إذا كان القرآن المنزل ” حمال أوجه” كما قال علي بن أبي طالب، يحسن أن “يحمل على أحسن وجوهه” كما يقول بن عباس، فأولى أن تكون النصوص البشرية ومنها الدساتير ” حمالة أوجه” يتوجب علينا زمن الأزمات أن نحمل نصوص الدستور “أحسن وجوهه” بتوفر الإرادات الطيبة التي لا تتعصب لموقف وتساعد على تفكيك ست عقد قائمة تعوق حتى الآن مسار الانتقال تحت سقف الدستور، قبل الذهاب إلى حلول سياسية خارج الدستور تطيح به وبمؤسساته. أمامنا مسران لابتكار حلول للأزمة والخروج من حالة الانسداد التي قد تتحول إلى فراغ خطير في بحر شهرين من الآن: مسار تدبير الانتقال من داخل الدستور يحتاج إلى قدر من الاجتهاد الدستوري هو ممكن ومتاح بأكثر من صيغة، ومسار يقترح الانتقال الثوري خارج الدستور لم يتدبر أصحابه بعد جميع تداعياته على أمن واستقرار البلد لكنه يبقى أحد الخيارين له عند أصحابه قدرا من الوجاهة. بشكل مبسط وميسر سوف أتوقف مع القارئ عند العقد الظاهرة التي توحي بوجود حالة انسداد لا مخرج منها هي التي صرفت حتى الآن جانبا من الطبقة السياسية والنخبة عن احصاء المعوقات الموضوعية للانتقال عبر المادة 102 للانتقال مباشرة إلى حل جاهز قائم على هدم الدستور بالكامل وفتح الباب على مصراعيه لانتقال سياسي أخطر ما فيه أنه يعتدي جهارا على المادة 7 من الدستور التي رفعت رايتها كذبا، كمن يحاول تطبيب جرح بطرف اصبع ببتر اليد. المعوقات الست لتدبير الانتقال تحت سقف الدستور دعونا نستعرض معا ما هو ظاهر من العقد التي تعطل اليوم تنفيذ الانتقال تحت سقف الدستور وتحديدا تحت سقف المادة 102 وهي ست عقد لا أكثر، قابلة للتفكيك والمعالجة من داخل الدستور نفسه دون الحاجة إلى تعديل الدستور الممتنعة اليوم: العقدة الأولى: عقدة باء رئاسة الدولة، حيث يعترض الشارع وأغلب مكونات المشهد السياسي في المعارضة على شخص رئيس الدولة بوصفه أحد رموز النظام في عهد الرئيس السابق كما في عهد حقبة كم الاستئصال، قد رفضت المعارضة دعوته للحوار، ويواصل الشارع مطالبته بترحيله العقدة الثانية: عقدة باء الوزارة الأولى وحكومة السيد بدوي المرفوضة والتي بدا لبعضهم استحالة تجاوزها من جهة افتقاد رئيس الدولة لصلاحيات تغيير الوزير الأول والحكومة بموج أحكام المادة 104 العقدة الثالثة : عقدة رئاسة المجلس الدستوري التي لم تحل بترحيل باء السيد بلعيز، وما تزال تمنع عند بعضهم التفكير في مخرج ينقل رئاسة الدولة لرئيس المجلس الدستوري يكون عليه اجماع. العقدة الرابعة: عقدة الآجال القصيرة التي وضعتنا فيها المادة 102 التي حضرت المرحلة الانتقالية في 90 يوما تنتهي منتصف شهر جويلية يراها بعضهم عن حق غير كافية لتدبير تأطير أمن للانتخابات، ولا تسمح للشارع المنتفض على رموز السلطة والمعارضة أن ينظم نفسه للمشاركة فيها فعالية. العقدة الخامسة: له صلة بالشكوك حيال فرص بناء الهيأة الوطنية المستقلة للانتخابات بما يضمن تحييد دور وزارة الداخلية، ويصون صوت الناخب العقدة السادسة: لها صلة برفض الطبقة السياسية الاستجابة لأي دعوة حوار تأتي من رأس الدولة أو الحكومة، كانت قد انتهت بفضل المحاولة الأولى لرئيس الدولة. القاسم المشترك بين هذه العقد فقدان الثقة في مؤسسات الحكم الموروثة عن النظام الذي سقط رأسه وبعض من واحهته، ويرى جانب من المعارة والشارع أن ما بقي من مؤسسات الحكم انما تناور للالتفاف على مطالب الشارع، بما في ذلك