في هذا الحوار الخارج عن المألوف والذي لم نتكلم فيه كثيرا عن الأمور الفينة مثلما جرت العادة، يفتح لنا المدرب الفرنسي روبرت نوزاري، قلبه ل»الشباك». ويحدثنا على رمضان الذي قضاه في الجزائر، حين كان مدربا للمولودية، وكيف كان يشرب الماء خفية عن اللاعبين، بالإضافة إلى أنه تعلّم كثيرا من الأمور في هذا الشهر المبارك، من بينها المأكولات التي كان يتناولها في هذا الشهر... إلى جانب هذا تطرق إلى مباراة تنزانيا التي تنتظر الخضر الأسبوع القادم والتي اعتبرها نوزاري مفخخة. صباح الخير سيدي، كيف هي الأحوال؟ بخير... مَن معي؟ صحفي من الجزائر نريد أن نأخذ من وقتك القليل... تفضل . أين هو نوزاري الآن؟ أنا الآن في فرنسا، قصد تسوية بعض الأمور الشخصية، وقد تنقلت هذا الأسبوع لقضاء بعض الوقت مع العائلة قبل الدخول في معسكر تحضيري مع منتخب الكونغو الديمقراطية الذي أشرف عليه ونهدف إلى التأهل إلى كأس إفريقيا، وسأعود عن قريب إلى هناك. سمعنا أنك تعاني من مشاكل صحية... أهذا صحيح؟ أحوالي الصحية على ما يرام، أنا بخير وصحتي كالأسد وكل ما سمعته لا أساس له من الصحة، لقد عانيت من بعض البرد قبل أيام فقط على غرار كل الناس والبشر وعلى كل حال أشكرك اهتمامكم وهذا لطف منكم. إذن أنت مقيم في الكونغو؟ لست بالضبط، لأنه لم يمض على التحاقي بالكونغو وقت طويل وكثيرا ما أتنقل إلى فرنسا من أجل عائلتي التي لم أحضرها إلى هنا وأحضر لأقوم إلى جلبها حتى ترى إن كانت تستطيع العيش هنا أو لا، بالإضافة إلى أنّي لم أتعود على نقل عائلتي إلى البلدان التي أعمل فيها وذلك لا يؤثر عليّ ولا يشكل عائقا كبيرا لأنّي «كاميكاس» ألفت العيش بمفردي منذ أن كنت لاعبا وهذه هي حياتي واعتدت عليها. كما اعتدت على العمل بإفريقيا... أليس كذلك؟ أكيد، فأول تجربة كانت لي في القارة السمراء تعود إلى 1996 أين أشرفت على منتخب كوت ديفوار لمدة عامين وعدت بعدها إلى فرنسا، والجزائر كانت بوابتي للعودة إلى إفريقيا بعد تسع سنوات ومنذ 2005 أنا في إفريقيا وهذا ليس مشكلا لأن هذه حياة المدرب عامة واستطيع التنقل حتى للهند للعمل إذا كان هناك تحدي ومشروع أستطيع تنفيذه لأنّي أريد ترك بصمتي في كرة القدم التي أعشقها كثيرا . ومتى ستعتزل ميادين الكرة؟ ليس بعد وهل أضايق أحد صحيح أبلغ من العمر 67 سنة، لكنّي أرى نفسي ما زلت شابا وأستطيع الجري والتدرب مع عناصري، وحين يحين موعد ذلك سأفعل دون مشكل، لقد قلت لك أريد ترك بصماتي في كل مكان أعمل فيه وعندما لا أملك عروضا سأعتزل الآن أنا مطلوب بكثرة يضحك ... لقد تركت أثارا في الجزائر وبالضبط في المولودية هل ما زلت تتابع أخبار الفريق؟ ليس بكثرة لكنّي أعلم أن ّالمولودية توّجت باللقب الموسم الماضي تحت إشراف براتشي وأهنئهم رغم أنّي متأخر بعض الوقت وشيء جميل أن يذكرني الأنصار بعد مرور كل هذه المدة، وأقول إنّ المولودية فريق كبير وتعلقت به كثيرا خاصة أنه يملك أنصارا من ذهب ويملؤون مدرجات 5 جويلية ويصنعون أجواء لا مثيل لها في العالم صدقني من خلال سيرتي الكروية كمدرب ولاعب تجولت بين كل بلدان العالم من أمريكا الشمالية إلى إفريقيا أوروبا، وأؤكد لك أنّ أنصار المولودية من أحسن الجماهير في العالم ويحبون فريقهم بجنون لكنّي متأسف على شيء واحد . ما هو؟ تمنيت أن أهدي ذلك الفريق لقبا خاصة أنّي نجحت في تكوين فريق قوي نسبيا في بداية البطولة وأعدت الأنصار إلى المدرجات واكتشفت العديد من اللاعبين وأعدتهم إلى الواجهة، لكن للأسف بعض الأطراف عرقلتي ووقفت في طريقي لأنّي كنت أفكر باحترافية، في حين كانت هذه الأطراف مبتدئة ولا تفقه شيئا في الاحتراف واتهمت أنّي نقابي وأنّي أاشرب الخمر وكل شيء، ومع ذلك لم أفقد ثقة الأنصار إلا أن قررت الرحيل بنفسي . مسيرو المولودية يطالبونك بإرجاع الأموال ويؤكدون أنّ «الفيفا» منحتهم الحق... ماتعليقك؟ لديّ محامي يتكفل بهذه الأمور ولا يمكنني أن أطلعك على المستجدات لأنّي أصلا لا أعلم بها لكنّي أؤكد أنّي أخذت حقي فقط وطويت صفحة المولودية الآن وأملك بعض الذكريات فقط . ما هي المباراة الخالدة في ذهنك؟ أظن أنها مباراة الاتحاد في 5 جويلية في سهرة رمضانية على ما أعتقد، كان الملعب ممتلئ عن آخره، الألعاب النارية الرايات العملاقة أتذكر أنّي ولم أتمالك نفسي واحتفلت مع الأنصار قبل بداية اللقاء ولقيت التحية من الأنصار الذين هتفوا جميعا باسمي بعد تعرضي للظلم في مباراة سابقة طردت بالبطاقة الحمراء ورغم أننا تعادلنا إلا أنّي اعتبرها مباراة في القمة . على ذكر رمضان نحن الآن في هذا الشهر ماذا تقول عنه؟ أقدم تهاني لكل الشعب الجزائري وأنصار العميد خاصة... آه؛ لقد ذكرتني بالعديد من الأشياء في مشواري لقد كانت أول مرة أعمل في بلد مسلم رغم أنّي أشرفت على لاعبين يصومون من قبل في فرنسا، إلا أنّ ذلك يختلف عمّا كان في الجزائر فلأول مرة أجد فريقا كاملا صائما وغير قادرا على الاستجابة للعمل المسطر، بالإضافة إلى أنّ اللاعبين كانوا يأتون شبه نائمين تقريبا إلى التدريبات وكنت مندهشا أمام تلك الوضعية، خاصة وأنّ الكل على الأعصاب ويتنرفز بسرعة وطلبت اللاعبين أن يناموا باكرا لكنهم لم يطبقوا الأوامر ولكنّي كشفتهم كيف ذلك؟ انتقلت رفقة أحد أصدقائي إلى خيمة في نواحي سطاوالي بعد أن اتصل بي أحد العاملين هناك وأخبرني أن لاعبي المولودية هنا بقوة اليوم، وتفاجأت بعد أن وجدت نصف التعداد بالمكان حتى أني ظننت أنه مقر الفريق أو أننا سنعقد اجتماعا فنيا، ولم يجد اللاعبون أين يختفون بعد أن رأوني لكنّي لم أفعل شيئا بعد أن رأيت أنهم كانوا يتناولون الشاي وبعض الحلويات فقط، وبعدها حولت التدريبات إلى الليل رغم صعوبة ذلك كيف كنت تقضي أيامك في الجزائر خلال الشهر الفضيل؟ بشكل عادي، كنت أصوم على الأكل فقط لأنّي لا أستطيع الصبر على الماء وبما أنّي كنت في بلد أجنبي فواجب عليّ احترم تقاليده وعاداته، كما أنّي كنت أموت جوعا لأنّي غير معتاد على ذلك وأحيانا أتناول بعضا من البيض لأن محلات الأكل مغلقة وكذلك طباخ النادي لا يعمل في الصباح واعتدت على ذلك مع مرور الوقت دون أن أنسى أنّي كنت أتناول السحور يوميا في شقتي . ما هي الأطباق الجزائرية الرمضانية التي أعجبتك؟ أعتقد أنّ الحساء الذي تعدونه لذيذ للغاية (يقصد الشوربة)، بالإضافة إلى الحلويات التي تقدم في السهرة ذكرني بها....؟ قلب اللوز والزلابية... لا أتذكر جيدا، أظنه الأول إنه لذيذ جدا لقد كنت أتناول كميات كبيرة منه، وأريد توضيح أمر مهم، أتذكر أنّ بعض الأشخاص اتهموني بعدم مراعاة شعور اللاعبين والأكل أمامهم وهو أمر غير صحيح واسألوا اللاعبين إن أردتم ثم كيف أفعل ذلك وأنا أجنبي في غربة؟ فلو كانوا هم من يلعبون في فرنسا لشربت وأكلت أمامهم العكس فهذا غير ممكن . ومَن هي العناصر التي تتذكرها؟ أذكر بوڤاش، يونس، زميت، دهام وبوزيد والبقية تقريبا كلهم، لقد نجحت في تكوين مجموعة محترفة وقمت بعمل كبير حتى أغير ذهنيات اللاعبين، كنت أقول لهم أنّ العمل والتدرب الجاد من مصلحة اللاعب لأنّي سيأتي اليوم الذي أغادر فيه الفريق وأعيد العمل مع لاعبين آخرين أما أنتم فستجدون ثمار ما تقومون به، وعلى العموم كنّا نملك مجموعة متناسقة وأذكر كذلك حجاج وكوليبالي هل مازال في المولودية؟ لا لقد غادر منتصف الموسم الماضي ويلعب في ليبيا بالإضافة إلى حجاج الذي توقف عن اللعب، بوزيد في اسكتلندا ودهام في الفريق الجار الاتحاد أما بوڤاش فهو يلعب في صفوف الإمارات ولم يبق إلا بابوش من القدامى ما رأيك؟ أظن أنّ في الجزائر الذهنيات لا زالت لم تتغير، فاللاعبين يغيّرون الفرق باستمرار وهذا لا يساعدهم على التألق أكثر لكن لماذا توقف حجاج أنه صغير في السن أليس كذلك؟ لقد انخفض مستواه ولديه مشاكل مع الإدارة أتمنى له حظا موفقا كما أريد أن أخبرك أنّ بوزيد لاعب جيد لقد تكلمت معه منذ مدة تأسفت بعد اخبرني أنه ليس في تعداد المنتخب الجزائري، بصراحة إنه يملك إمكانات كبيرة وبإمكانه اللعب في أحسن الفرق لأنه لاعب جاد ويعمل كثيرا، أذكر أنه لمّا قدم للمولودية لم يظهر الشيء الكثير لكنه تطور كثيرا وذلك بفضل مثابرته في العمل، جديته وحبه لعمله. وأضيف إنه أحسن من بعض اللاعبين الذين ينشطون في المنتخب الجزائري. بماذا تحتفظ من رمضان الذي قضيته في الجزائر؟ صح فطورك، والصبر لأنه ليس من السهل أن تصبر على الأكل والماء طيلة اليوم، وكذلك طيبة الجزائريين الذين كانوا يعرضون عليّ يوميا الإفطار عندهم، إذ كنت أجد صعوبة في تلبية الدعوات بسبب كثرتها وحتى اللاعبين الذين يقطنون بعيدا عن العاصمة تمنوا أن يستمر هذا الشهر لأنه يجدون أين يأكلون كل يوم ووجبات ساخنة . ألم يؤثر هذا الشهر على البرنامج الذي سطرته؟ ليس كثيرا لأن كل الفرق كانت تواجه نفس الظروف ولم نلعب منافسة خارجية، وبالتالي لمّا تكون كل الفرق ولاعبيها صائمون لن يكون هناك فرق أو مشكل ويجب أن نراعي مثل هذه الأمور، خاصة أن الأمر يتعلق بالدين الذي يبقى مقدسا عند الأفراد... لكن ما شد انتباهي شيء هو آخر ما هو؟ القلق والأعصاب الكبيرة فكثيرا ما يتشاجر الناس في الطريق وحتى اللاعبين لا يتكلمون كثيرا، تجد صعوبة في تمرير الرسائل إليهم لأن عقولهم تكون في النوم، الأكل والشرب فقط إنها أيام جميلة وذكريات سأبقى احتفظ بها لأنها تجربة فريدة من نوعها. هل مازلت تملك علاقات في الجزائر؟ بطبيعة الحال؛ فأنا إنسان اجتماعي ويبقى الصحفيين من أولى الناس الذين أنا على اتصال دائم بهم، بالإضافة إلى بعض الأصدقاء وأنصار المولودية الذين يسألون عنّي باستمرار ويهنئونني في الأعياد والمناسبات، وأظن أنه هذا هو الجانب الإنساني في كرة القدم، حيث تترك علاقات رائعة في البلدان التي تعمل فيها وهذا شيء ليس في متناول الجميع ومنحصر فقط على لاعبي المستديرة والمدربين فقط. في الأخير ما رأيك في مباراة الجزائر تنزانيا الأسبوع القادم؟ هي مباراة مفخخة خاصة أنها ستجرى في الجزائر،أين سيكون الضغط عليكم أكثر من المنافس الذي لن يخسر أي شيء لأنه سيقابل منتخب مرشح للمرور في المرتبة الأولى لأنه عائد من مشاركة مونديالية، ويملك تشكيلة قوية ولاعبين ينشطون في أوروبا وفي فرق وبطولات قوية، وهو الأمر الذي سيأخذه لاعبو تانزانيا بعين الاعتبار ويقدموا كل ما يملكون في المباراة لأنه كما قلت لن يخسروا شيئا وعلى منتخبكم الحذر خاصة أنه لا يحسن التفاوض في 5 جويلية . لكن هذه المرة المباراة ستقام في البليدة؟ آه لقد ظننت أنكم ستستقبلون في 5 جويلية لأنه ملعب يليق بمنتخب مونديالي، بالإضافة إلى سعة مدرجاته التي ستمتلئ عن آخرها والفرصة تكون سعيدة للاعبين خاصة أنكم في شهر رمضان الذي يفضل الجزائريين السهر فيه، ولكن كيف تستقبلون الغابون قبل أيام من مباراة تنزانيا في 5 جويلية ثم تلعبون في البليدة إنه أمر لا يعقل؟ كان الأجدر بكم أن تلعبوا المباراة الودية في نفس مكان المباراة الرسمية . شكرا سيدي بماذا تريد أن نختم؟ أوجه تحياتي لكل الشعب الجزائري وأتمنى حظا موفقا لمنتخبكم أمام تنزانيا، كما أهناكم بالعيد قبل قدومه دون أن أنسى أنصار المولودية الأوفياء وأقول لهم إنهم الأساس في العميد وبدونهم الفريق لا يساوي شيئا وواصلوا الوقوف إلى جانب فريقكم وإلى اللقاء فرصة سعيدة .