أرغمت الفيديوهات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي لفضح المزارع المسقية بمياه الصرف الصحي، وزارة الفلاحة على مباشرة تحقيقات عاجلة كشفت المستور، حيث كشف وزير الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري، عبد القادر بوعزغي، عن تسجيل، 86 حالة تخص سقي 133 هكتار من المساحات الفلاحية بمياه الصرف الصحي، مشيرا إلى اتخاذ كل الإجراءات القانونية لمتابعة الفلاحين المعنيين قضائيا وإتلاف كل المحاصيل الزارعية مع حجز عتاد السقي. وبدورها أوقفت مصالح الدرك الوطني 1744 شخص تورطوا في 30 قضية متعلقة بسقي المحاصيل بالمياه القذرة. هذه المعلومات الصادمة التي تزامنت مع انتشار داء الكوليرا تسببت في مقاطعة للكثير من الخضر والفواكه الموسمية في مقدمتها “الدلاع” والبطيخ والعنب والسلاطة.. في وقت اختفت بعض المنتجات لقلة إقبال المواطنين المتخوفين من المرض، وهو ما يُهدّد بكساد كبير في المنتجات لم يسبق أن عرفته الجزائر حسب مختصين في الفلاحة. جولة ل ” الشروق” ببعض الأسواق اليومية للخضر والفواكه بالعاصمة، كشفت لنا الحركية البطيئة في الشراء وكساد بعض المنتجات خاصة الفواكه منها… ففي سوق بن عمر، أكد لنا بائع خضر أن السلطة مثلا لم يعد الإقبال عليها كبيرا كالسّابق، بحجة أنها تُزرع في الأرض ولا تطبخ وهو ما يعرضها للبكتيريا أكثر، أما الدّلاع فلا أثر له بالسّوق، بعدما وجه إليه معهد باستور تهمة حمل بكتيريا الكوليرا، ليظهر لاحقا أن مصدرها بوادي بني عزة بالبليدة وقبله منبع سيدي الكبير بحمر العين بتيبازة. وهذا التخبط في تحديد مصدر الكوليرا، دفع ثمنه الفلاحون الذين تكبدوا خسائر مالية كبيرة جدا إثر كساد منتجاتهم، وزادت عملية الكشف عن سقي بعض المزروعات بمياه الصرف الصحي الأوضاع سوءا، حيث صرّح وزير الفلاحة عبد القادر بوعزقي بأن قرابة 86 مستثمرة عبر الوطن مسقية بمياه قذرة. فلاحون يعزفون عن غرس الدلاع مستقبلا.. وفي الموضوع، تأسف رئيس اللجنة الوطنية لأسواق الجملة للخضر والفواكه، محمد مجبر عبر “الشروق” لتشويه سمعة المنتجات الفلاحية المحلية، التي لن تجد لها مكانا في التصدير مستقبلا إذا استمر الوضع على حاله، وحسبه “تملك الجزائر 2 مليون هكتار من المساحات المزروعة خضرا وفواكه، ولم يحدُث أن مرض إنسان بعد تناولها بوباء خطير، إلا بعض التسمّمات الخفيفة بسبب تناول فاكهة ساخنة أو فاسدة”. وبخصوص الدلاع قال: “أنا إلى اليوم أتناوله وعائلتي، وأؤكد لكم أنه لا يحمل أي مرض، ونشر إشاعات حمله للكوليرا أثّر على عملية تسويقه بشكل كبير، إلى درجة قد نشتاق إلى الدلاع السنوات المقبلة، بعد قرار الفلاحين العزوف عن زرعه بسبب الخسائر التي تكبّدوها”. ورغم اعترافه بوجود عملية سقي بمياه الصرف الصحي “ولكنها قليلة جدا وتمثل ربما 200 هكتار من أصل 2 مليون هكتار مزروعة”. سقي الأراضي بمياه الصرف موجود منذ 35 سنة وأكد المتحدث أن غالبية المنتجات الفلاحيّة تزرع في الهضاب والمناطق الجبلية، حيث تنعدم قنوات الصّرف الصّحي. ويُؤكّد مجبر أن عملية السّقي بمياه الصرف موجودة منذ 35 سنة ولم تظهر الأمراض “لأنّ التربة تصفي الماء القذر”. وقال مجبر إن من يقول بحمل الدلاع لمرض الكوليرا، عليه القدوم إلى الأسواق وأخذ عينات لتحليلها “وليس الحديث من المكاتب” حسب تعبيره، مضيفا: “في أزمة الكوليرا كانت السلطات المحلية تمنع دخول الدلاع إلى سوق الجملة بالكاليتوس دون إخضاعه للتحاليل”. ليؤكد غياب الحركية بالأسواق الأيام الماضية، وقد بدأت تعود تدريجيا إلى طبيعتها بداية من الأسبوع المنصرم. زبدي: ندعو المواطنين إلى التبليغ عن السقي بالمياه القذرة وبدوره، قلل رئيس المنظمة الوطنية لحماية وإرشاد المستهلك، مصطفى زبدي ل ” الشروق” من عدد المستثمرات المسقية بمياه الصرف الصحي، فهي لا تشكل حسبه “إلا نسبة قليلة جدا جدا من الأراضي المسقية بمياه صالحة”، متأسفا لجعل هذا الأمر “فزاعة لضرب المنتج الوطني”. ومع ذلك، يؤكد المتحدث أن ظاهرة السقي بالمياه القذرة موجودة ومنذ زمن، ويتجدد الحديث عنها كلما تم توقيف متورطين من قبل مصالح الدرك الوطني، وأنه سبق لمنظمتهم التبليغ عن مثل هذه الممارسات غير الأخلاقية، داعيا المواطنين بدورهم إلى التبليغ “خاصة أن هذه الممارسات تظهر على ضفاف مجاري الصرف الصحي ومصباتها، ما يحتم على أهالي هذه المناطق التبليغ عن الفلاحين المخالفين، إذ لا يمكن لمنظمة حماية المستهلك التوغل في هذه المناطق”. ويتوقع زبدي أن يكون حجم التبليغات عن هذه الممارسات مستقبلا “أكبر” بسبب الوعي الذي امتلكه الجزائريون، وتلمُسهم درجة الخطر التي قد تلحق بهم في حال سكتوا وتستروا عن هذه مثل هذه الأفعال.