يعاني عشرات الفلاحين في منطقة عوينت موسى التابعة لبلدية سيدي خويلد بورقلة، من مشاكل إدارية وتقنية كثيرة، ما ضاعف أتعابهم رغم المجهودات الجبارة التي يقوم بها الفلاحون في منطقة تعرف بسلة غذاء ورقلة، فيما دخل الواقع الفلاحي في عدة متاهات أثرت سلبا على الإنتاج، وخلفت جوا عاما سلبيا يواجه الراغبين في ممارسة الفلاحة بين الشباب البطال. يواجه الفلاحون في المزارع المنتشرة في منطقة عوينت موسى عديد المشاكل التي أثرت سلبا على عملهم الميداني، وساهمت في محاصرة إمكاناتهم الفردية لتقديم الأفضل في الإنتاج الفلاحي المتنوع في المنطقة الخصبة. “الشروق” تجوّلت في المنطقة، حيث لمسنا واقعا فلاحيا مبهرا رغم كثرة المشاكل، ويأتي في مقدمة العراقيل الإدارية عدم حصول الفلاحين على دفاتر عقارية على الأراضي الفلاحية التي اشتروها بعقود عرفية بأموالهم الخاصة، حيث ينتظر 130 فلاح تسوية وضعية أراضيهم، حسب التعليمة الوزارية المشتركة 162، ورغم منحهم عقودا أولية من الوالي السابق لكنها لم تترجم إلى دفاتر عقارية. البيروقراطية تؤخر تسوية وثائق الفلاحين وتسبب تعطيل الفلاحين في الحصول على دفاتر عقارية لأراضيهم في حرمانهم من الاستفادة من عدة امتيازات وخدمات تساعدهم في تدعيم ومضاعفة إنتاجهم الفلاحي، كالقروض بأنواعها والأسمدة العضوية وغيرها وكذا خدمة الدعم الطاقوي التي حرم منها الفلاحون بسبب عدم وجود العقد، رغم وجود تعليمة تنص على تسوية وضعية كل مستغلي الأراضي الفلاحية من الفلاحين من دون سند. وجاءت تعليمة تسوية العقار الفلاحي شهر ديسمبر سنة 2011، حيث تتم العملية بعد اتخاذ مجموعة من الإجراءات الإدارية لتمر بعدها على مصالح الوالي وكذا مصالح أملاك الدولة، هذه التعليمة مسّت 534 فلاح في ولاية ورقلة بينهم فلاحون لم يستفيدوا إلى حد الآن من عقودهم كما لم يستفيدوا من الدفاتر العقارية التي تمكنهم من الحصول على مختلف الامتيازات الخاصة بالفلاحين. شبهات في عمليات توزيع الأراضي يشتكي الكثير من الفلاحين من الترتيبات السلبية التي خلفها إمضاء العقود بشكل فوضوي في السنوات السابقة، وتطالبهم المصالح الفلاحية كلما تقدّموا نحوها لتسوية عقودهم بالتوجه نحو دوائرهم التي تأمرهم بدورها بالتوجه نحو مصالح الفلاحة بمقر سكناهم، كما أنه توجد عقود أنجزتها مكاتب دراسات لكن الأراضي لا تزال غير معروفة بسبب عدم نزولها للميدان، يحدث هذا العبث بالفلاحين وبأملاك الدولة رغم التعليمة رقم 750 المتعلقة بتسوية العقار الفلاحي في جويلية 2018. يحدث هذا في حين يقوم الولاة المتعاقبون على الولاية والأمناء العامون وغيرهم من المسؤولين النافذين بتوزيع قرارات استفادة بآلاف الهكتارات على أشخاص من خارج المنطقة، في حين يصطدم شباب المنطقة كلما توجهوا نحو مديرية الفلاحة أو الأقسام الفرعية للفلاحة أو رؤساء الدوائر والبلديات، بنفي المسؤولين وجود برنامج لتوزيع الأراضي، رغم وجود قرار وزاري من رئاسة الحكومة يقضي بتوزيع 500 ألف هكتار على الشباب بداية شهر جانفي الداخل. الأخطاء الإدارية تضاعف معاناة الفلاحين تعاني شريحة أخرى من الفلاحين من بيروقراطية الإدارة وسوء التسيير، فقد منحتهم مصالح الفلاحة شهادة الانتقاء الأولية فقط، فيما توجد شهادات توجيه إلى يومنا هذا لم تعطهم السلطات عقدا لتنفيذها، ما جعلهم يعجزون عن القيام بأي إجراء ميداني، مثل فلاحي مناطق تماسين والمقارين وكذا تقرت وحتى ورقلة. ويبقى عدم تصحيح العقود المشكل الأبرز الذي