كانت لسنوات طويلة حكرا على الرجال فقط، نظرا لطبيعة هذه المهنة التي تتطلّب الكثير من الوقت، وشخصية تمكنك من تجاوز جميع المشاكل التي تتعرض لها، ولكن مؤخرا استطاعت المرأة أن تلج هذا العالم ليصبح اسم المرأة سائقة سيارة الأجرة أو الطاكسي ليس غريبا. تجارب وصعاب تنقلها «الشعب» تطلّب منّا لقاء تلك السيدات التنقل الى محطة المسافرين معطوبي حرب التحرير بالخروبة، وهناك التقينا «عمي عزيوز»، الذي مكّننا من بعض أرقام تلك السيدات اللاّتي فضلن العمل على سيارة اجرة لكسب رزقهن، ولكن رغم أنّهن اقتحمن هذا العالم الرجالي إلاّ أنّهن يفضّلن التحفظ على هويتهن بل البعض منهن يرفضن التكلم الى الصحافة لنشر يومياتهن كسائقات لسيارة الأجرة. تحديات كبيرة ومخاطر كثيرة «ز س»، امرأة بلغت عقدها الخامس عملت لسنوات تفوق العشر سنوات كسائقة لسيارة الأجرة حدثتنا عن عملها فقالت: «لم أتخيل يوما أنني سأقدم على دخول هذا العالم الرجالي، الذي ظل حكرا عليهم وربما اعتقد البعض في وقت ما أن مهنة سائق الطاكسي لن تستهوي يوما المرأة، ولكن الظروف والاستقرار الذي تعرفه البلاد جعل المرأة تفكر بها كأي واحدة من المهن، فاليوم نجد سائقة الحافلة، المترو والترام، ولكن تبقى سائقة سيارة الاجرة لها خصائصها التي تجعلها مميزة بالنسبة للمرأة». وعن السبب الذي جعلها تعمل في هذا المجال، تحدّثت «ز س» إلى «الشعب» قائلة: «في نهاية السبعينات استطاع زوجي الحصول على خط سيارة اجرة وعمل فيه لسنوات طويلة، ولكن في بداية سنة 2000 تعرض إلى حادث مرور ألزمه الفراش فكان عليّ الخروج للعمل لتوفير متطلبات وحاجيات البيت والاطفال، لذلك جعلني «دوبلور» له، أتذكّر يومي الاول في محطة المسافرين بساحة أول ماي أين لاحقتني نظرات الاستغراب والاستعجاب كيف لامراة أن تعمل سائقة طاكسي، بل بعض زملاء زوجي جاءوا لزيارته وطلبوا منه عدم قبول هذه المجازفة، فردّ وقال إنني امراة بألف رجل..ولكن عملي اليومي جعلني أتأكد أن مخاطر هذه المهنة كبيرة ومتعددة خاصة وأنك تلتقي مع كل أنواع الأشخاص الموجودين في المجتمع، لذلك على السائق أن يكون ذكيا في التعامل معهم، ولن أنفي تعرضي لمضايقات كثيرة فبعض الاشخاص يظنون أنني سهلة وليست لديّ عائلة تخاف عليّ، فيتعاملون معي كانني امرأة غير محترمة ولكني في كل مرة كنت أرد عليهم بقوة بل في بعض الاحيان كنت أضطر إلى إنزالهم في منتصف الطريق، ولكن من جهة اخرى كنت أجد استحسانا كبيرا من النساء اللّواتي أصبحن يركبن معي طوال سنوات عملي، لانني لم اكن اعمل خارج الجزائر العاصمة لذلك حددت قائمة زبائني الذين كانوا في الاغلب نساء خاصة اللواتي ينتقلن في الصباح الباكر الى مقر عملهن». وأضافت قائلة: «بل أتذكّر أنه في إحدى المرات وقع شجار بين الزبائن في السيارة جعلني أقع في حيرة من أمري ماذا أفعل؟ خاصة وأن أحدهم أخرج سكينا، أتذكر أنني توقفت وخرجت من السيارة ليتدخل المارة لفض النزاع، ولولا ذلك لأصيب أحدهم بمكروه. لعل تلك الحادثة هي التي جعلتني أفكّر في ترك المهنة لأنّني أمّ بالدرجة الاولى ولا أريد أن أكون سببا في تعاسة أبنائي، الذين طلبوا مني ترك العمل كسائقة سيارة أجرة عندما كبروا وأصبحوا رجالا، لذلك فضّلت التقاعد وإعطاء المفاتيح لابني الذي يعمل اليوم كسائق لسيارة أجرة، متسائلا في كل مرة يعود فيها الى البيت عن الطريقة التي استطعت بها العمل في هذا المجال طوال تلك السنوات». حلم قد تحقّق رحلتنا لم تتوقف عند هذه السيدة التي جعلتنا نؤمن أن المرأة تكسب احترامها من المحيط بفرض شخصيتها القوية وباحترامها لنفسها، لذلك اتصلنا باحدى جميلات الجزائر التي راهنت على تحدي المجتمع بعملها كسائقة سيارة أجرة، سألناها عن عملها وعن سبب اختيارها لهذه المهنة فقالت: «عندما أراد والدي التقاعد بحث عن شخص يعمل على سيارة الاجرة التي كان خطها يملكه جدي، ولأن والدي لم يكن لديه أبناء ذكور، فكّر في توظيف أحد أبناء معارفه، وبالفعل عمل أحدهم لمدة تفوق السنة ولكنه مع مرور الوقت اكتشف أنه يقوم بأعمال مشبوهة بسيارة الأجرة، الأمر الذي جعله يوقفه عن العمل، في تلك الفترة فكّرت في العمل كسائقة سيارة أجرة، في البداية وجدت رفضا كبيرا من العائلة، ولكن إصراري جعل والدي يرضخ لرغبتي ويوافق على طلبي وبشرط ألا يتجاوز دوام عملي الخامسة مساءً، وألاّ أنقل الزبائن إلى أحياء أو مناطق نائية». واستطردت قائلة: «عند ولوجي هذا المجال لم أكن اعلم أن صعوبات هذه المهنة كبيرة، فالبعض من الزبائن ينظر إلى سائقة سيارة الأجرة بانتقاص كبير، وكأنها تخلت عن مبادئها وأخلاقها لتدخل هذا المجال، والبعض الآخر تجده يحاول إعطاءك جرعات من التشجيع لأنهم يفضلون أن تتنقل زوجاتهم أو أخواتهم أو أمهاتهم مع امرأة تقود سيارة أجرة على الرجل، ولكن وجدت صعوبة كبيرة في الصمود وسط الإجحاف الذكوري الذي يريد صد أي محاولة تريد المرأة من ورائها إثبات ذاتها وقوتها في أي مجال كان». وأضافت قائلة: «ولكن حبي للمهنة جعلني أصمد أمام هذه المثبطات وأصرّ على المضي قدما فيما أريد تحقيقه، ولكن العمل الميداني جعلني أصطدم مع واقع مر، فحتى وأن وقف أصدقاء والدي إلى جانبي بتعليمي كل ما يتعلق بهذا المجال يبقى جلوسك في سيارة مع شخص لا تعرف عنه شيئا مخاطرة كبيرة. في البداية كنت أحرص على نقل الأزواج والنساء، ولكن مع مرور الوقت أصبحت أنقل الجميع، ومع الخبرة التي اكتسبتها أصبحت أكثر حذرا في اختيار زبائني، فالمشاكل الذي يقع فيها سائقي سيارات الأجرة كبيرة وبعضها معقدة، فما بالك إن كان السائق امرأة!». مهنة صعبة على المرأة وحتى نعطي الموضوع سألنا «عمي محمد»، سائق طاكسي منذ ما يقارب الثلاثين سنة عن اقتحام السيدات لمجال عملهم فقال: «في الحقيقة وجود سائقات سيارة الأجرة أعطى لبعض الزبائن شعورا بالأمان، فاغلب النساء تفضلهن في تنقلاتهن، وحتى الرجال الذين يتنقلون رفقة عائلتهم يفضلون أخذ سيارة أجرة تقودها امرأة». واستطرد قائلا: «ولكن بصفتي سائق سيارة أجرة لسنوات طويلة أستطيع القول أنّ المهنة محفوفة بكثير من المخاطر ما يجعل المرأة السائقة مهدّدة في كل مرة يكون بجانبها زبون مجهول الهوية، فمع انتشار كل الآفات الاجتماعية يجعل من أي زبون شخصا مشبوها بمكن أن يكون حاملا لسلاح أبيض أو مخدرات أو أن يكون منحرفا، لذلك يصبح هذا المجال صعب جدا فالرجال في هذا الميدان يشتكون التقهقر الذي تعرفه مختلف المعاملات الاجتماعية، إلى جانب أن سائقي سيارات الأجرة ليسوا كما كانوا ملتزمين بقواعد الخدمة التي يقدّمونها للزّبون».