وضعت وزارة الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري، في صلب اهتمامها تنمية المناطق الجبلية، باعتبارها عنصرا مهما للحياة، وأحد الركائز التي تعول عليها للدفع بعجلة التنمية المحلية وتحسين الظروف المعيشية للمواطن، فبعث مشاريع جوارية بمثل هذه المناطق يساهم في استقرار السكان بموطنهم الأصلي، ويخلق نشاطات اقتصادية وإن كانت صغيرة، تضمن دخل للأسر وتساهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي في البلاد، وهو ما حرصت على تجسيده في البرامج الخماسية المتتالية، حيث تم برمجة 12 ألف مشروع جواري للتنمية الريفية المندمجة على المستوى الوطني في إطار برنامج التجديد الريفي 2010 - 2014، لفائدة أزيد من 1.2 مليون أسرة، سمح بتوسيع المساحات الزراعية المستخدمة إلى أكثر من 250 ألف هكتار، وعلاج مساحة 8 ملايين هكتار، واستحداث أكثر من 1 مليون منصب عمل. لم يكن عبثا، حينما اختارت وزارة الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري الاحتفال باليوم العالمي للجبل المصادف ل11 ديسمبر من كل سنة، بولاية تيسمسيلت، فهذه الولاية المعروفة بطابعها الريفي أنصفتها الطبيعة، حيث حباها الله بأراضي و جبال، وغابات، وسهول، وموارد مائية تبعث بالحياة حتى في أعلى قمم الجبال، ولكن ظلمها المسؤولون المحليون المتعاقبون على إدارتها، فأول مشهد يقابلك و أنت في الطريق الملتوية قاصدا إياها مناظر المساحات الزراعية الواسعة الممتدة تحت سفوح الجبال المترامية الأطراف، حولها الفلاحين إلى فضاءات تنبض بالحياة رغم تضاريسها الصعبة، في حين إذا ما ارتفعت إلى أعلى يستقبلك اخضرار لا متناهي قادما من الغطاء الغابي المتنوع الذي يجمع بين شجر الأرز، والمرو، والصنوبر الحلبي وغيرها من الأصناف، ولكن وراء جمال الطبيعة تظهر التنمية المحلية “باحتشام”، و يمكنك أن ترى الفقر يمشي فيها بين المداشر، ويتكأ تحت جدران الطوب و يقف خلف النوافذ، فبهذه الولاية ما تزال بيوت الصفيح تنتشر فيها هنا وهناك، جعلتها تظهر في “صورة رثة” أمام التنوع الطبيعي للمكان، قد يكون ذلك بسبب عدم مسايرة المسؤولين المحليين مجهودات السلطات العليا للبلاد التي ما فتئت ترصد الأموال وتضع المخططات التنموية من أجل تحريك عجلة التنمية بهذه المناطق، و إخراجها من عزلتها. تجسيد 7 آلاف مشروع بالمناطق الجبلية الواقع المرير والظروف المعيشية الصعبة، لم تمنع سكان المنطقة من استصلاح الأراضي الفلاحية الجبلية بفضل دعم ومرافقة الوزارة الوصية، وقد ظهر ذلك جليا في مزرعة رسوف بختي ببلدية ثنية الحد، والذي اختار جزء من سفح الجبل، للاستثمار فيه، وإقامة مزرعة لتربية الأبقار، واستصلاح قطعة أرض لزراعة الخضروات، وقد تزامن وصولنا رفقة الوفد الوزاري، بجني محصول البطاطا، يوجه للاستهلاك الفردي، وللتسويق المحلي، في حال تحصيل فائض في الإنتاج. أكد وزير الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري سيد أحمد فروخي، بالمناسبة، أن السلطات العليا للبلاد بذلت “الكثير من الجهود” في 15 سنة الأخيرة، لتطوير الأنشطة الفلاحية بالمناطق الجبلية، وإعادة الاعتبار لبعض المنتجات المهددة اليوم بالزوال، بسبب إدخال شتلات وأصناف مستوردة. وتسعى الوزارة الوصية حسب ذات المسؤول، إلى مضاعفة الجهود خلال الخماسي الجاري 2015 - 2019، لتطوير الفلاحة الجبلية سيما تلك المرتبطة بإنتاج الزيتون، التين، الكرز، الرمان، واللوز لإعطائها المكانة التي تليق بها، فقد أظهرت التجربة لجوء سكان المناطق الجبلية إلى