يواجهه الفلاحون بعين موسى، رغم أمر الوالي بالتصحيح إلا أن الإدارة لم تقم بتجسيده، في حين يصطدم الفلاحون أثناء محاولتهم تصحيح عقودهم، بطلب أملاك الدولة إحضار شهادة القياس ليتوجهوا بعدها نحو مصالح ديوان الأراضي الفلاحية التي رفضت تسليمهم هذه الشهادات بسبب الأخطاء في عقودهم التي ترجع إلى سنة 2016، ما يعكس البيروقراطية الخانقة التي يعاني منه الفلاح بالولاية. وتسببت الأخطاء الإدارية في تدوين أسماء البلديات التي تحتضن المناطق الفلاحية على وثائق الفلاحين من مضاعفة أتعابهم وإدخالهم في حالة نفسية صعبة أثرت على عملهم الميداني، وجعلت الكثير منهم يعزفون عن جني محاصيل التمر كردة فعل عكسية على الواقع المزري الذي بات القطاع يتخبط فيه، فقد أخطؤوا في تدوين اسم البلدية بتدوين اسم بلدية سيدي خويلد بدل أنقوسة التي تحتضن مزارعهم، التي تحوي 40 ألف نخلة تنتج أحسن أنواع التمور في المنطقة. .. بين مطرقة مديرية الفلاحة وسندان أملاك الدولة يدفع الفلاحون أموالا معتبرة في بناء البيوت البلاستيكية والسقي وشراء الأسمدة والبذور وتسديد أثمان الكهرباء، رغم عدم حيازتهم على أي وثيقة تثبت ملكيتهم الكاملة للأراضي، فيما تمنح الولاية والدوائر والبلديات ومديرية الفلاحة مئات الهكتارات للمستثمرين وتقوم بتسوية دفاترهم العقارية بسرعة ومنحهم الأسمدة والدعم الطاقوي والقروض رغم عدم استصلاحهم للأراضي، أما الفلاحون الحقيقيون، فقد حرموا من أي دعم بسبب عدم ملكيتهم لأي وثيقة تثبت ملكيتهم للأراضي التي قاموا باستصلاحها. وكان الوالي السابق لورقلة قد منح العقود منذ سنة 2016 للفلاحين، إلا أن شهادة القياس متوقفة لدى مصالح أملاك الدولة، حيث أمرت الفلاحين بتصحيح أسماء البلديات فيما لم يقم مدير الفلاحة بتحرير عقود جديدة منذ سنوات، رغم أن الفلاحين طلبوا تسوية وثائقهم فقط، في منطقة عوينت موسى التي تعتبر ركيزة السوق المحلية في جميع الخضروات. مشاكل التسويق والكهرباء والمسالك والسكن تؤرق الفلاحين من جهة أخرى، حرمت مصالح الفلاحة الفلاحين من الأدوية المعالجة لمرض بوفروة وعنكبوت الغبار بسبب البيروقراطية، فيما تفاجأ فلاحون بقوانين مسؤولي الفلاحة الذين رفضوا تسجيل الأراضي التي تبلغ 5 هكتارات في عقود، ما جعل الكثير من الفلاحين الذين استصلحوا أكثر من 5 هكتارات يقفون حيارى أمام الإجراء، رغم امتلاكهم مزارع منتجة لشتى أنواع المحاصيل، فيما يظل مشكل التسويق عائقا في توزيع المنتجات وبيعها، حيث يضطر الفلاحون في كثير من الأحيان إلى رمي منتجاتهم، في حين فاقم اهتراء المسالك الفلاحية وضع الفلاحين وتسبب في تضرر مركباتهم النفعية. ويبقى ضعف الكهرباء الريفية عاملا مثبطا، حيث أن الخط الكهربائي المتوسط لا يخدم الفلاح، الذي يواجه أيضا عراقيل كبيرة في طريق استفادته من بناء ريفي يساهم في استقراره قرب مكان عمله، حيث يطلب منهم تقديم رخص البناء التي يصعب عليهم استخراجها، ورغم زيارة وزراء القطاع والولاة للمنطقة وعلمهم بالوضعية ووقوفهم على المشاكل لكن دون جدوى. الشباب البطال ضحية البرامج الارتجالية وتسبب التوزيع العشوائي للأراضي الفلاحية على الشباب البطال قبل سنوات في إطار عقود الامتياز، في فوضى عارمة في القطاع، حيث قام الوالي السابق علي بوقرة بمنح الأراضي وعقود الامتياز دون دراسة ميدانية ناجعة ودون تهيئة المحيطات الفلاحية للشباب الراغب في امتهان الفلاحة، نتج عنه اصطدام الفلاحين الشباب بواقع صعب تسبب في تركهم الأراضي