نقص الإمكانات المادية يكبح الأفكار و المبادرات لأن التنقلات كثيرا ما تثري المسيرة المهنية للمسؤولين على قطاع له صلة وطيدة وتأثير بالغ في المجتمع يملك أحمد خوصة الفنان المسرحي ومدير المسرح الجهوي لمعسكر ما يملك من خبرة للحديث عن واقع المسرح الجزائري، أين حاولت «الشعب» جمع وترتيب ما يمكن ترتيبه من أفكار ورؤى ايجابية تصبّ في محاولاتنا لإثراء النقاش الثقافي وبناء قواعد إقلاع متينة من شأنها تطوير الحركية الثقافية وبعث الروح المتجددة فيها، خاصة في ما يتعلّق بالفن الرابع. «الشعب»: كيف تقيّمون الأداء المسرحي في الجزائر من خلال تجربتكم الطويلة في المجال؟ أحمد خوصة: بشكل خاص أود الحديث بشكل دقيق عن الحركية المسرحية في الجنوب الجزائري، كون انطلاقتي الفنية في مجال المسرح كانت من هناك، وبحكم عدة عوامل تؤثر في ذلك منها المؤهلات التي يتمتع بها الفنانين المسرحيين في الجنوب الجزائري والتي هي جانب من التركيبة الاجتماعية لهذه الفئة لارتباطها بتراث و تاريخ المنطقة العريق- يضيف – هناك طاقات مسرحية شابة ومميزة في الجنوب الجزائري ومبادرات حسنة من الهيئات المشرفة على القطاع على غرار الأيام الوطنية للمسرح والتربصات التكوينية التي سمحت بظهور وجوه فنية في المستوى المطلوب، لكن الحركية المسرحية في الجنوب لم ترقَ بعد إلى الوطنية إلا ما خصّ ذكره بعض الفرق التي صارعت وواجهت المعوقات لحين أثبتت وجودها في الميدان، وذلك يرجع إلى قلة الإمكانيات المادية وصعوبة التنقلات من الجنوب إلى الشمال إضافة إلى افتقار المنطقة إلى مرافق في المستوى تحتضن هذه الطاقات المسرحية وهو مشكل تمّ التحكم فيه والقضاء عليه من خلال استفادة عدة ولايات جنوبية من مسارح جهوية نتمنى أن يكون لها الأثر الايجابي والفعلي في تطوير ودفع الحركية المسرحية في الجنوب الجزائري. بذكر الامكانات المادية، يبدو أن المسارح الجهوية تعاني كثيرا من هذا الجانب؟ أكيد، فالمسارح الجهوية تعيش على وقع مخاض عسير خاصة في ظلّ الظروف الاقتصادية التي استدعت وضع استراتيجية جديدة للمسارح الجهوية من خلال وضع خارطة طريق تسمح بالمضي نحو مستقبل جديد للمسرح وخلق توازنات من حيث الطاقات البشرية والمواهب المسرحية وبين الإمكانيات المتوفرة .. موضحا- هناك جهود كبيرة من طرف الدولة لدعم التعاونيات والجمعيات المسرحية وحتى من حيث مرافقة المسارح الجهوية لهذه التعاونيات، لكن لم يثمر ذلك بالنجاح المطلوب، الأمر الذي استدعى إعادة هيكلة المسارح الجهوية والتعاونيات بشكل يتماشى وطبيعة الظرف الاقتصادي والاجتماعي الراهن، من خلال إعادة النظر الكلي في القوانين السارية المفعول، الهيكلة والتسيير ونمط الإنتاج والتوزيع وغيرها. - ما موقع الكتابة المسرحية من هذه الجهود والمتغيرات في التسيير؟ تسعى وزارة الثقافة إلى تنشيط وتفعيل الحركية المسرحية من خلال ما سبق ذكره من إجراءات لإعادة هيكلة المسارح الجهوية تماشيا مع الظرف الاقتصادي وضمانا لديمومة الفعل المسرحي وأثره البالغ في إصلاح وتوعية المجتمعات، وبالطبع، الكتابة المسرحية ستكون موجودة في خضم كل هذه المتغيرات في طرق التسيير، وجاءت في شأنها تعليمات لتشجيع الكتابة المسرحية من خلال إعطاء أهمية للكتاب المحليين والاعتماد عليها في الإنتاج المسرحي، خلافا لما كان سائدا في السابق والمراد به التوجه نحو الاقتباس والجزأرة من النصوص العالمية، حيث سنعمل على تشجيع الكتاب المسرحيين المحليين وإبراز طاقاتهم من خلال إنتاج أعمال فنية مسرحية تترجم وتعكس خصوصية البيئة المحلية وتخرج من عمق المجتمع الجزائري. - غير الإمكانيات المادية، هل من مشاكل أخرى تكبح الحركية المسرحية؟ بالطبع، هناك من المشاكل ما تمّ احتواؤه بالتذكير بما ستسمح به استفادة الكثير من ولايات الوطن من مسارح جهوية وفضاءات تمكّن من احتواء الطاقات الشابة وصقل مواهبها، وهناك مشاكل ترتبط بغياب استمرارية الظهور الفني المسرحي التي لها علاقة بتباين الظروف ولها تأثير سلبي على الطاقات المسرحية التي يظلّ ظهورها مؤقتا ودون المستوى المطلوب ومشاكل أخرى قد يصعب احتواؤها لأنها تتعلق بالهوة الموجودة بين المسرح المحترف ومسرح الهواة نتيجة التجاذبات الضيقة بين الطرفين، يجب أن تكون هناك مصالحة وتفهم بين الطرفين حتى يكملا بعضهما لفائدة المصلحة العامة للمسرح، الاستثمار في المواهب الشابة لتجاوز الأزمة المالية والنهوض بالمسرح. - عموما، ما تصوركم لمستقبل المسرح في ظلّ الأزمة المالية؟ الجميع يعي أهمية الإمكانيات المادية ودورها في استمرارية الفعل المسرحي وتطوره، فمشكل التموين الذي تتذمر منه الفرق والجمعيات المسرحية وتلقي بأسبابه ومسؤوليته على عاتق المسارح الجهوية يعود في الواقع إلى تراجع ميزانية المسارح الجهوية التي ينظر إليها وكأنها صندوق دعم الجمعيات، فنحن كمسرح جهوي نقدم المساعدات الممكنة لهذه الجمعيات والفرق المسرحية رغبة منا في إنعاش الحركية المسرحية والاستثمار فيها لتجاوز مسببات العجز، لكن هناك ما هو أهم من ذلك – الشغف بأب الفنون - والإرادة الحقيقية للنهوض به وقلب موازين الثقل بتحويله إلى مسرح منتج وحتى نصل لهذه المرحلة على الممارسين للمسرح والمؤمنين به تقديم أعمال قوية. فالبرغم من كل المشاكل المادية التي تلاقيها الفرق المسرحية والجمعيات وحتى المسارح الجهوية، نسعى بجهد لدعم الإبداع المسرحي في حدود الإمكانيات المتوفرة، ففضلا عن تجربة «الاقامة الابداعية للكتابة المسرحية بالتنسيق مع المسرح الجهوي لسعيدة في إطار التكامل بين المسارح، شرعنا في إطلاق عمل مسرحي جديد موجه للفئة الأطفال بامكانات مادية منعدمة وإصرار قوي على الاستثمار في جهود المبدعين والشغوفين بالمسرح، هذا العمل الذي نعمل عليه حاليا تبرع أحد إطارات المسرج الجهوي بمسرح بنصه المسرحي وأقمنا ورشة جماعية للخروج به إلى النور وكلها جهود لتجاوز الأزمة المالية ومقاومة الشلل الناجم عنها، فعلى الفرق المسرحية والجمعيات الاستثمار في كفاءتها ومواهبها الشابة لتجاوز الظرف المادي الراهن حتى تثبت ولاءها لأب الفنون من خلال تبني هذا التصور. أحمد خوصة في سطور هو فنان مسرحي، من مواليد 1967 ببسكرة، سخّر حياته للمسرح، بدايته كانت ضمن فرقة مدرسة الفنون الدرامية لبلدية بسكرة ثم عضو بجمعية يقاش محمد رؤوف حديدوان، إلى مؤسس جمعية مسرح المدينة ثم مؤسسا لتعاونية عشاق الركح وإضافة إلى كونه خريج معهد الفنون الدرامية ببرج الكيفان، لأحمد خوصة تجربة طموحة في التأليف والإخراج المسرحي لفئة الصغار ترجمت إلى 10 أعمال مسرحية وأوبرات وطنية، فضلا عن ذلك يعد أحمد خوصة ذلك المسؤول المثالي الذي أعاد للمسرح الجهوي لمعسكر صيته وهبته بعد تقلده لمهام مدير المسرح الجهوي لمعسكر في 2014، أين سعى أحمد خوصة إلى جمع شمل الفنانين المحليين وتوحيد جهودهم للارتقاء بأب الفنون، في محاولات كللت بنجاح وتألق العديد من المنتمين للمسرح الجهوي لمعسكر.