كل عام تعود إلينا ذكرى مظاهرات 11 ديسمبر 1960 ويعود معها السؤال الكبير هل يحظى الحدث التاريخي منعرج التحرر الوطني بالعناية اللازمة؟ هل اهتممنا به بالشكل الذي يليق به ودوناه في مؤلفات تروي جوانب مهمة من الثورة الجزائرية وخصصنا له حيزا في الأفلام والأشرطة لتذكير جيل الاستقلال بان الحرية انتزعت بالدم ولم تمنح هباء؟ انه سؤال مشروع يطرح باستمرار في كل حدث وطني يتعلق بالثورة التحريرية التي تتعرض للتشويه من قبل صغار النفوس ومن لم يهضم التحرر الجزائري واستعادة السيادة ويواصل في حملته الدونكيشوطية من اجل تزوير الحقائق وتمرير أشياء ما انزل الله بها من سلطان. يواصل ترويج مغالطات عن ثورة التحرير بالاعتقاد الراسخ انه حركة تمرد وعصيان قام بها مغامرون ومقامرون، وهي ليس ابعد من أن تحمل مشروع مجتمع ورسالة بناء وتعمير، بل تصفية حسابات بين قادة متعطشين لحب الزعامة والانفراد بالقرار وتوجيه امة بأكملها، حسب المزاجئوالرؤية الضيقة. وردت هذه المقولات في كتب فرنسية تدس بالمؤسسات التعليمية ألفها من يضعون أنفسهم شاهدين على ما حدث في الجزائر إبان الاحتلال الفرنسي، ويقسمون أنهم لم يروا غير الحقيقة المطلقة. والأمثلة واردة في مؤلفات ''ايف كوريار'' التي تقدم على أنها اقرب من الواقع والثورة الجزائرية، وفي مؤلفات مئات الكتب التي تعج بها المكتبات وتدرج كلها في سياق تشويه الحقائق والمعطيات آخر خرجاتها الادعاء السافر بان للاستعمار رسالة تمدن وتحضر لا تغفل. فماذا فعلنا نحن من اجل تدوين التاريخ الوطني وتلقينه للأجيال وتدريسه وحفظه بلا زيادة ونقصان طالما انه يخص الذاكرة الجماعية ولا يمكن تركه للعبث والتطاول وأحاطته بمغالطات والتناحر السياسي وحسابات الربح والخسارة؟ المؤكد أن ما كتب عن الثورة الجزائرية ومراحلها ووقائعها لا زال بعيدا عن عظمة الحدث الذي غير مجرى التاريخ، واحدث اهتزازا في العالم الذي سارع لتصحيح موقفه وإعادة الأمور إلى نصابها وتحرر من الأفكار المسبقة والكليشيهات الفرنسية، مناديا بأعلى الصوت بأحقية الجزائر في الاستقلال، وبان الأمة الجزائرية حاضرة في كل الحقب ومساهمة في الحضارة الإنسانية وثقافتها، وهي ليست غائبة ومنعدمة مثلما ردده الفرنسيون زورا وبهتانا. واكبر تحول في المواقف وأكثرها تأثيرا جاءت من خلال السناتور الأمريكي روبرت كينيدي الذي رافع عن عدالة القضية الجزائرية التي عرضت على جلسات الأممالمتحدة للنقاش والمداولة. وكشف بالملموس أن هذه القضية الجزائرية، قضية تحرر وانعتاق بعيدا عن ما تروجه السلطات الاستعمارية الفرنسية من أنها شأن داخلي بحت، مطالبة بمزيد من السند الأطلسي في سحق ما تسميه ب ''العصيان'' و''التمرد''. حدث هذا التحول بعد أن شقت الثورة الجزائرية طريقها وتجاوزت الحواجز بفضل أهدافها الواضحة ودقتها ووسائلها التنظيمية وحنكة قيادتها الجماعية التي أوصلت رسالتها إلى ابعد الأصقاع، وانتصرت في كل المحافل من باندونغ إلى نيويورك. قرأ العالم محطات التحرر الجزائري قراءة صحيحة، مستندا إلى مصادرها الأصلية بعيدا عن النغمة الاستعمارية وتذبذباتها، وعرف كيف خرج الجزائريون يوم 11 ديسمبر 1960 في مظاهرات سلمية لتأكيد مبدأ تقرير المصير ضد سياسة الجنرال ديغول التي فعلت ما في المستطاع من اجل الإبقاء على مشروع ''الجزائر فرنسية''. عرف العالم أن مظاهرات ديسمبر المدرجة في سياق تحرر يتمسك به الجزائريون رغم حرب الإبادة والتعذيب الفرنسي، هي محطة الحسم للاستقلال واستعادة السيادة كاملة غير منقوصة.