التي وقعت فريسة لبرنامج تطهير العقار الفلاحي، بسبب عدم توفر الإمكانات المادية لديهم باعتبارهم بطالين. وتنصلت السلطات من وعودها تجاه الفلاحين الشباب في إنجاز المسالك الفلاحية وحفر الآبار الموجهة للسقي وتوصيل الكهرباء الفلاحية، الأخيرة استفاد منها مستثمرون كبار في منطقة قاسي الطويل ومناطق أخرى، رغم عدم وجود البند في دفتر الشروط باعتبارهم مستثمرين حصلوا على قروض، في حين لم يحصل على خدمة توصيل الكهرباء فلاحون آخرون قاموا باستصلاح مزارعهم على أرض الواقع ما يعكس البيروقراطية والتمييز بين الفلاحين كما يستوجب فتح تحقيق قضائي في الملف. وحرمت السلطات الشباب من عدة خدمات في المحيطات الموجهة له، كحفر الآبار وإنجاز شبكة السقي كما هو الحال في منطقة الطيبين ببلدية العالية وكذا محيطات الامتياز في دائرة الطيبات التي غزتها الرمال وتبخر معها حلم الشباب البطال بسبب تهور الإدارة المحلية وبيروقراطيتها، وكذا تضحيتها بمستقبل وأحلام شباب ضاع بين مكاتب مديرياتها لسنوات، فيما يشكل ملف الأراضي التي وزعت على الشباب خلف المستشفى العسكري قنبلة موقوتة، حيث استنكر الوالي توزيعها رغم عدم صلاحيتها للزراعة، وأعطى أمرا بتخصيصها لبناء المستشفى الجامعي، وإلغاء العقود مع الشباب الذين وقعوا ضحية لارتجال الإدارة. البطالة بتقرت.. وجه آخر للمعاناة اقتصر عمل المصالح الفلاحية في منطقة تقرت بإنجاز محيط واحد من بين 15 محيطا موجهة للشباب، حيث من المفترض أن تقوم الدولة فيها بحفر الآبار ووضع شبكة السقي وإيصال الكهرباء الكهربائية وإنجاز المسالك الفلاحية، في حين لم يستلم شباب منطقة تماسين عقودهم الخاصة بمحيطات الشباب منذ سنة 2008، ليصطدم الشباب البطال بغياب مصالح الفلاحة عن إتمام إجراءاتها في هذه المحيطات ما عرضها للزوال، وأدخل الشباب الراغب في ولوج عالم الفلاحة في دوامة غير منتهية. تصاعد المياه يفاقم خسائر الفلاحين تسبب مشكل تصاعد المياه في مفاقمة مشاكل الفلاحين، حيث تسبب لهم في خسائر فادحة، وذلك بعد غرسهم لأشجار النخيل التي تتعرض للتلف والموت بسبب مشكل النز، وتخص الأزمة عدة مناطق بينها دائرة الحجيرة وقرية أم الرانب وكذا قريتا عوينت موسى وقوق وتقرت، فقد دمر صعود المياه آلاف الأشجار من النخيل، ورغم خروج مدير الفلاحة ومدير الموارد المائية لزيارة المناطق وإعطائهما وعودا بحل المشكل لكنها ظلت وعودا من دون تجسيد ميداني رغم المحاولات الكثيرة. وأكد مدير الفلاحة في اتصال مع “الشروق” أن ملفات فلاحي عوينت موسى في طريقها إلى الحل، فمصالح الإدارات المحلية تقوم بتسويتها حاليا، وأضاف أن مشكل تغيير أسماء البلديات على وثائقهم، مرجعه إلى قيام مصالح مسح الأراضي إلى تقسيم الأراضي إلى قسمين موزعين بين البلديتين، وأضاف أن عملية التطهير لا تزال مستمرة نظرا لتطلبها وقتا كافيا في الميدان وفي الوثائق. ونفى المسؤول الأول على قطاع الفلاحة بالولاية ما وصفها بالمغالطات، كإنجاز الآبار للمستثمرين الكبار في منطقة قاسي الطويل من ميزانية الدولة، منوّها أن مصالح الولاية قامت بإيصال الكهرباء الفلاحية وإنجاز المسالك الفلاحية فقط، وأضاف أن مصالحه قامت بما عليها تجاه فلاحي الطيبات إلا أن كثيرا منهم لم يقوموا باستصلاح أراضيهم، ما جعلها عرضة لغزو الرمال رغم حرص الدولة على تدعيم الفلاحين الشباب وتشجيعهم، مؤكدا في ذات السياق حرصه على توزيع الأراضي بعد انتهاء عملية التطهير على الشباب الراغب في امتهان الفلاحة.