اقترا مؤسسة الجيش لتدبير انتقال عبر المادة 102.. التوافق على الحوار قبل الإجماع على الحلول تفكيك هذه العقد يحتاج إلى منهجية بترتيب الأولويات والبدء أولا بالعقدة السادسة التي يسمح تفكيكها ومعالجتها بتحقيق واحد من أهم مطالب المعارضة حتى وهو يتبنى مسار الانتقال السياسي خارج الدستور، لأنه يحتاج بالضرورة إلى حوار ليس فقط بين مكونات الطبقة السياسية وبعض من رشحوا كرموز مؤهلة للحديث باسم الشارع، بل تحتاج إلى حوار مع الأطراف الفاعلة في السلطة القائمة. ففي الحالتين البلد بحاجة إلى تنظيم هذا الحوار وبأقصى سرعة قبل حلول موعد نفاذ الشغور الدستوري التام والشامل منتصف جويلية القادة. وحيث رفضت رئاسة الدولة كهيأة داعية للحوار، بل وحتى كطرف فيه، كما سوف ترفض الحكومة، ويرفض البرلمان لأنها مؤسسات مطعون فيها لدى المعارضة وجزء من الشارع، ولم يبق أمامنا سوى مؤسستين: مؤسسة الجيش، ومؤسسة القضاء، لهما بعض التقدير والقبول عند المعارضة والشارع. وبتتبع الخطاب الصادر عن مؤسسة الجيش فإن اقتراح المؤسسة وإصرارها على ادارة المرحلة الانتقالية تحت سقف الدستور يريد أن ينقل رسالة واضحة للجميع تقول أن المؤسسة لا تملك رفاهية الخروج عن الدستور وعن صلاحياها كما هي محددة في المادة 28 من الدستور، ولا تريد أن تكون طرفا بل تعرض خدمتها كمرافق للقوى المدنية في ادراة المرحلة الانتقالية شريطة ألا تحمل المؤسسة على اسقاط الدستور ومؤسساته، ولذلك، ومع إشادتها بالحوار كمسلك حضاري لصناعة الحلول التوافقية، فإنها لن تقبل بدور قيادية في الحوار أو كطرف تحاوره المعارضة وممثلوا الشارع في ما لا يملك اصلا، وليس عندي أدنى شك أنه سوف ترفض المقترح الذي صدر عن حركة النهضة وما قد يبادر إليه تكتل التغيير في الأيام القادمة. الاستئناس بحياد القضاء لإدارة جلسات الحوار الوطني بقي عندنا مؤسسة أخيرة، مؤسسة القضاء التي تحصى بقدر من القبول من أكثر من جهة: فهي لم تكن مسؤولة عن الانحرافات الخطيرة التي اقترفتها العصابة الغير دستورية التي اختطفت قرار الرئيس، ومعه القرار في كثير من مؤسسات الدولة، كما أن شريحة واسعة من القضاة قد جازفت بمبدأ ” واجب التحفظ” والتحقت مبكرا كطرف داعم لمطالب الحراك، وتشهد لها مواقف سابقة بقدر من الممانعة للملاءات خاصة من جهة القضاء الجالس، وحتى عند جانب من قضاة التحقيق ووكلاء الجمهورية بشهادة كثير من المحامين ومن المتقاضين، ورأينا مؤسسة القضاء تتحرك بجدية جين رفع عنها الأصر، ووصلتها رسالة التأمين والحماية من مؤسسة الجيش تفاعلت معها تماما كما تفاعل الشارع مع رسائل مماثلة مطمئنة هي التي منحت للشارع هذا النفس الطويل. والحال بوسعنا ان نلتفت إلى هذه المؤسسة ودعوتها غلى المبادرة بالدعوة إلى حوار وطني واسع مفتوح، ضمن مؤتمر حوار تأول رئاسته لهيأة ثلاثية من رؤساء المحكمة العليا والمجلس الأعلى للقضاء، ومجلس الدولة، مع ترك كامل الصلاحيات لمؤتمر الحوار لتحرير قانونه الداخلي المنظم للحوار وجدول الأعمال، يطرح عليه المساران على قدم المساواة ويفصل فيهما بعد الدراسة والتدقيق إما بالتوافق أو بتحقيق أغلبية وازنة لنصرة أحد المسارين، حتى يتحمل المشاركون في هذا المؤتمر مسؤولياتهم أمام الشعب. حوار بلا إقصاء والتزام مسبق للجميع بمخرجاته وبحل عقدة الجهة الداعية للحوار المشرفة عليه بسلوك القاضي المحايد بالضرورة، نحتاج إلى حل ثلاث فرعية: