في خطوة جريئة طالبت ناشطة سياسية عراقية إحالة كل المسؤوليات إلى النساء، لأن الرجال أبانوا عن فشل ذريع في تسييرها، ولم يستطيعوا أن يخرجوا العراق من مستنقع الفساد الذي يرزح فيه منذ مدة، وإيجاد الحلول للمشاكل الحياتية للشعب العراقي الذي تدهورت أوضاعه بشكل فضيع، رغم الثروات الهائلة التي يمتلكها هذا البلد الشقيق. الفكرة صعبة التحقيق لكن قابلة للنقاش.. لم لا؟ والمرأة تمتلك عديد المؤهلات للتسيير والإدارة، وتحوز على كم هائل من الطاقات التي تخوّل لها النجاح في مهام كثيرة، حتى من الناحية الشرعية لا نسجل تناقضا واضحا في موقف أهل الفقه والفتوى، فجمهور العلماء يجمع على أن الذكورة شرط لتولي المناصب الكبرى وعدم جوازها للمرأة لما فيه من اختلاط وخلوة بما لا يتلاءم مع طبيعة المرأة. لكن هذا لا يمنع توليها القضاء في الأموال ‘وقد أجاز أبو حنيفة ذلك. وأجاز الطبري أن تكون حاكما على الإطلاق كما أجاز العلماء تولي المرأة مناصب المسؤولية ذات طبيعة لينة ‘كإدارة المدارس والمستشفيات… ونستشهد هنا لما ولى سيدنا علي كرم الله وجهه الشفاء بنت عبد الله العدوية على الحسبة بسوق المدينةالمنورة والأمثلة الإسلامية كثيرة تشهد بكفاءة المرأة وقدرتها على تحمل المهام الموكلة لها كما يتحملها الرجل وفي أحيان كثيرة تكون أكثر ملاءمة وقدرة وجدارة. ولا يخفى على الكثير من الجمهور المتابع لأخبار السياسة' الأدوار القوية التي تلعبها (المستشارة ميركل) في ألمانيا وفي أوربا بشكل دقيق، وحتى على الصعيد الدولي وموقفها من الأحداث العالمية والصراعات التي تهز الساحة الدولية، فهي امرأة في الأخير، لكنها تحسن ما قد يفشل فيه الكثير من الزعماء ورجالات الدولة، وهي ليست المثال الوحيد، فهناك أمثلة لا تعد ولا تحصى في محيطنا القريب والبعيد. إن الخالق البديع وضع سره في أضعف خلقه، وهي مفارقة لا تزال الدراسات والأبحاث تجتهد في حل شفرتها، فالمرأة كمخلوق جميل يحتكم على قدرات خارقة تقلب ضعفه إلى قوة مدمرة، فهي تقهر الحياة بأن تصنعها في جوفها.. تتحمل المهام المتراصة فوق كتفيها دون ملل ولا كلل، ولا تذهب بعيدا انظر إلى أمهاتنا في الماضي القريب وإلى الزوجات المتكفلات بأسر بأكملها والعاملات والمترملات والمطلقات المغبونات وأمهات لأطفال ذوي احتياجات خاصة نتعلم من صبرهن وجلدهن وحسن تدبيرهن أسمى القيم الإنسانية. إن الله جعلها شديدة التركيز والتدقيق حذرة، مرهفة الإحساس للكلمات والانفعالات ملتقطة جيدة للإشارات السمعية والبصرية، لكن من جانب آخر، وللأمانة هناك صفة ملتصقة بالمرأة جعلتها ماركة مسجلة باسمها لا تقبل التقليد وهي الدهاء والمكر الأنثوي وإن كنت أراه حولي في بعض الأحيان ويغيب عني في أحيان كثيرة. على سبيل المثال أراه في نوعية خاصة من النساء ممن تعودن الحصول على ما يريدونه من الرجال في أمور لا تكون المرأة في حالة ضعف والضعف هناهو تعلق عاطفي بالرجل أو أنها تكون أم لأطفال مضطهدة، ضعفها يكون مصيرهم المجهول في حالة تمردها على زوجها. وأمثلة ذلك كثيرة نجدها في أمهاتنا وعدد لا يستهان به من الجزائريات والعربيات حتى لا أقول نساء العالم لأن الخاصية مشتركة، بين بنات حواء كلهن، أما إذا تعلق الأمر بحاجة تحتاج فيها إلى المناورة فقط بقدراتها الإغرائية والجمالية الأنثوية فلن تتوانى في كسر عظام الرجل وسحقه. الغريب إن هذه الصفة قد يراها البعض أنها مكر ودهاء والبعض الأخر على أنها قهر الأنثى والأخر يراها أنها ضعف المرأة، والرجل هو من يجب أن يوفر الحماية لها. ها هنا قوة هذا المخلوق العجيب أنه لا يمكن لأحد أن يفسر أو يفهم طبيعتها، فنحن مثلا في الجزائر نملك أنموذجا عبقريا لسياسيات تلعبن بالبيض والحجر، وصلن إلى قبة البرلمان بطرق مدروسة ممنهجة، تارة بحلو الكلام وتارة بتملق مفضوح وأخرى بزيارة الزوايا وأخرى بادعاء شرف الوطنية المحتكرة وبمهرجانات الطبل والمزمار. وآخرها أنها أزعجت بخطاباتها الكيان الصهيوني وأصبح معها حزب الله ومعسكر المقاومة والممانعة العربية تلميذا لا يفقه الدرس. وبعد التشريعات فليذهب الحزب والمناضلين إلى الجحيم، مادام العدل تحقق وافتكت مقعدا مريحا بالبرلمان بعد قراءة السيد وزير الداخلية للبيان. يحضرني بعض الشعر الملحون أجاد فيه المجذوب النظم حينما قال في المرأة: سوق النسا سوق مطيار.. يا الداخل رد بالك.. يورولك من الربح قنطار.. ويدولك راس مالك.. مزين النسا بضحكات.. لو كان فيها يدومو.. الحوت في الما يعوم.. وهوما بلا ماء يعومو. رحمة من الله أن النماذج السوية من النساء كثيرة وبرهنت وتبرهن كل يوم ومع كل مناسبة عن قدرات في التسيير وسمو في الأخلاق، وأناقة في الممارسة السياسية في محطات متتالية، وحتى في المواطنة وأماكن العمل، دون انتماءات حزبية أو جهوية ضيقة. إننا نجد في سوق النسا المرأة الكادحة والعاملة التي تكسب لقمة عيشها بشرف ونجد الأم التي تستشهد في اليوم مئات المرات خدمة لزوجها وأطفالها، ونجد الطالبة المجتهدة المجاهدة في سبيل العلم.. نجد المعلمة والأستاذة التي تشرح الدرس مرات ومرات لتلامذتها لتحلل أجرتها المتهالكة.. نجد في سوق النسا بتيزي وزو وعسلة بالنعامة المرأة التي تنسج وتحيك وتبدع في الصلصال وتبيع وتشتري بحرفية متناهية، كما نجد في سوق الحياة اللعوب المستهترة والانتهازية والمنتفخة بالفراغ والنرجسية والملوثة والمتنكرة لأصلها والتي تهوي أسهمها في البورصة ولا تجد من يثمنها بما يليق بها.