سيكتب التاريخ، ويتناقل شهود الحقّ، أن المؤسسة العسكرية، التزمت الوعد ووفت بالعهد، فرافقت الحراك الشعبي، وحمت المتظاهرين في مسيراتهم طوال 10 أشهر، ولم “تستحوذ” على السلطة، رغم الفراغ، والتزمت بالدستور وقوانين الجمهورية، وحافظت على مؤسسات الدولة، ومنعت سقوط قطرة دم واحدة، أنجحت الانتخابات، وأسقطت “مسلّمة” صناعة الرؤساء، فلم يكن لها أيّ مرشح، ورحبت بما يختاره الشعب من خلال الصندوق قبل أن يقول كلمته. هذا هو الجيش الوطني الشعبي، سليل جيش التحرير الوطني، لا يقف إلاّ مع شعبه “ظالما أو مظلوما”، فكانت الأشهر الماضية، مرآة حقيقية لشعار “الجيش.. الشعب.. خاوة خاوة”، وقد أثبتت هذه التجربة التي ستدوّنها كتب التاريخ والمذكرات، إن آجلا أم عاجلا، بأن الجيش فوّت الفرصة مع “فخامة الشعب” على عصابة وشرذمة وأذناب وأعداء، كانوا يخططون لجرّ البلاد إلى مستنقع الفوضى والخراب، والعياذ بالله، لكنهم مكروا والله خير الماكرين! لقد ظلت مؤسسة الجيش، واقفة في وجه المؤامرات والمخططات الدنيئة، وضد محاولات يائسة بائسة كانت ترمي إلى “تدويل القضية”، لكن في نهاية المطاف، انتصرت الجزائر، بفضل انسجام شعبها وجيشها، وتناغم أهدافهما ورؤيتهما للحل، فكانت الانتخابات حتما مقضيا، رغم “العراقيل” وعمليات التشويش التي سعى إليها “خلاطون” من أجل ضرب الأمل! الجيش على لسان نائب وزير الدفاع، قائد الأركان، الفريق أحمد قايد صالح، حسم وجزم منذ البداية وبالفمّ المليان قالها إنه ملتزم بحماية واحترام الإرادة الشعبية، وهاهو هذا الوعد يتحقق يوم 12 ديسمبر، ويخرج الرئيس المنتخب من الصندوق، وليس من “المخابر” مثلما تحوّل إلى تقليد خلال المراحل السابقة، وهذا إنجاز يُحسب لفائدة قيادة الجيش التي رفضت رفضا قاطعا الخروج عن الدستور ومهامها المحدّدة فيه. ولأن جماعة “الكوطة” وتقسيم المناصب والحقائب والمكاسب تحت الطاولة، وبعيدا عن الصندوق وإرادة الأغلبية، شعرت بهذا التحوّل منذ البداية، فقد جهرت مبكرا بعدائها لخيار الجيش، ووقف في خرجة عجيبة ضد احترام الدستور، ورفضت الانتخابات كطريقة لاختيار ممثلي الشعب، لأنها كانت تدرك بأنها لا تمثل إلاّ نفسها، وبأن أجلها قد اقترب! لقد خرست ألسن العدميين والمشككين في كلّ شيء، وبدأ جزء من “المتشدّدين” في مراجعة مواقفهم وأفكارهم، بعدما سار قطار الرئاسيات ولم يتوقف، ووصل إلى محطته الأخيرة، وانتخب ملايين الجزائريين رئيسهم، في سياق الشروع في بناء “الجزائر الجديدة”، وتحضيرا للاستجابة إلى ما تبقى من مطالب الحراك، بعدما تحقق الجزء الأكبر منها، بفضل إصرار الشعب، وبفضل مرافقة الجيش لمسار التغيير السلمي الذي دوّخ العالم وجعل أرقى الدول تستنبط العبرة والفكرة من ابتكارات لا تحدث إلاّ في الجزائر!