جعل جزائريون من الشبكة العنكبوتية ومواقع التواصل الاجتماعي خاصة "الفايسبوك" و"التويتر" فضاء تجاريا واقتصاديا، يضم دكاكين ومتاجر وأسواقا افتراضية (إلكترونية) تبيع منتجات وسلعا مختلفة، محققين من ورائها أرباحا وشهرة داخل حدود البلاد، فتكفي ضغطة زر على لوحة المفاتيح أو على لوحة الهاتف الجوال أن تشتري ما تريد.. وتدفع "كاش" عند الاستلام. وقبيل تطبيق مشروع القانون المنظم للنشاط التجاري الإلكتروني في الجزائر، تعددت تسميات الشركات التجارية والتسويقية في العالم الافتراضي من شركة إلى أخرى، وهدفها واحد ممارسة نشاط اقتصادي وخلق استثمارات والبحث عن زبائن بعيدا عن أسواق الواقع التقليدية. دكاكين افتراضية.. من الفايسبوك وتويتر إلى تصميم مواقع تجارية وتستغل هذه المؤسسات التجارية فضاء الإنترنت والطفرة الحاصلة في مجال تكنولوجيا الاتصال للوصول إلى تحقيق أهدافها بأقل تكلفة وأسرع وقت وفق تخطيط شامل يبدأ بتحديد فكرة المشروع ثم تصميم موقع إلكتروني وتأثيثه بكل العناصر أو فتح صفحة على "الفايسبوك" أو "التويتر" بغية عرض المادة أو السلعة المراد بيعها إلى زبائن العالم الافتراضي. وتحولت مواقع إلكترونية مثل: "وادي كنيس"، "سوق الجزائر المفتوح"، "جوميا الجزائر"، "قيديني guidini"، "زوالي zawwali"، "أشريلي achrili"، "ديزاد بوم"، "شوبينغ أون لاين دي زاد"، "هايلة hayla " وكذا صفحات على "الفايسبوك" و"التويتر" إلى دكاكين ومتاجر إلكترونية تقدم مختلف السلع سواء ألبسة أم مجوهرات أم أثاث أم أجهزة كهرومنزلية أم هواتف وساعات اليد وحقائب وأخرى، مع وضع كل تفاصيل إعلاناتها وخدماتها وطرق الولوج إليها وكيفية اختيار وشراء السلعة المطلوبة وطريقة الدفع وتفاصيل التوصيل إلى المنزل أو الدفع عن بعد بواسطة البطاقات الإلكترونية، بهدف تسهيل المهمة على الزبون أو المستهلك دون عناء أو استغراق وقت طويل وكذا لاستقطاب أعداد أخرى من الزبائن من مختلف الشرائح في ظل استعمال الجزائريين الواسع للإنترنت المتاحة عبر سائل التكنولوجيا كالهاتف النقال واللوحات وأجهزة الكومبيوتر وغيرها. وارتأت "الشروق اليومي" أن تسلط الضوء على بعض الدكاكين والمتاجر الإلكترونية، لشهرتها في الجزائر، فمثلا موقع "جوميا الجزائر" (Jumia Dz ) يعدّ واحدا من أضخم مواقع التسوق الإلكترونية في البلاد، حيث يضم آلاف المنتجات ذات النوعية العالية وبأثمان معقولة. وبحسب آخر دراسة (2017) قام بها موقع "جوميا ديزاد" تقدر نسبة الولوج إلى الشبكة العنكبوتية في الجزائر 50 % بالنسبة إلى 42 مليون نسمة نهاية 2017 ونتيجة ذلك ارتفاع النشاطات التجارية المعتمدة على الإنترنت. وتكشف الدراسة التي تحوز "الشروق اليومي" نسخة منها أنّ نسبة الولوج إلى الصفحات التجارية على مستوى الفايسبوك والتويتر 46 % ما يعادل 21 مليون مستخدم لهذه الصفحات. ويشير التقرير إلى أنّ نحو 20 مليون جزائري يمتلك حسابا مصرفيا و6 % يمتلكون بطاقة ائتمان، في حين يلفت التقرير إلى أنّ ما نسبته 100 % من الزبائن والمستهلكين يتصفحون الإنترنت للتفتيش عمّا يريدون قبل قرارهم الشراء. ويؤكد التقرير أنّ المُستطلعة آراؤهم يطلبون سلعهم عبر الإنترنات ربحا للوقت وبأقل جهد ومع توفر خدمة التوصيل إلى المنزل. وأوردت الدراسة أنّ 56 % من الجزائريين يستخدمون أجهزة الإعلام الآلي خلال سنة 2017، و41 % منهم يمتلكون الهواتف الذكية. في حين يستخدم 3 % منهم اللوحات الإلكترونية. وقالت الدراسة التي أعدتها "جوميا " إنّ 21 مليون جزائري لديهم حساب في "الفايسبوك" منهم 39 % نساء و61 % رجال و90 % منهم يتواصلون عبر "الهواتف الذكية". ولفتت الدراسة إلى أنّ قرابة 4 % من أصحاب هذه الحسابات يستغلونها بنشر صفحات إعلانية مدفوعة