لقد كانت ليبيا البلد العربي الأكثر تأثرا بتسونامي "الربيع العربي".. ولا يمكن تقبل الحديث عن أن دوافع حقوق الإنسان والديمقراطية هي التي دفعت إلى الفوضى التي انتهت بسقوط كل شيء واستباحة البلد.. إنما هو القرار الغربي بقيادة فرنسا وبريطانيا وايطاليا لتعويض العجز في ميزانياتهم والسطو على ثروة بلد من أغنى بلاد العرب.. فكانت الحرب الغربية على ليبيا "الناتو" تقوم بحرق الأخضر واليابس لتدمير عرى البلد وإثارة النعرات الجهوية لتقسيمها وإقامة دول ثلاث على أحسن احتمال، ولقد اشتركت بعض الدول العربية بتمويل هذه الحرب، بل والمشاركة العسكرية فيها، الأمر الذي اطلق العنان للإافلات القبلي والتناحر البيني، فيما تركت مصادر الطاقة للشركات الأوروبية محمية بمليشيات من المرتزقة تحت إشراف دول الاستعمار المعروفة. لم يكن تكسير البلد هو المطلوب فقط، بل إن هناك أهدافا استراتيجية تتمثل في إيجاد بؤر لتزويد الإرهاب المسلح في المنطقة بعد ان تحولت لبيبا إلى موزع للسلاح وللإرهابيين من وإلى شتى الدول لاسيما دول الجوار.. وعند النظر للجوار نرى البحر المتوسط يحدها شمالا وتونسوالجزائر غربا والنيجر وتشاد جنوبا والسودان ومصر شرقا.. ولكل أفق من الجوار مشكلاته مع الأوضاع المختلة في ليبيا، وبالفعل اكتوت دول الجوار من اندلاع النيران المنتشرة في ليبيا فكان نصيب تونس اشتباكا بين المجموعات المسلحة في اكثر من مكان ولازال الخطر يتجدد وإن انزوى قليلا.. كما انه قد لحقت السودان أخطار فادحة في إزاحة ولايات اقليم دارفور من الدولة السودانية بعد ان وجد المتمردون السودانيون فرصتهم في التسليح وإعادة الهيكلة في الجزء الشرقي الجنوبي من ليبيا بالتعاون مع حفتر.. كما ان الساحل الليبي اصبح معبر الأفارقة إلى الهجرة نحو الشمال وانتشار عصابات التهريب بشتى انواعها.. والأمر نفسه يمكن توقعه في كل محيط ليبيا، والأمر يزداد خطورة مع اتساع الجغرافيا وضياع فرص الأمن. ما حدث ويحدث في ليبيا بملايينها السبعة وبمساحتها (1.7 مليون كيلومتر مربع) وبثرواتها الوفيرة انما هو يقصد ليبيا وكذلك محيطها العربي والإفريقي، كما انه بعلاقة وثقى مع تطورات الأوضاع في الوطن العربي جملة.. فكما ان ليبيا تمثل ازمة أمنية واستراتيجية الآن للجوار جميعا فإنها ايضا تكتنز فرصة للجميع، فهي التي يمكن ان تسهم في حل الأزمة الاقتصادية المصرية الخانقة وهي التي يمكن ان ترفد اقتصاد تونس المنهار، وهي التي يمكن ان تمثل مع الجزائر قوة طاقة عربية قوية في المنظمات الدولية ومشاريع الاستثمار، كما انها تستطيع ان تؤمِّن وحدة السودان والاستثمار فيه ليصبح سلة غذاء العرب فتوفر لهم الأمن الغذائي العربي. ليبيا عندما تفككت كانت وبالا على شعبها وعلى الإقليم.. وليبيا عندما تتوحد تكون خيرا لنفسها وللإقليم، لذلك يصبح واجب رأب الصدع في ليبيا مصلحة ليبية اساسية وكذلك مصلحة الإقليم والأمة، وهكذا نكون سائرين في عكس اتجاه العدو الاستعماري.. تولانا الله برحمته.