لعلّه يحسن بنا ونحن على أبواب دخول جامعيّ جديد، أن نوجّه بعض النّصائح إلى إخواننا الطّلبة، خاصّة منهم الذين يلتحقون بمقاعد الجامعة هذا العام، ليس لنحثّهم على الاهتمام بدينهم والتحلّي بمكارم الأخلاق فقط، وإنّما أيضا لنشحذ عزائمهم، ونذكّرهم بهدف سامٍ ينبغي لكلّ واحد منهم أن يصنعه لنفسه ويجعله نصب عينيه ويسعى لبلوغه؛ يعلو بهمّته ويسمو بها عن التّفاني في طلب حظوظ الجسد، وعن الرّضا بغاية لا تتعدّى نيل شهادة يزاحم بها في سوق العمل. إخواني الطّلبة.. إنّه لا عذر لأحد منكم في فساد واقع الجامعات وتأخّر البرامج وضعف التأطير؛ فالجامعة ميدان رحب للبحث والتعمّق لمن استعان بالله واتخذ الأسباب الموصلة إلى ذلك. المئات بل ربّما الآلاف من خرّيجي جامعاتنا هم الآن في أرقى مراكز البحث في أوروبا وأمريكا يصنعون حاضر الغرب ومستقبله، وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على أنّ جامعاتنا بعجرها وبُجرها يمكن أن تخرّج علماء وباحثين يستعينون بالله ويتحدّون الواقع المرّ لصنع أمجاد أمّة تنتظر من أبنائها الكثير. نحن نعلم أنّ الواقع صعب لكنّ من يطالع سير علماء هذه الأمّة في قرون الازدهار يجدهم قد آثروا الفقر والمعاناة والحرمان على الإغراءات التي تأتيهم من هنا وهناك، لأنّ غايتهم كانت إعزاز دين الله ولم تكن مناصب فانية ولا رواتب راقية. لا يكن همّ أحدكم الشّهادة وكفى، فيخرج من الجامعة كما دخل، ولْيكن همّه أن يتخرّج من الجامعة وبيده مفاتيح علم من العلوم. إنّه لا ينال العلم متعلّل متشائم ينتظر أن تتوفّر له كلّ الوسائل والظروف ليطلب العلم؛ ينتظر أن تجهّز غرفته في الحيّ بكلّ المستلزمات وتأتيه أحدث المراجع ويجلس بين يدي أفضل الأساتذة، ليطلب العلم!. لقد أحسن من قال: “إذا كان يؤذيك حرّ المصيف ويُبس الخريف وبرد الشتاء، ويلهيك حسن زمان الربيع، فأخذك للعلم قل لي متى”. إذا كان الواحد منكم يشكو ضعف الأساتذة، فهناك المكتبات وقاعات الإنترنيت التي ينبغي أن تكون ملاذا للطّلبة لقضاء الأوقات بدلا من النّوادي والاستراحات. عار يا طلبة العلم أن تتحوّل المكتبات إلى نوادي للقاءات بين الطلبة والطالبات. عار أن تتحوّل قاعات الإنترنيت إلى نوادي للألعاب والملهيات. عيب يا طلبة العلم أن تقضى الأوقات في الطواف حول المطعم الجامعي والنّادي وفي أروقة الجامعات وفي سهرات القيل والقال في غرف الحيّ الجامعيّ… إنّكم مسؤولون عن هذه الأوقات بين يدي الله ربّ الأرض والسّماوات، فبماذا ستجيبون؟ لقد أصبح الطالب في الجامعة يستحي أن يعتذر من زملائه ويطلب الخلوة بنفسه ليراجع دروسه أو يذهب إلى المكتبة؛ يدخل غرفته في الحيّ الجامعيّ وفي نفسه أنّه يريد المذاكرة والمراجعة، وإذْ بأحد زملائه يطرق بابه ويدعوه لخرجة إلى المقهى الفلاني فيستحي أن يرفض الدّعوة فيخرج معه ليعود في آخر الليل مرهقا فينام عن صلاة الفجر ويضيّع دينه ودنياه، ويالها من خسارة كان أساسها حياء في غير محلّه.. ألا فاتق الله أخي الطالب وإن كان من حياء فليكن من الله الواحد الأحد. كن صاحب شخصية ولا تُعط فرصة لأحد أن يعبث ببرنامجك ويؤثّر في حياتك. كن صاحب همّة عالية، واجعل هدفا لك أن تكون من الأوائل في فصلك، أن تواصل دراساتك العليا، أن تتخرّج من الجامعة وقد أتقنت مجال تخصّصك، أن تتخرّج من الجامعة إنسانا آخر. لا تصحب العابثين والفارغين. لا تصحب فلانا لأنّه من المدينة التي تسكن فيها ولكن صاحب أصحاب الهمم العالية والأخلاق الفاضلة من أيّ مكان كانوا. قرّر واكتب أهدافك وسطّر برامجك من الآن، واختر زملاءك من الآن، واعلم أنّ أيّ تهاون قد يجرّك إلى ما لا تحمد عقباه. احرص أخي الطالب على وقتك وكن أبخل به من مالك؛ فساعة تضيع في غير بحث أو مراجعة هي ساعة ضاعت هباءً من حياتك الجامعية التي ستندم عليها يوما ما، فكن كالنّحلة من زهرة إلى زهرة، من حجرة الدراسة إلى المكتبة إلى نادي الإعلام الآلي إلى غرفتك بين كراساتك وكتبك. احذر أن تكون حالك كحال أكثر طلبة الجامعات؛ من المطعم إلى المقهى إلى السّرير. إياك أخي الطالب وعقد الصّداقات مع الطالبات. فما لا ترضاه لأختك لا ترضَه لبنات المسلمين.. لا تتعامل مع الطالبات إلا في حدود الضّرورة والحاجة، وإذا اضطررت أو احتجت لذلك، فاحذر النّظر فإنّه سهم من سهام إبليس. احذر الابتسامة والتذلّل في الكلام. احذر الخلوة فإنّها باب كلّ شرّ. احذر الخطوة الأولى التي يسهّلها لك الشّيطان ويغريك بها العابثون، وكن حرا أبيا، حازما في كلّ أمورك. وأنتِ أيتها الطالبة، عليك بتقوى الله. لا تخيّبي أمل والديك وثقتهم بك. كوني أفضل ممّا يتمنّيان في لزوم الحجاب واجتناب مواضع التهم. لا تتعاملي مع الطلبة إلا في حدود الضّرورة. احذري التذلّل والتدلّل في الكلام. احذري الذئاب الذين يأتونك من باب الزّواج أو من باب الصّداقة البريئة. لا تسمعي لمن يقول لك إنّه لا بدّ لك من اختيار زوجك بنفسك. كوني عزيزة النّفس يقيّض لك الله خيرا ممّا تتمنّين. إياك والتذلّل للأساتذة والتّمسكن لهم. إياك وصحبة الطائشات العابثات. إياك والخروج من الحيّ الجامعيّ من غير ضرورة. تذكّري دائما وأبدا أنّه إذا كان أبوك أو أخوك لا يراك فإنّ الله الذي لا تخفى عليه خافية يراك، واعلمي أنّك متى ما تجرّأت على محارم الله وأصررت على ذلك واستخفيت من النّاس ولم تستخفي من الله، فإنّ الله سيفضحك أمام النّاس طال الزّمن أم قصر.