كما يكتب التاريخ بالحبر يكتب أيضا بالصور.. فهي في كل الحالات أصدق أنباء من كل الكلمات.. لا يكفي أن تقول أنك مجاهد في هذا الزمن "الهجين"، بل عليك أن تقدم دليلا.. هذه كلمات يقولها الكثير من الذين شاركوا في الثورة وفيهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر.. أما الصورة فهي باقية. المجاهد بشير غانم، يمتلك الآلاف من الصور النادرة، هو في حد ذاته أرشيف أو لنقل متحف متنقل، الصورة الأصلية لهواري بومدين مع العجوز والدته التي نراها في كل مكان هي ملك له، إضافة إلى صور عديدة، خاصة لقادة وثوار شرق البلاد، بشير غانم المعروف باسم "حمدان تيغو" بعد أن بلغ سن السبعين يريد الآن أن يسلم هاته الصور لأصحابها، فقد بدأ الكفاح عام 1955 وعمره 18 سنة رفقة عمار بوضرسة واسماعيل زيغات والقائد عبد السلام ساسي، كما جمعه الكفاح بصوت العرب وزيغود يوسف وبوخميس وغيرهم.. ولحسن حظ غانم أنه يمتلك حقيبة متخمة بالصور تصلح لأن تملأ متحفا كاملا. قصة هاته الصور فيها الكثير من الغرابة، إذ انضم أحد المجاهدين عام 1958 للثوار في جبال ماونة قادما من فرنسا وبحوزته آلة تصوير صغيرة، ولا يدري السيد غانم لحد الآن السبب الذي جعله يكتنز "الكليشيهات"، وبعد الإستقلال قام بتحميض الصور ووزع الكثير منها على زملائه مثل اليمين زروال. لم يكن "أشبال" الثورة يولون أهمية للصورة، فقد حضر صحافي من يوغوسلافيا عام 1958 والتقط لهم المئات من الصور، ثم عاود صحافي آخر من كوبا الحضور عام 1961 والتقط أيضا المئات من الصور بعد أن بقي مع المجاهدين مدة قاربت الشهر كانت كلها للصور والتحقيق مع المجاهدين. بالنسبة للسيد غانم فإن الصورة هي أوجاع أيضا، لأنه يعود من خلالها إلى حوالي خمسين سنة فيتذكر صالح قلعة من تبسة وعبد السلام الذي كان نجارا بتبسة وكمال زراري من قسنطينة وبودينا من الجزائر العاصمة وبن عصمان من مستغانم وبن عاشور بشير وكريس العربي من البليدة، والمشكلة أن الجميع إختفوا عن الأنظار في زحمة الأحداث.. في بعض المناسبات وجد غانم نفسه أمام ضرورة التخلي عن بعض الصور فقد منح صورة نادرة التقطت بحجر مفروش للهاشمي هجريس وثلاث صور لليمين زوال ومثيلاتها للجنرال تواتي، ويأمل أن يوزع ما بقي له من صور إلى أصحابها، خاصة أنه رفض إعطاء هذا الكنز لبعض المتاحف، كما حاولت أوساط فرنسية الحصول على هاته الصور بوساطات جزائرية ورفض بيعها. شغف عمي غانم بالصور إنتقل إلى منطقة الشرق الأوسط عندما شارك في حرب 1973 فأدهشنا بصور نادرة قرب "سينا" وحتى رفقة أسرى إسرائيليين، هي جميعا صور بإمكانها أن تكتب تاريخا بعيدا عن التزوير كما حدث في كتاب عن أحداث 20 أوت 1955 بڤالمة الذي أسقط إسم عمار "الراهم" الذي كان يحمل العلم وإسم حمدان تيغو. الغرق في أرشيف من الصور الأصلية بالأبيض والأسود هو عودة على الطبيعة إلى نصف قرن من الأيام التاريخية من ماونة بڤالمة إلى أولاد حبابة بسكيكدة إلى حجر مفروش بالقل.. كل شيء تغير الآن ولكن الصور مازالت على براءتها القديمة بألوانها البيضاء والسوداء الأصلية التي تجعلها صورا بكل ألوان الثورة من أخضر الأمل إلى أحمر الدم الى أبيض السلام. ناصر الصور متوفرة في نسخة :PDF