من باماكو إلى كوت ديفوار، مرورا ببوركينافاسوونيجيريا والكاميرون، الإرهاب كثّف إجرامه الدموي بأفريقيا، والظاهرة الإرهابية أصبحت تثير الكثير من القلق والمخاوف، الأمر الذي دفعنا للوقوف عندها بالمتابعة والتّحليل من خلال هذا الحوار الذي أجرته «الشعب» مع الباحث زاوي رابح أستاذ العلوم السياسية بجامعة مولود معمري بتيزي وزو، الذي تطرّق إلى سبب تنامي الإرهاب بمنطقة غرب افريقيا على وجه التحديد مرورا بالتنظيمات التي ترفع رايته الدموية، ووصولا إلى وسائل وامكانية دحره. التفاصيل في هذا الحوار الذي أجرته معه «الشعب». ‘الشعب»: التفجير الذي هزّ مؤخرا كوت ديفوار، عزّز المخاوف من التهديد الإرهابي الذي يخيّم على إفريقيا، فما تعليقكم؟ الأستاذ زاوي رابح: في اعتقادي التهديد الإرهابي كان ومازال موجودا، ربما الفرق الوحيد يكمن في توسّع شبكة التنظيمات الدموية في المنطقة، فبعد أن كان تنظيم «بوكوحرام» في نيجيريا التنظيم الأبرز، أدى ظهور تنظيم «القاعدة» إلى استحواذه على مساحات واسعة من النشاط والاهتمام الإقليمي والدولي. الملاحظ هو أن منطقة غرب إفريقيا انتقلت من كونها مجال مغلق إلى فضاء مفتوح بالنسبة للتنظيمات الارهابية كنتيجة حتمية لتردي الوضع الأمني في مناطق معينة على غرار نيجيريا، أين شهدنا ارتفاعا محسوسا في حدة الأعمال الإرهابية لجماعة بوكوحرام، هذا من جهة، ومن جهة مقابلة لاحظنا أن التدخل الفرنسي في شمال مالي أحدث تأثيرات كبيرة على انتشار التنظيمات الإرهابية في المنطقة موازاة مع ارتفاع عملياتها، وكلها عوامل جعلت هذه التنظيمات أمام حتمية البحث عن منافذ جديدة تمكنها من التحرك بسرعة وحرية، وكذا أحداث خروقات أمنية في الترتيبات الموجودة بالمنطقة التي تعاني أصلا من خلل كبير، وهشاشة واضحة. إذن تفجيرات كوت ديفوار هي استمرار لعمليات سابقة ومشابهة، على غرار ما حدث في ماليوبوركينافاسو، الشيء الجديد هو استهداف المنتجعات السياحية، خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن منطقة غرب إفريقيا هي من أهم الوجهات السياحية في العالم. فالهدف كان إحداث صدى إعلامي كبير وكذا استقطاب التأييد لتنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، الإرهابي خاصة بعد فقدانه لبريقه كنتيجة لصعود أسهم تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» داعش «كما أن العمليات أبانت عن حجم الامتدادات التي تحظى بها تلك التنظيمات في النسيج القبلي والمجتمعي في بعض الدول، وهو ما ساهم في تحويلها إلى خطر استراتيجي على الوضع الأمني في المنطقة. الإرهاب في غرب إفريقيا لا يحصر نشاطه الدموي في دولة واحدة، لكنه يتحرك بين الدول بكل حرية، من نيجيريا إلى بوركينافاسوومالي، فما القصد من هذه الإستراتيجية؟ ^^ يمكن اعتبار أن أهم تنظيمين إرهابيين في المنطقة حاليا على الأقل، هما تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، خاصة بعد انضمام تنظيم «المرابطين» إليه، وتنظيم «بوكوحرام «، ولكن يظلّ لكل من التنظيمين إستراتيجيته الخاصة وإيديولوجيته المحددة لنشاطه، فإذا كان الأول هو امتداد طبيعي للجماعة السلفية للدعوة والقتال، فالثاني انتقل من معارضة النظام النيجيري (نظام التعليم الغربي المتبع) إلى قيامه بتفجيرات وعمليات خطف، فخلال الفترة الممتدة من 2011 إلى 2013، قام تنظيم «بوكوحرام» بأكثر من 30 عملية، هذا بدون إغفال دور»حركة التوحيد والجهاد». ما يسهل من عمل تلك التنظيمات وتحركها النشط في هذه المنطقة هي مجموعة عوامل أهمها: أولا، الطبيعة الجغرافية، صحراوية في معظمها بشكل تسهل من تحرك أعضائها وتزودها بالمعدات والمؤونة. ثانيا، انتشار الفكر السلفي الجهادي، وهي بيئة خصبة للمجموعات الإرهابية وتكاثرها. ثالثا، فشل أغلبية دول منطقة غرب إفريقيا في تحقيق درجة عالية من الاستقرار السياسي، فخلال الفترة الممتدة من 1958 إلى 2008، عرفت المنطقة أكبر عدد من الانقلابات. كما أن التدخل الفرنسي في شمال مالي دفع بالتنظيمات الإرهابية إلى تغيير أساليبها، من خلال الاعتماد على أسلوبين بارزين: الأول، وهو الاندماج أكثر في النسيج القبلي والمجتمعي للمنطقة من أجل ترسيخ علاقاتها بالسكان المحليين. الثاني، الاعتماد على أسلوب الانتشار السريع وحرب العصابات. إذن فالتدخل الفرنسي في مالي، واستمرار الانفلات الأمني في ليبيا، إلى جانب هشاشة الوضع في النيجر، كلها عوامل متداخلة ومترابطة بشكل كبير، وبالتالي فتلك التنظيمات وجدت نفسها في بيئة خصبة لتنفيذ عملياتها. إلى أي مدى يمكن أن يصل حجم التهديد الإرهابي في إفريقيا، وهل سنرى توسعا لعملياته أم أن ضرباته ستبقى متباعدة؟ الأمر يبدو مقلقا يوما بعد يوم، لعدة اعتبارات أهمها أن انتقال تلك التنظيمات من حدودها التقليدية إلى عمليات خارجها يؤشر على تنامي شبكة علاقاتها، وقدرتها على تجنيد عناصر جديدة، وهو أكبر تحد لها، أين شهدنا بعد التدخل الفرنسي في مالي نزيفا للمقاتلين وانتقالهم إلى فضاءات قتالية جديدة. هل سنرى توسعات للعمليات الإرهابية؟ هل الأمر يبقى مرهونا أكثر باستمرار حالة اللااستقرار في المنطقة، خاصة مع تأخر الحل السياسي في ليبيا، وتقدم تنظيم داعش فيها، كلها عوامل تؤشر على احتمال استمرار العمليات الإرهابية، ولكنها ستبقى متباعدة جغرافيا على الأقل مع حفاظها على نفس النهج وهو البحث عن نقاط الضعف المسجلة في الترتيبات الأمنية لدول منطقة غرب إفريقيا. تفجير كوت ديفوار تبنّاه تنظيم القاعدة الدموي، ما يعني أن الإرهاب في إفريقيا يتقاسمه أو يتنازعه تنظيمان مختلفان هما «القاعدة «و»داعش»؟ ^^ حتى نكون أكثر دقة، فالتفجيرات التي عرفتها كوت ديفوار تبناها تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، ولو أنني لا اعتقد بوجود تنافس بين هذا التنظيم وتنظيم داعش الإرهابيين، لكون الجذور الإيديولوجية متقاربة إلى حدّ كبير، فداعش يمكن اعتبارها نسخة مطورة من تنظيم القاعدة العالمي، ربما ما يوجد أكثر هو تقاسم أدوار و مناطق بين التنظيمين، فالتنافس وإن وجد فهو محصور في استقطاب المقاتلين للتنظيمين، ودرجة تحقيق صدى إعلامي كبير. وهنا لا بد من التذكير بخطورة التنظيمين انطلاقا من حجم التهديد الذي يمثلانه للمنطقة وأمنها، وحتى لمصالح القوى الغربية. في تصوّركم كيف تشكّل الإرهاب في إفريقيا، من يقوده، يدعمه ويموله؟ حتى نفهم الإشكالية أكثر، يجب علينا أن نحدّد بدقة من هي التنظيمات الإرهابية، ففي اعتقادي أن إلصاق صفة الإرهاب ببعض الأقليات المسلمة في إفريقيا كان ومازال هو البحث عن شرعنة التدخل الخارجي فيها، وكذا فرض نوع من القبول للسياسات والمشاريع الخارجية. فقد لاحظنا كيف أن تنظيمات معينة تستهدف مناطق محدّدة دون أخرى، فعلى سبيل المثالأغلب المحللين رجحوا أن تكون النيجر الوجهة الموالية للتنظيمات الإرهابية لكنها ضربت في كوديفوار!!، على الرغم من أن النيجر وضعها أكثر هشاشة من كوديفوار. من يقود الإرهاب هي تنظيمات متطرّفة الفكر والممارسة، تستهدف بالأساس خدمة أجندات غربية محدّدة، أصبحت مكشوفة في بعض جوانبها، خاصة ما تعلّق الأمر بتمويلها ودعمها. ربما ما يصعب من عملية التمييز بين تلك التنظيمات هو بناءها لشبكة علاقات واسعة، وتداخل نشاطها في جوانب عدة مع الشبكات الإجرامية بصورة تضمن بها دعما ماليا و غطاءا لنشاطاتها في نفس الوقت. يبدو أن دحر الإرهاب في إفريقيا أمر لا يحظى بالكثير من الاهتمام، فما السبب؟ بل هو موضوع يحظي بالاهتمام، ومازال كذلك، ولكن مازالت الميكانيزمات المعتمدة تفتقر إلى الرؤية الكاملة والشاملة، فأغلب أسباب نشوء الظاهرة هي ذات طبيعة اقتصادية، اجتماعية، وتنمية، في حين أن المقاربة المنتهجة هي مقاربة أمنية صلبة، وهو ما انعكس على ردة فعل تلك التنظيمات. العامل الآخر هو أنه على الرغم من وجود إطار تكاملي اندماجي متمثل في المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، إلا أنها تبقى عاجزة عن توحيد الرؤى اتجاه التهديدات القائمة، ولو أن رؤساء دول وحكومات المجموعة تؤكد باستمرار على ضرورة محاربة التهديدات الأمنية. بالنسبة للقوى الكبرى، هو يحظى باهتمام كبير، والدليل على ذلك مخطط العمل الجديد الذي يخصّ القيادة العسكرية الأمريكية (الافريكوم) والذي وضع هدف تضييق الخناق على الجماعات الإرهابية هدفا رئيسيا، أين يشير المخطط إلى وجود أكثر 2500 عنصر ينتمون للتنظيمات الإرهابية في المنطقة، إذن الاهتمام موجود، لكن عجز الدول الإفريقية عن تولي زمام المبادرة وتفعيل أطر التعاون الموجودة هو أكبر حاجز موجود. ما مستقبل الظاهرة الإرهابية في القارة السمراء؟ التحدي الأكبر المطروح أمام الظاهرة الإرهابية في إفريقيا مرتبط بمدى توفر الإرادة الحقيقة للتعامل الجدي معها، فالتجارب أثبتت أن التعاطي مع الظاهرة وفق لوائح وقوانين غير مجدى إلى حدّ كبير، بقدر ما هو مرتبط بإيجاد آليات تعاون فعالة بين الدول الإفريقية، ونتساءل فقط عن ما سيكون عليه مصير التنظيمات الإرهابية في حال عودة أكثر من 2000 شاب يقاتل في صفوف تنظيم داعش إلى أوطانهم؟ أكيد أن حجم الظاهرة كبير وتحدى التعامل معها أكبر.