تعتبر فرحة النجاح من الذكريات المهمة التي يحتفظ بها الفرد في ذاكرته مدى الحياة، لذلك يعد الاحتفال بها ضروريا، كل على طريقته، لكن بعض الطقوس الحديثة التي ظهرت في مثل هذه المناسبات قد تغير مسار الفرحة إلى إزعاج ومشاكل وحتى إلى أحزان. لقد كان للاحتفال بالنجاح الدراسي، سواء التخرج، نهاية الطور المتوسط والابتدائي وخاصة النجاح في شهادة الباكالوريا، طعم اجتماعي خاص، يعكس الكثير من مظاهر المودة والتآزر والتعاطف، فقد كان الجيران والعائلة يجتمعون في بيت الطالب يوم ظهور النتائج، حتى يتقاسموا معا فرحة النجاح أو خيبة الفشل، وبمجرد سماع خبر النجاح ترتفع الزغاريد ويسود البيت جو حميمي من العناق والمباركة، وكانت هناك عادة جميلة أخرى، إذ عند اطلاع الطالب على النتيجة وتبين تفوقه، عليه أن يتوجه إلى بقالة الحي، ويقتني الكثير من المشروبات المحلاة، وبعض الحلويات، ثم يطرق أبواب الجيران ليوزعها، وكان الجيران يقدمون للناجح مبالغ مالية رمزية تشجيعا له على مواصلة الطريق. اختفت هذه المظاهر الجميلة تدريجيا، وحلت مكانها احتفالات لا طعم لها، سوى كونها فلكلورا للتباهي وإعلان النجاح على أوسع نطاق، مع كثير من الأذى والإزعاج للجيران. مفرقعات وألعاب نارية تحدث الكارثة لاحظنا في السنوات القليلة الأخيرة تغييرا كبيرا في طرق الاحتفال بالنجاح، خاصة لدى الشباب والمراهقين، إذ بمجرد إعلان نتائج شهادة البكالوريا مثلا، حتى تعم الفوضى شوارعنا، وترتفع طلقات مدوية تشبه الطلقات النارية، وأصوات غريبة وموسيقى صاخبة تنبعث من السيارات المحتفلة في الشارع، سرعان ما تسبب أزمة سير خانقة.. وبما أن النتائج باتت تظهر في ساعات متأخرة من الليل، فإن هذا النوع من الاحتفالات يسبب إزعاجا كبيرا للجيران خاصة المرضى، وكبار السن والأطفال الرضع، وكثيرا ما يتحول اللعب والعبث بالمفرقعات النارية التي تكلف آلاف الدينارات إلى حروق وحالات ضيق تنفس، فتنقلب فرحة النجاح إلى أمسية سوداء باتت تشهدها مؤخرا، استعجالات المصالح الاستشفائية عبر ربوع الوطن، وخاصة بالمدن الكبرى، والأحياء الشعبية. حوادث مميتة تقود الأفراح إلى الأحزان سجلت مصالح الحماية المدنية بولاية البليدة لوحدها 23 حادث مرور مميتا، في الأمسية التي صادفت إعلان نتائج البكالوريا في السنة الماضية، ويرجع أخصائيون السبب وراء هذه الحوادث، إلى طيش وتهور الشباب أثناء الاحتفال، إذ عادة ما يقوم الطلاب وهم من فئة الشباب والمراهقين، بالمبالغة في زيادة السرعة عبر الطرقات، والتهور في القيادة بالانعراج يمينا ويسار، تحت صخب الموسيقى العالية وارتفاع أصوات المفرقعات النارية، ومزامير قوافل السيارات المحتفلة. هذه المظاهر الاستعراضية المبهرة، قضت مبكرا على فرحة الكثير من الطلبة الذين انتظروا إعلان نجاحهم طويلا، وعلى فرحة أوليائهم أيضا، لأنهم اختاروا طرقا خطيرة للاحتفال، وهذا ما وقعت فيه عائلة الشاب إسحاق من البليدة، 21 سنة، حاز شهادة البكالوريا، دورة 2018 بعد محاولات عدة، فانطلق بسيارة والده يقود قافلة من جيرانه وأصدقائه وأقاربه، للاحتفال عبر الطريق السيار الرابط بين العاصمة والبليدة.. تروي أمه تفاصيل الفاجعة التي حلت بعد فرحة العمر، تقول: “في حدود الساعة الثانية صباحا، وبينما غاب النوم عن عيني وأنا أخطط كيف احتفل مع العائلة بنجاح ابني البكر، طرق جارنا الباب ليخبرني أن إسحاق بالمستشفى بعد أن انقلبت به السيارة..” لقد تحولت أفراح هذه العائلة إلى أحزان في لمح البصر، تضيف أم إسحاق: “بمجرد وصولنا إلى المستشفى كان ابني ورفيقه قد فارقا الحياة…”. الكثير من مظاهر الاحتفال بالنجاح الدراسي اليوم، هي مظاهر هجينة على المجتمع، لا علاقة لها بعاداته، ولا بالأعراف التي تبجل وتقدس التفوق العلمي، لذلك ينصح الخبراء والأخصائيون في الشأن الاجتماعي بتركها، واستبدالها بعادات مفيدة، توطد العلاقات الاجتماعية، وتسهم في تكوين ذكريات سعيدة.