مرة أخرى، يعود الحديث بالمسيلة هذه الأيام، عن أهمية حماية المدينة، ما أصبح يعرف بغابة الإسمنت التي أتت على الأخضر واليابس، خاصة خلال العشرية السوداء، حين تعرضت مختلف الفضاءات التي تعد رئة المدينة، إلى حملة وصفت وقتها وفي أكثر من مناسبة بالشرسة، وهي حملة لم تبق ولم تذر، حسب تعبير ممن تحدثوا إلى “الشروق”. ففي ضوء ما عرف حينها بتكثيف الأحياء السكنية، اختفت مساحات خضراء وجيوب عقارية كانت مخصصة إما لمرافق عمومية أو أماكن لراحة السكان، وعلى سبيل المثال لا الحصر، حي 924 الذي لا يزال يعرف بهذا الاسم رغم مرور أكثر من 20 سنة على إنشائه كتجزئة ترابية، لكن حاليا وبسبب سياسة التكثيف التي اعتمدت وقتها لأسباب يعرفها الشارع المسيلي أصبح عدد القطع الأرضية 1200 قطعة طبعا هي حاليا كلها بناءات فردية. بعض شوارع هذا الحي يمكن القول بأنها مسدودة، أي غير ممتدة في اتجاه معين، وبعض الشوارع الأخرى أخذت اتجاهات لا وجود لها في الهندسة المعمارية وفي مخططات المدن الحديثة، حسب المختصين الذين اعتبروا ما حدث لعاصمة الولاية في السنوات 20 الماضية، خاصة في الفترة الممتدة ما بين 1993 إلى حدود 2003، كارثة على العمران في المدينة وتضييقا وغلقا لفضاءات الراحة أمام أكثر من 300 ألف نسمة، هي الآن- يضيف هؤلاء- لا تستطيع التحرك بشكل مريح أمام توسع وانتشار جدران الإسمنت التي غزت جميع الأوعية العقارية وأغلقتها تماما، حيث لا يمكن لمئات الأطفال اللعب أو إيجاد مساحة للراحة سوى الشارع أو الطريق رغم كل المخاطر والحوادث التي كانت وراء سقوط عشرات الضحايا من الأطفال داخل المناطق الحضرية، والإحصائيات التي لطالما كشفت المصالح المعنية تبين مدى تآكل الجيوب العقارية داخل المدن بسبب التوسع العمراني الذي يفتقد العديد من المعايير والقوانين التي تحمي المدن من التوسع العشوائي على حساب فضاءات إما هي احتياط أو مساحات خضراء لراحة السكان والعائلات. لكن أمام التوسع العشوائي الذي ضرب عاصمة الولاية في عدة زوايا وساهم في ظهور تجمعات سكنية لا معنى لها باعتماد مقاييس المناطق الحضرية المتعارف عليها، فقد بنيت أزيد من 8000 وحدة سكنية اجتماعية وتساهمية في مناطق مهددة بسيول أودية خامدة ومثال ذلك أحياء 05 جويلية على المدخل الشمالي والشمالي الغربي، حيث العمارات التي بالقرب من المدرسة القرآنية كانت منذ أكثر من 06 سنوات عرضة لفيضان وادي الجايح، الذي اعتقد الكثير أنه مات لكن ما حمله وقتها من طوفان تسبب في غمر عدد من الطوابق الأرضية وتدخلت لحظتها مصالح الحماية المدنية بالزوارق لإنقاذ العائلات، مع أن مختصين حذروا حينها من البناء في المناطق المنحدرة والمنخفضة كتلك التي أشرنا إليها، لكن يتضح أن إرادة معينة كانت تدفع بهذا الكم من المشاريع السكنية التي رصدت لها الدولة الملايير إلى الخطر مع أنه كان بالإمكان استغلال تلك المنخفضات كمساحات خضراء وطرقات موازية لمجرى الوادي المشار إليه وغيره، حتى إن معهد تقنيات التسيير الحضري على مستوى جامعة المسيلة رغم سمعته الوطنية والقارية والإقليمية كان مغيبا ولم يستشَر أساتذتُه وطلبته في كيفية توجيه المدينة واستغلال جيوبها العقارية بمنطق المدن الحديثة، والأكثر من ذلك أن العمران الجديد الذي تكدس على مستوى المدخل المشار إليه أصبح جنبا إلى جنب أكبر مركز لردم النفايات المنزلية على مستوى الولاية. وأمام كل هذا التوسع العمراني الذي شهدته عاصمة الولاية وباقي المدن التابعة لها، بقيت المساحات الخضراء وفضاءات الراحة والتشجير الحلقة المفقودة إلا في بعض الاستثناءات لكنها لا تفي بالغرض، بحسب تعبير المواطنين، الذين شددوا على أهمية أن تثمن كل المبادرات الداعية إلى غرس مليون شجرة بالمسيلة.