إدخال أصناف جديدة لمنتجات قادمة من الضفة الأخرى للمتوسط، وإن نجحت زراعتها، إلا أن للفواكه و الخضراوات الجبلية ذوق مميز مثل تفاح “لاقولدان” و«كرز الجبل” وإن كان شكلها “الصغير” لا “يروق للعين”، وقد باتت الفواكه “الأوروبية الأصل” تهدد المنتجات الفلاحية المحلية، ما يستدعي تحرك مصالح القطاع، لتحسيس سكان المناطق الجبلية بأهمية الحفاظ على منتوجات “الأجداد” لما لها من فائدة صحية واقتصادية على حد سواء. وحتى لا يفقد الفلاحون أراضيهم بسبب عوامل المناخ، سيما خطر الفيضانات وانجراف التربة، بادرت وزارة الفلاحة حسب فروخي - بوضع برامج وإجراءات من شأنها حماية المناطق الجبلية من العوامل الطبيعية التي تهددها، دون نسيان العامل البشري حيث يتواصل برنامج تغطية الفلاحين بالحماية الاجتماعية لضمان ديمومة نشاطهم. وقد أوصى فروخي، الفلاحين بالإعتماد على السقي التكميلي، لرفع الإنتاج سيما في مجال الحبوب والبقول الجافة التي تشتهر بها المنطقة، لتلبية احتياجات السوق المحلية والوطنية وضمان الأمن الغذائي للبلاد، وعمدت المصالح المعنية من أجل ذلك إلى إنجاز حاجز مائي بواد ملولين بالعيون، قدرة استيعابه 500 متر مكعب، أعطى إشارة انطلاق أشغاله وزير الفلاحة خلال زيارته للمنطقة. وتحصي ذات المصالح، وجود 300 ألف مستثمرة فلاحية صغيرة على المستوى الوطني، تشكل المساحات الغابية منها 70٪، في حين 20٪ هي مساحات فلاحية، كما تم إنجاز 12 ألف كلم من المسالك الفلاحية والغابية منذ سنة 2000 إلى غاية اليوم، وتجسيد 7 آلاف مشروع بالمناطق الجبلية، فضلا عن عملية تشجير 700 ألف هكتار منها 150 ألف هكتار من الأشجار الثمرة المقاومة على غرار الزيتون، واللوز. مخبر لتحليل نوعية العسل ...مطلب ملح في الحظيرة الوطنية المداد ببلدية ثنية الحد، التي احتضنت الإحتفالات المخلدة لليوم العالمي للجبل، حيث تنتشر أشجار الأرز والبلوط، والفلين، وأصناف نباتية أخرى وأنواع حيوانية فريدة من نوعها، اجتهد الفلاحون والحرفيون في إبراز المنتجات الجبلية للمنطقة، وبين رغبة في التمسك بمهنة الأجداد، وأمل في توسيع الأنشطة الممارسة، يقف هؤلاء في منطقة وسطى بسبب نقص الإمكانيات وضعف مصادر الدخل، فلا بإمكانهم التخلي عن مهنتهم البسيطة، ولا يمكنهم الاستمرار فيها على نفس النهج “لأنها لا تسمن ولا تغني من جوع”، فأغلب المنتوجات الجبلية توجه للإستهلاك الفردي، وجزء بسيط منها يوجه للسوق المحلية في حال تسجيل فائض، دون أن يتعدى حدود القرية التي يقطن بها الفلاحون في أغلب الأحيان. زبار حسان مربي نحل، لم يمنعه عدم امتلاكه لقطعة أرض من الإستثمار في تربية النحل منذ سنة 2003، فهو منذ ذلك التاريخ يتنقل من منطقة جبلية إلى أخرى لإقامة صناديق النحل، وانتظار جنيها في نهاية الموسم، يعتمد على كراء أراضي من سكان المناطق التي يقصدها لإنتاج مختلف أنواع العسل التي تجود به أزهار الأشجار المثمرة وغير المثمرة، من السدر، الكاليتوس، واللبينة وغيرها من الأصناف، يأمل اليوم، في أن تمنح السلطات المعنية له قطعة أرض لتوسيع استثماره، ليشمل تربية أنواع أخرى من الحيوانات على غرار الكباش، والأبقار. وتسهر الجمعية الولائية لمربي النحل، حسب رئيسها عبد القادر مشبك في تصريحه ل “الشعب” على تنمية تربية النحل عبر تراب الولاية، وكذا تسويق منتوجات النحل والتعريف بها على المستوى المحلي والوطني من خلال المشاركة في المعارض التي تنظم، فهي تضم 164 منخرط يعملون خلال لقاءاتهم الدورية على تقييم هذا النشاط وحصر مشاكله لطرحها