الثمن، كما أن 3.4 ملايين جزائري يمتلكون حسابا في الإنستغرام، (38%نساء/ 62 %رجال). حقيقة الدكاكين الافتراضية.. الشراء عن بعد ومعوقات الدفع من جهته، يقول المستشار الإعلامي لموقع (DZBOOM) شرفة بلقاسم إنّ "ديزاد بوم" موقع شراء إلكتروني يسمح للمواطن باقتناء ما يريد بكل سهولة وسرعة وثقة دون أن يتنقل من مكانه. وأضاف شرفة في حديث مع "الشروق" إنّ "العملية تسمح بتوصيل السلعة إليه بسرعة كبيرة، حيث الدفع بعد الاستلام". وأشار المتحدث إلى أنّ مختلف السلع متوفرة عبر "ديزاد بوم" لتلبية حاجيات الزبائن اليومية مثل الألبسة، مواد التجميل، الصحية، الكتب وغيرها. وأوضح المتحدث أنّ الموقع تأسس في 2015 بهدف تسهيل يوميات الجزائريين مع ضمان عمليات شراء سهلة وسريعة في ظل وجود محيط اقتصادي تهيمن عليه وسائل التكنولوجيا الحديثة. مؤكدا أنّ مؤسستهم أطلقت هذه التقنية التجارية تماشيا ومواكبة الجزائري لعالم الإنترنت ما يوفر له الوقت والجهد معا والسعر المعقول. وبخصوص العوائق التي تعترض الشركة ردّ المتحدث: "مشاكل التجارة الإلكترونية معروفة وتعرض على طاولة الحكومة كل سنة، على أمل إيجاد إطار قانوني واضح وجامع ينظم نشاط هذا النوع التجاري". واعتبر أن الجانب القانوني لا يمثل سوى عقبة واحدة من بين عوائق أخرى تسهم سلبا في عدم تطوير هذا القطاع مثل عدم وجود خاصية الدفع الإلكتروني، أو عدم وجود شريك في النقل والإمداد أو حتى الشركاء الماليين والتسليم. وعن زبائن الموقع أكدّ أنهم من كل الفئات والأعمار ممن يهوون التسوق عبر الإنترنت، لكن نوع الشراء يختلف من شخص إلى آخر وكذلك متوسط السلة (le panier) من منطقة إلى أخرى بحسب القدرة الشرائية للفرد. وشدد على أنّ الشركة تعمل جاهدة لتلبية حاجيات الزبون وإرضائه. دور المتاجر الافتراضية في الاقتصاد الوطني.. والمنافسة غير العادلة وفي السياق يرى شرفة أنّه في ظل الوضع الاقتصادي الذي تمر به الجزائر يمكن لشركتهم "ديزاد بوم" وشركات أخرى إلكترونية أن تكون لاعبا رئيسا في عملية تطوير الاقتصاد الوطني من خلال تقديم حلول لوجيستيكية (النقل والتوصيل) وتكنولوجية تسمح للجهات الاقتصادية الفاعلة كالمنتج والموزع بتوسيع شبكات التوزيع وتحقيق قفزة فيها لبلوغ 48 ولاية. وبغية الترويج لعلامتها التجارية وتحقيق حضورها في كامل التراب الوطني بأقل تكلفة وفي وقت قياسي. وهذا من شأنه أن يسمح للشركة الجزائرية (حسب حجمها) أيضًا بالانتقال إلى السوق الجزائري، أو مواصلة تنظيف وجودها في بيئة اقتصادية تهيمن عليها حتى الآن منافسة غير عادلة في نظر المستوردين بحسب المصدر ذاته. ويعتقد محدثنا أن هذه العوامل تتيح للشركات الجزائرية على اختلاف فروعها الاقتصادية وحجمها للتموقع في السوق الجزائري، وتسطر حضورها في بيئة اقتصادية تسيطر عليها المنافسة غير العادلة في نظر المستوردين. وفي سياق ذي صلة يشير المتحدث إلى أنّ عدد الشركات الناشطة في مجال التسويق والتجارة الإلكترونية في السوق الجزائرية يبقى محدودا جدا، خاصة تلك التي تسير وفق التشريعات والقوانين الجزائرية، ومع ذلك لوحظ الاتجاه التصاعدي في ضوء انجذاب الجزائريين تجاه أسلوب وطريقة الشراء عن بعد. بين غياب أرضية رقمية وحداثة قانون التجارة الإلكترونية… هناك أرباح ضخمة وتبدو نظرة الاقتصاديين وخبراء المعلوماتية متقاربة حول الدكاكين الافتراضية في ظل حداثة الأطر القانونية والتنظيمية التي تنظم هذا النشاط التجاري، حيث يقول الخبير في المعلوماتية عثمان عبد اللوش إنّ الدكاكين الافتراضية التي تتبع الاقتصاد الرقمي، غير موجودة فعلا، لكون الموجودة أنشئت على أرضيات معلوماتية مقرها في الخارج. وأردف: "مثلا المواقع التي تعمل ب".dz" غير موجودة ويجب إنشاء دكاكين