الشعب الجزائري ظهر لأول مرة في أحضانها، إذن هذه الجالية التي كانت سباقة لانجازات وطنية ثورية في إطار هذه الحركة الوطنية. ولذلك لما جاءت الثورة الجزائرية كان الروح والفكر الوطني موجود، ولذلك الهيكلة الوطنية كانت سهلة وسريعة خاصة ما برهنت عليه، في إضراب ثمانية أيام التي تبين بها الخيط الأبيض من الأسود للجالية بأن جبهة التحرير هي التي تقود الثورة وليست الحركة المصالية، ولذلك نجد فرنسا الديغولية بعد 1958، بدأت تخطط لهذه الجالية كيف تقضي على عملها وتحاصرها، ولذلك كان القرار العنصري لموريس بابون الذي حد الحركة للجزائريين وحدد النشاط الحر للإنسان الجزائري، بأن أقام عليه حظر التجوال بعد الساعة الثامنة مساءً إلى الساعة الخامسة صباحا، وهذا في حد ذاته استثناء عنصري ضد الجزائريين وكان التحدي الذي أنجب مظاهرات 17 أكتوبر 1961، التي تحدت القيادة الفرنسية من وزير الداخلية إلى رئيس الحكومة الفرنسية، إلى رئيس الجمهورية الفرنسية الجنرال شارل ديغول إلى موريس بابون منفذ الأمرية. وهكذا تبين أن الإنسان الجزائري، واعي بعمله الثوري ولهذا فإن هذه الأعمال والمبادرات تستحق من هذا الجيل جيل الجزائر، وهو يحي ذكريات الخمسينية والستينية لأيام الثورة التحريرية أن يعطي لهذه الجالية حقها بأن يقف وقفة عرفان وشكر، للذين أنجزوا له هذا الصرح العظيم من العطاء والنضال. هل ترى أن الحدث أخذ حقه في الكتابات التاريخية؟ لا نستطيع أن نقول أن هناك حدث تاريخي أخذ حقه، لأن من صنع هذه الأحداث مازالوا على قيد الحياة، وبالتالي الروايات والسرد التاريخي لهذه الوقائع هو موجود، لأن كل فرد من الذين عانوا وعاشوا واعتدي عليهم هو في حد ذاته يصلح أن يكون أطروحة علمية نموذجية، لذلك إن التاريخ لا يمكن جمعه وحصره في دفتين، والذين قاموا به مازالو أحياءً، فهناك دائما الإضافات والجديد، حيث نهمل أشياء ونركز على شيء، فإذا بها تبرز أشياء أخرى تتطلب إعادة النظر والكتابة. هل هناك رسائل جامعية حول هذه المحطة التاريخية؟ نعم هناك رسائل جامعية في هذا الإطار نوقشت في فرنسا من طرف جزائريين وفرنسيين، حول هذا النضال وهذه الجريمة التي ارتكبت ضد مواطنين عزّل، كذلك أيضا في الجزائر هناك أيضا مذكرات قدمت ورسائل نوقشت، كذلك كل الذين كتبوا عن دور الجالية الجزائرية في فرنسا عبر التاريخ والثورة التحريرية تطرقوا إلى هذا.