إمهال الرئيس تبون، الولاة ورؤساء الدوائر والأميار والمنتخبين والمسؤولين المحليين، ومعهم طبعا الوزراء، سنة لتجسيد التغيير، مع بداية ظهور النتائج الأولى خلال ثلاثة أو أربعة أشهر، هو منطق الاستشراف والتسيير الذي لا يعتمد على ضرب خط الرمل و"الزمياطي"، ولكن بالإحصاءات الدقيقة والمعلومات المستنبطة من الواقع المعيش! لا يختلف اثنان، ولا تتناطح عنزتان ولا "عتروسان"، حول الوقت الذي ضيعته الجزائر خلال العشرين سنة الماضية، فقد ظلت البلاد رهينة "كل عطلة فيها خير" و"الشغل المليح أيطوّل"، ولذلك بقي الإقلاع الاقتصادي معلقا من عرقوبه، وظل الوضع الاجتماعي مزريا ومليئا بالمآسي والفضائح، إلى أن بلغ السيل الزبى، وهو الذي دفع الرئيس إلى اختزال الواقع بالقول، إن جزائريين مازالوا يعيشون قبل 1962! انعدام الآجال في كلّ شيء، هو الذي عطّل المشاريع ووأد التنمية حية ترزق في مقبرة الارتجالية والفساد، وأجّل تطبيق القوانين، وأخّر تقدّم البرامج في السكن والتنمية المحلية والأشغال العمومية والصحة والبنية التحتية والنقل والتربية والتجارة والفلاحة، وغيرها من القطاعات الحيوية والحسّاسة، لتطوّر أيّ بلد، وعدم احترام الآجال هو الذي سمّن أيضا المفسدين والمرتشين! تتفيه الآجال هو الذي فرض الاستيراد كبديل مقنّع ومقنّن من طرف "العصابة" ورجال المال والأعمال والمستثمرين والمستوردين الذين كانوا يسبّحون بحمد الحاشية وبطانة السوء، وهو كذلك الذي قتل ثقة الشركاء الأجانب في اقتصادنا المبني حصريا وفقط على ضرع "البقرة الحلوب" التي أصبحت تدرّ دما ودموعا بدل غاز ونفط! لقد عمّت عقلية "ولّي غدوا"، أو "ولّي مور الكونجي"، أو "ولّي مور الفوط"، أو "ولّي كاش أنهار"، الأمر الذي قتل قيمة الوقت عند الجزائريين بسبب استهتار المسؤولين وتلاعبهم وعدم احترامهم للآجال الزمنية، والأخطر من ذلك، أن الوالي والمير ورئيس الدائرة والمدير، اتفقوا على كلمة سرّ واحدة موحدة مفادها "ما وصلنا والو"، وهذا للتهرّب من مسؤولياتهم وعدم تحمل أعباء المنصب، والاستمرار في "مرمدة" المواطنين عبر مناطق الظل والشمس معا! مهلة ال12 شهرا، التي منحها رئيس الجمهورية للحكومة والسلطات المحلية، من أجل تغيير الواقع المرّ للمواطنين المعذبين في بقاع الجزائر العميقة، قد تكون غير كافية في نظر الفاشلين والعاجزين والمستهترين والمتقاعسين والمتكاسلين والمتهرّبين والمتلاعبين، لكنها كافية بالنسبة للراغبين في العمل وبذل الجهد والمشاركة في التغيير، وطبعا من اجتهد وأصاب فله أجران، ومن اجتهد وأخطأ فله أجر والله لا يضيع أجر المحسنين والمجتهدين!