تقوم على أرضية رقمية خاصة ببلادنا أو ما يسمى ب"DATA CENTRE" لبيع مختلف المتجات منها المحلية. واعتبر عبد اللوش أنّ المتاجر الافتراضية في بلادنا ليست بالمفهوم الحقيقي، بمعنى عندما تفتح موقع تسويق وتبيع يؤكد أنّك موجود وتملك سجل تجاري. وأوضح المتحدث أنّه في حالات معينة مثل الاحتيال أو وقع خلاف بين الزبون والبائع الافتراضيين حول المال المدفوع أو لتغيير سلعة… يمكن إيجاد الحل إذا كانت العملية تؤطرها قوانين. وأكد عبد اللوش في معرض حديثه أنّ الاقتصاد الرقمي في بلادنا غير مستغل من طرف الدولة لاسيما مع الإقبال الكبير عليه وتحقيق المتعاملين الاقتصاديين الناشطين في هذا الميدان لأرباح ضخمة في ظل غياب أرضية رقمية. وشدد المتحدث على أنّ التحكم جيدا في هذه المتاجر والدكاكين الافتراضية لا يتم إلا عن طريق وجود إرادة سياسية تقنن هذا النشاط الذي يعيش فوضى، وكذا خلق برمجيات وفتح دكاكين افتراضية جزائرية تتعامل مع البنوك وفق برمجيات مصنوعة محليا مع توفر تدفق عال للإنترنت. وبدوره، الخبير الاقتصادي كمال رزيق يؤكد أنّ التسويق الإلكتروني طريقة من طرائق التوزيع، إلى جانب التوزيع التقليدي الكلاسيكي الذي يعتمد على أن يذهب الشخص إلى الدكان ويشتري ما يريد، لكن مع التطور وصعوبة إيجاد الوقت بالنسبة إلى المتعامل ظهر ما يسمى بالتسويق الإلكتروني الذي أدّى بدوره إلى بروز الدكاكين الافتراضية. وقال رزيق في لقاء مع "الشروق": "الدكاكين الافتراضية هي فضاء إلكتروني يستطيع عبره الشخص اقتناء ما يريد دون أن يتنقل وهذا ربحا للوقت وتماشيا مع تطور العصر، وهذا شكل من أشكال التجارة والتسويق". وبالنسبة إلى الجزائر تأسف رزيق لوجود دكاكين افتراضية قليلة قانونية لكون القانون التجاري والمعلوماتي المنظم لها حديث النشأة وتم تجسيده منذ فترة قصيرة. ولفت رزيق إلى أنّه قبل ظهور القانون كانت الدكاكين الافتراضية تنشط بطريقة غير قانونية ولا يملك أصحابها السجل التجاري ولا يدفعون الضرائب. وفي انتظار دخول القانون المنظم للأسواق والدكاكين الافتراضية حيز التطبيق الأمر الذي يجعل المواطن يقتني سلعته افتراضيا يحول المبالغ افتراضيا أيضا، لا يزال الدفع يتم بالصك البريدي أو البنكي أو نقدا (كاش) عن استلام سلعته. ووصف المتحدث أنّ مثل هذا التسويق يبقى ناقصا ويعيش في فوضى وسط ضعف الحماية القانونية والقوانين الجبائية والقواعد المنظمة لهذا النشاط التجاري الافتراضي، ما يؤدي -حسبه- إلى حدوث عمليات احتيال ولكن مع القانون يسترجع المتضرر حقه. وثمن المتحدث خطوة وزارة البريد وتكنولوجيات الإعلام والاتصال التي عرضت مشروع قانون تنظيم السوق الإلكترونية على البرلمان لمناقشته والمصادقة عليه، آملا في أن تصل هذه العملية شيئا فشيئا كما هو متعامل به في الدول الأوروبية. وألحّ على ضرورة تطوير نظام الدفع الإلكتروني والهياكل القاعدية وشبكة الإنترنت ورفع سرعة تدفق النت الضرورية جدا لأن العملية تتعلق بالبيع والشراء والدفع. وحجم التعاملات التي تمت في الجزائر عن طريق الدكاكين الافتراضية تصل في أقصى الحالات 1%، مقارنة بالدول الأوربية التي تصل التعاملات الإلكترونية بها 50% بحسب كمال رزيق. ولم يخف أن عدد المتاجر الإلكترونية في الجزائر اليوم يعدّ بالآلاف وتعمل دون رخصة وتقدم خدمات منوعة منها الخاصة بتحميل الموسيقى والكتب والأفلام والترجمة السمعية. مؤكدا في الصدد أنّ طريقة الدفع بينها وبين الزبون تتم (كاش/نقدا) وأكثر من 70% لوجود نقص على مستوى البطاقات الإلكترونية. وفي الصدد ذاته أشار إلى إيجابيات اقتصادية لهذه المتاجر كإتاحة فرص التوظيف وخلقها لقيمة مضافة ورفع حجم التبادلات التجارية في الأسواق الإلكترونية لأنها عملية مربحة للجميع.