عقدة الآجال، وعقدة المؤهلين للمشاركة، وعقدة الصفة الالزامية لنتائج المؤتمر. من حيث الآجال نحتاج إلى انعقاده ثم توصله إلى صياغة حل توافقي قبيل حلول موعد اغلاق فترة الترشح لرئاسيات 4 جويلية وفصل المجلس الدستوري فيها حتى لا نقع في الخطأ الذي وقع في الموعد السابق، خاصة وأن رئيس الدولة لا يملك ما كان لرئيس الجمهورية من صلاحيات لتأجيل الانتخابات. ومن حيث المشاركين، يفترض أن ننبذ منذ الآن مبدأ الإقصاء كما جاء في مبادرة كتلة التغيير التي اقصت أحزاب الموالاة، ولأن الحوار لا يكون مع الذات بل مع الخصوم، وأن الطرف المحاور الآخر هي ما بقي من مؤسسات الدولة، لأن ادارة المرحلة الانتقالية سواء تحت سف الدستور أو خارجه تحتاج إلى العمل مع هذه المؤسسات حتى لا تتحول إلى معول هدم ومواطن تعويق تحبط جميع مساعي اخراج البلد من الأزمة والعبور بها إلى بر الأمان بأقل كلفة ممكنة.. ولأجل ذلك يفترض أن نقبل بمشاركة ممثلين عن مؤسسات الدولة القائمة: البرلمان، الحكومة، والإدارات الكبرى، كما لا يحق لأحد تهميش ما كان يسمى بأحزاب الموالاة، وعن الطرف الآخر يفترض أن توجه الدعوات لجميع الأحزاب المعتمدة، وللنقابات الوطنية، وكبرى المنظمات من المجتمع المدني، وخاصة ايجاد صيغة تسمح بانتداب ممثلين عن الحراك من ولايات البلاد ال 48 بعدد الدوائر الانتخابية في كل ولاية, وتبقى العقدة الثانوية الثالثة رهينة بمقدار التزام المشاركين في الندوة من الطرفين باحترام ما سيصدر عن الندوة من مقترحات لحل الأزمة وتجاوز الانسداد في الجلسة الأولى، وأن تلتزم الهيأة القضائية لداعية للندوة والهيأة الراعية المرافقة لها وأعني مؤسسة الجيش بدعم ومساندة الحل الذي يتم التوافق عليه في ختام الندوة. الآن وقد انتهينا من هذه العقدة يمكن بيسر استعراض الحلول الممكنة سواء في مقتر مؤسسة الجيش الداعم لمرحلة انتقالية تحت سقف الدستور أو طرح المعارضة لحل سياسي خارج الدستور أهم مقترح فيه انشاء هيأة رئاسية مستقطبة تسلم لها سلطة ولاية الدولة لتنظيم انتخابات رئاسية في مدة زمنية ما بين ستة إلى تسعة أشهر. استنفاذ الحلول الدستورية قبل رمي المنشفة سوف أترك للطرف الداعي إلى الحل السياسي خارج الدستور مسؤولية تقديم المقترح وتفصيله مع لعب دور المعارض له بتدبر ما فيه من مزالق وأخطار تحتاج إلى إجابات واضحة من دعاته وداعميه، وأكتفي بطرح سلسلة من الحلول والمقاربات للعقد الخمس التي تعترض اليوم مسار الانتقال تحت سقف الدستور، لأنها تترجم مخاوف حقيقية مشروعة ولأن بعض فقهاء الدستور قد خلص اجتهادهم إلى استحالة التوفيق بين مقتضيات المادة 102 حتى مع تأطيرها بالمادتين 7 و8 وبين رفض الشارع لرئاسة الدولة والحكومة وتشكيلة المجلس الدستوري. وأعتقد جازما أن الدستور فيه أكثر من حل للعقد الخمس، مع قدر من الأجتهاد نورده في الحلقة القادمة تحت رقابة فقهاء الدستور، وقد اعتمدت على مبدأ بسيط أنه إذا كان القرآن الكريم كما روي عن علي كرم الله وجهه وهو يوصي عبد الله بن عباس وقد بعثه للأحتجاج على الخوارج “لا تُخاصِمْهم بالقُرآن؛ فإنَّ القُرْآن حمَّالُ أوجه” وقول ابن عباس فيه ” القرآن ذلول ذو أوجه فاحملوه على أحسن وجوهه” فأولى أن تكون جميع اجتهادات البشر حمالة أوجه، وإلا ما احتاجت الأمم إلى مجالس ومحاكم تفتي في دستورية القوانين”.. — تابع الحلقة الثانية: مفاتيح عام الجماعة في فقرات المادة 103