على المسؤولين بما فيها الوزارة الوصية لإيجاد حلول لها. ولعل ما يؤرق مشبك و زملائه، غياب مخبر لتحليل العسل و الوقوف على نوعيته من ناحية الجودة، ناهيك عن انعدام فضاءات لبيع منتوج العسل، إذ يتم حاليا بيعه بالشوارع، وقد دعا مشبك السلطات المحلية إلى تخصيص جزء من محلات رئيس الجمهورية لفائدة مربي النحل لبيع منتوجهم بشكل قانوني ومنظم. المرأة الريفية، استفادت هي الأخرى من الدعم المقدم من طرف الدولة، فانخرطت هي الأخرى في مسعى تطوير التنمية المحلية، وإنعاش الأنشطة الفلاحية الجبلية، على غرار زهرة فرعون من بلدية سيدي بوتشنت التي تقوم بصناعة مواد غذائية من القمح والشعير، والبلوط، تسوقها على المستوى المحلي، إلى جانب حليب الأبقار، كما تقوم بصناعة الألبسة التقليدية بعد استفادتها من قرض مصغر، تأمل أن يمنح لها قرض آخر لتوسيع نشاطها لزراعة الخضر و الفواكه وتربية المواشي، لأن المنتوج القادم من المستثمرة التي تنشط فيها يكفي لسد حاجة العائلة و أحيانا يوجه الفائض إلى البيع، وهذا نادرا ما يحدث، نظرا لتأثر الإنتاج خاصة الحبوب بالجفاف الذي يضرب المنطقة، لذا تطالب اليوم بتقديم المزيد من الدعم المالي لشراء عتاد الحرث، و وسائل السقي لرفع مردود الهكتار الواحد، وتنويع الإنتاج. ويعمل حرفيون تابعون لغرفة الصناعة التقليدية، على صنع منتوجات مادتها الأولية 100٪ محلية، تتمثل في الدوم و الطين، فتجد الأواني الطينية والفخارية، وقبعات الدوم، الغربال المستعمل في صناعة الكسكس، القفف، وغيرها من المنتجات التقليدية التي أضحت مهددة بالزوال اليوم، بسبب تراجع الإقبال على هذا النوع من الحرف، وإهتمام الشباب بالصناعات السهلة والمربحة. ويقول مدير الغرفة الصناعة التقليدية علي محمد، أن الترويج لهذه الحرف ضرورة ملحة، لإيجاد مكانة لها في الأسواق المحلية، الوطنية، والدولية، والرفع من حجم المبيعات، فلو نركز على الجانب الصحي للقفة، أو الأواني الطينية، لاستطعنا لفت انتباه المستهلكين لهذا النوع من المنتوجات. الحظيرة الوطنية المداد... صيدلية مفتوحة على الطبيعة لا تنحصر المنتوجات الجبلية في الفواكه التي تجود بها الأشجار المثمرة، أو الخضروات التي تزرع، بل تشمل الأعشاب الطبية التي تستعمل في علاج الكثير من الأمراض دون آثار جانبية غير مرغوب فيها، وتعد الحظيرة الوطنية «المداد» بثنية الحد وسط طبيعي لعدة أصناف من الأعشاب، أثبتت التجربة و الاستعمال المتكرر نجاحها في علاج أمراض مستعصية، وأصبحت تنافس بذلك الأدوية الكيماوية والمضادات الحيوية، حيث باتت تباع في الصيديليات، وخصصت لها محلات تجارية ضخمة انتشرت بالمدن الكبرى كما في الأرياف. ويقول بائع الأعشاب محمد مكي، أن المداواة بالأعشاب الطبية التي تنمو بالحظيرة تمتد إلى قديم الزمان، وقد استعملها صيدلي فرنسي يدعى بارصا أقام بالمنطقة إبان الاحتلال الفرنسي، حيث كان يصنع منها مشروب “تيزانة” يعالج مختلف الأمراض، كما برع الجزائريون في ذلك دون أن يتمكنوا من استخلاص الزيوت والخل نظرا لانعدام مخبر بالمنطقة، لكن هذا لم يمنعهم من مواصلة مهنة الأجداد، والقيام بجمع الأعشاب وتصفيتها وبيعها مجففة، لاستعمالها وقت الحاجة، إلى جانب العسل، أو من دونه، فعشبة “مرارة الحنش” تستعمل لعلاج آلام البطن، و«اللنج” مفيد للقلب وكذا عشبة تيزرار التي توجد بالمنطقة فقط، “تلغوذة” مفيدة للوزتين، “النبغ” مفيد للبورستات والضغط، “ بوعظيمة” مفيدة لأوعية القلب، وغيرها من الأعشاب المعروفة بعلاجها لبعض الأمراض والتخفيف من أثارها.