تسجل مؤشرات مشجعة على مسار ترشيد النفقات العمومية من خلال التقليص الملموس للفاتورة المخصصة لتمويل عمليات الاستيراد التي أصبحت تحت المجهر، في ظل تراجع إيرادات البلاد جرّاء أزمة أسعار المحروقات. بالفعل عرفت فاتورة العديد من المواد تراجعا، على غرار مواد البناء والحليب والسيارات، في انتظار الضغط على فاتورة الحبوب وذلك من خلال الرفع من وتيرة الاستثمار المنتج الذي يعول عليه في السنة الجارية التي تتميز بتنظيم ندوة وطنية شاملة لقطاع الفلاحة تتمخض عنها ورقة طريق متوسطة وبعيدة المدى كفيلة بأن تدمج الفلاحة في صلب التحولات الاقتصادية. وفي الوقت الذي تقدمت فيه بعض الفروع الصناعية، خاصة الميكانيكية التي يرتقب أن تحقق النتائج المسطرة في المدى المتوسط، من حيث إنتاج القيمة المضافة المحلية وتوسيع نطاق الاندماج، لايزال فرع الصناعة الدوائية يشكل الجانب الهش في النسيج الصناعي ومصدر انشغال بالنسبة لتنمية مسار تقليص النفقات المالية بالعملة الصعبة التي تتطلب حمايتها تحسّبا لمواجهة التحديات الراهنة المرتبطة بالتنمية الوطنية وضرورة تلبية الحاجيات الأساسية للمجتمع. ويرتفع حجم سوق الأدوية إلى حوالي 2,8 مليار دولار، تمثل 55 من المائة منها تمويلات لعمليات استيراد ينبغي أن يتم تلجيمها دون المساس باستقرار العرض والطلب. ويكون هذا بالتنشيط النوعي لمسار الاستثمارات المنتجة للأدوية، خاصة وأن مناخ الاستثمار يعرف تحسّنا مطّردا يميّزه الحسم في معضلة العقار الصناعي وإطلاق جسور الشراكة بين المؤسسة العمومية والخاصة. علما أن عدد المنتجين لايزال محدودا، بالنظر لحجم الطلب في السوق التي تنشط فيها شركات أجنبية وجدت مؤشرات النمو وتحقق أرباحا تنافسية مقارنة بمناطق استثمارية إقليمية ودولية أخرى. ولأنها سوق جذابة ويعرف تسويق الأدوية فيها سيولة مثيرة لعدة اعتبارات، منها ارتفاع عدد المرضى واعتماد الدولة سياسة صحية مدعمة نابعة من طبيعة الخيارات الوطنية الكبرى القائمة على الفعالية الاقتصادية والحماية الاجتماعية للمواطنين، مثلما هو متضمن في الدستور، فإنه ينبغي أن تعرف مرافقة بإجراءات للضبط تمنع تسرّب أي معاملات غير شفافة تستنزف القدرات المالية وذلك بمضاعفة عمليات المراقبة الذكية لكسر شوكة الفساد في قطاع يرتبط في جانب منه بالأمن الوطني المالي والاقتصادي. ويعول على المجمع الصناعي للأدوية ليكون القاطرة التي تجرّ قطاعا حساسا ينشط فيه متعاملون خواص يساهمون في إنتاج القيمة المضافة وتنمية القدرات الوطنية، مع تركيز على الرفع من وتيرة التصدير لبعض المواد نحو إفريقيا والسوق المغاربية. وتوجد اليوم كافة العناصر اللازمة لإنجاز الأهداف الاقتصادية والمالية في هذا النوع من الصناعة ذات الطابع الحساس والتي ترتكز على اقتصاد المعرفة وهو ما يمكن تحقيقه من خلال إدخال التكنولوجيات واستقطاب الكفاءات الجامعية، تتقدمها النخبة المتخصصة في ابتكار وصناعة الدواء والتجهيزات الطبية وأشغال الصيانة التي تكلف الميزانية العمومية للمستشفيات والعيادات مبالغ هائلة.