نفى الوزير الأسبق لقطاع الشؤون الدينية في بلادنا ورئيس المجلس الإسلامي، أن يكون رفضه تأسيس نقابة للأئمة من باب الانتقاص من قيمتهم، مشيرا إلى أنه مع نقابة الأشراف التي تقوم على إرشاد المجتمع وتكوين الأئمة المبتدئين. وفتح غلام الله في حوار مع "الشروق"على هامش فعاليات الملتقى الدولي العالم محمد العربي التباني الذي احتضنته ولاية برج بوعريريج النار على أعضاء نقابة الأئمة الذين قال عنهم إن غالبيتهم لا يؤدون واجباتهم في مساجدهم، مؤكدا أنه من حق الإمام أن يعيش حياة البذخ ولكن ليس من أموال الإمامة، كما تحدث لنا غلام الله عن رأيه في ضرورة إصلاح المنظومة التربوية وأمور أخرى بخصوص الدولة والفرد. نبدأ من التصريحات التي أطلقتموها قبل أيام بخصوص إضراب الأئمة، لماذا تعتبرونه غير شرعي فهم موظفون كباقي الموظفين في الدولة ومن حقهم تحسين مستوى معيشتهم، ثم سابقا كنتم تؤيدون فكرة إنشائهم لنقابة واليوم ترفضون ذلك، ما الذي تغيّر؟ من حق الأئمة إنشاء نقابة، ولكن بشرط أن تكون نقابة لترشيد الإمامة كنقابة الأشراف التي توجد في الجزائر منذ القديم، تتمحور مهمتها حول ترشيد المجتمع وتوجيه الناس، يجب أن تضم هذه النقابة خيرة الأئمة الذين يؤدون واجباتهم في مساجدهم ويعلمون الناس القرآن ويجتمعون من وقت لآخر بالأئمة المبتدئين لغرض توجيههم ويشرفون على التكوين المستمر للأئمة لترقية الإمامة…إذا كان تأسيس نقابة بهذا الشكل فأنا أبارك ذلك، أما تأسيس نقابة على غرار نقابة العمال الذين يدافعون عن حقوقهم ورفع الأجور، ولكن مقابل ذلك على الدولة ووزارة الشؤون الدينية أن تعمل على تحسين ظروف الأئمة حتى لا يمد الإمام يده للناس بالإضافة إلى توفير الإقامة، أحب أن أوضح أن المسألة هي مسألة أخلاقية، من حقهم الزواج بثانية وكسب السيارات والفيلات ولكن ليس عن طريق الإمامة، لا ينبغي أن يتصرف الإمام مثل العامل البسيط، لأن الإمام هو الذي يقوم بإرشاد هذا العامل ولكن من يقوم بإرشاد الإمام؟. هدّد الأئمة بمقاطعة الصلوات الخمس ما تعليقكم؟ الأمر لم يقتصر على التهديد، فأعضاء النقابة قاطعوا الصلوات أعرفهم واحدا واحدا، لا أحد يقوم بواجباته في مسجده، يطالبون فقط بالحقوق على غرار النقابي الذي لا يعمل، وهذا لا يليق بالإمام، فالإمام أشرف من هذا، فأنا لا أنتقص من قيمة الإمام ولكن أجعل مكانته أعلى وأرفع. وعدتم عندما كنتم وزيرا للشؤون الدينية بإعادة النظر في القانون الأساسي للإمام، ولكن الأمر بقي حبرا على ورق، رغم تعاقب عديد الوزراء على وزارة الشؤون الدينية بعدكم، ما سبب ذلك؟ أصحح لك أولا، ففي سنة 2008 وضعنا قانونا أساسيا جديدا للإمام حسب الشهادات المتحصل عليها والأئمة اليوم يطالبون بمراجعة هذا القانون ومن حقهم ذلك. بعض المحسوبين على التيار السلفي أعلنوا استعدادهم لاعتلاء المنابر مجانا في حال أضرب الأئمة، ما تعليقكم على ذلك؟ لأن هؤلاء مناضلون – السلفيون- والمناضل لا يحتاج إلى مرتب، فهو يدافع عن رأيه وعقيدته التي يريد أن تتحقق طبعا، ولكن توجه السلفية لا يتماشى مع ثقافة وتدين الجزائريين، لأنه يهدف إلى تشتيت الآراء وتقسيم وتصنيف المجتمع إلى طوائف وشيع، هذا مرفوض في القرآن، فالسلفيون الذين تتحدثين عنهم مرجعيتهم ليست جزائرية. ما موقفك من التيار السلفي المدخلي، وهل تجزم أن مرجعيته من خارج حدود الجزائر؟ نعم، التيار السلفي في الجزائر يستمد مرجعيته من الخارج، وله علاقة بالقوة الاستعمارية المؤثرة في الشرق الأوسط.. هذه مسألة كبيرة وخطيرة.. لذلك نطرح سؤالا: هل تريد أمريكا أن تدخل إلى المساجد الجزائر من خلال المدخلية؟ كنتم وزيرا للشؤون الدينية في النظام السابق، كيف تعاملتم مع تفكيك وحدة التربية الإسلامية من المقرر الدراسي، وهو القرار الذي اتخذه أويحيى؟ أويحيى لم يطبق إلا الإصلاح الذي جاءت به اللجنة، وفي الحقيقة أنا لم أوافق على ذلك الإصلاح وكتبت عنه تقريرا مفصلا ووضعته أمام المسؤولين، ولكن يبدو أنهم لم يقتنعوا به واقتنعوا بالاقتراحات التي قدمتها اللجنة، واليوم تبين أن الإصلاحات التي جاءت بها لجنة بن زاغو لم تكن صالحة لأنها تفتقر إلى وسائل التطبيق، فهي مجرد تفكير نظري. قلتم إن أويحيى لم يطبق إلا ما جاءت به اللجنة، هل تبرئونه من الجريمة التي ارتكبت في حق هذا الجيل؟ أنا لا أبرئه فرئيس الجمهورية في ذلك الوقت هو من أسس اللجنة وكلفها بإصلاح التعليم، ولكن للأسف هذه اللجنة لم تكن تتوفر على الشروط الموضوعية، كان تفكيرها أيديولوجيا أكثر منه تفكير علمي. ماذا تقصد؟ هل تعتقد أن اللجنة كانت تعمل على خدمة تيار ما؟ ليس هذا، ولكن كانوا يرون بأن عصرنة المدرسة تكون بتطبيق التوجهات الموجودة في المدرسة الفرنسية، كانوا يرون المدرسة الفرنسية نموذجا للنظام التعليمي في الجزائر. قيل الكثير في هذا الجانب واتهمت بن غبريت بخدمة أجندة أجنبية لتهديم المدرسة الجزائرية، ما رأيكم؟ بن غبريت كانت تطبق ما جاءت به الإصلاحات فقط. كيف يمكن تجاوز الأزمة التي تعيشها المدرسة الجزائرية اليوم؟ يجب إعادة التفكير في الموضوع، وإعادة النظر في البرامج وفي تكوين المعلمين، وخاصة الشرط الثالث لأنه هو الرقم الأساسي في معادلة التعليم، ولكن للأسف وزارة التربية الوطنية ضيعت في السنوات ال 12 الأخيرة معاهد تكوين المعلمين… كان يوجد 73 معهدا لتكوين المعلمين، فالمعلم الذي يأتي من الجامعة لا يملك تقنية ولا آليات تجسيد البرنامج، ولهذا فأنا أعتقد أن ما تحتاجه المدرسة اليوم بالإضافة إلى تعديل البرامج والمناهج هو إعادة فتح معاهد التكوين. هل ترون في الوزير الأسبق للتربية الوطنية علي بن محمد الرجل المناسب لقيادة الإصلاحات القادمة في المدرسة الجزائرية؟ "سي علي بن محمد" إطار من إطارات المدرسة الجزائرية وهو مطلع وشاهد على إصلاحات 75-76 التي عرفتها المدرسة الأساسية وبالتالي فهو يملك ما يكفي من الخبرة لتولي حقيبة وزارة التربية، وأحب أن أشير إلى أن الموظفين الذين فرضوا للعمل معه عندما كان وزيرا هم الذين أساؤوا إليه وإلى المدرسة وأعتقد أنه الرجل الأنسب لقيادة وزارة التربية إذا كانت توجد نية لإصلاحها. ماهي جهود الدولة والمجلس للحفاظ على المرجعية الدينية للجزائريين في ظل فوضى الفتوى وسيطرة التيار السلفي المدخلي؟ جهود الدولة في هذا المجال قائمة ومستمرة… أعتقد أننا اختلفنا عندما ظهرت بيننا الطوائف في عدة أشكال خاصة في اللباس، إذ تركنا عاداتنا وتقاليدنا الإسلامية، وأريد لنا أن نتخلى عن كل ما هو وطني. هل تعتقد أن الأمر مدروس؟ هذا مقصود ومخطط له وله أبعاد اقتصادية. ما هي؟ أن لا نصنع ما نلبس… والسبب هنا ليس دينيا بل السبب اقتصادي، فالجزائر تحوّلت إلى سوق، مثلا القبعة الشمسية كان يحرمها أجدادنا لأنها لباس المستعمر، أذكر مرة جاءني أستاذ سوري وكنت أدرس في ذلك الوقت وأخبرني أن الجزائريين ينظرون إليه نظرة غريبة لأنه كان يرتدي قبعة شبيهة بقبعة اليهود فقلت له لأنهم يظنون أنك يهودي، ولكن في السنوات الأخيرة انتشرت هذه القبعة في الجزائر وأصبح كبار المسؤولين يرتدونها في الجزائر، وهي قادمة من تركيا وهي التي فرضها مصطفى كمال أتاتورك على الشعب بدل الطربوش لأنه كان يريد أن يجعلهم أوروبيين باللباس. ما هي الحلول التي تقترحونها للخروج من هذه الأزمة؟ الحل يكمن في جدية الإنتاج، لقد تركنا الإنتاج وحتى عندما ننتج لا نجد من يشجع إنتاجنا، كنا نعيب على الفلاحين إهمالهم للإنتاج الفلاحي، ولكن عندما اجتهد الفلاحون لم يجدوا من يسوّق إنتاجهم، الجهاز الاقتصادي في بلادنا هو جهاز استهلاكي وليس جهازا إنتاجيا فنحن نبيع البترول ونشتري كل شيء وهذا لا يفيد ولا يكون وينقص في الانتماء الوطني والحل يكمن في العودة للإنتاج وتثمين الإطار الوطني. كثر الحديث عن استحداث منصب مفتي الجمهورية منذ سنوات من دون أن يتم تعيينه، ما سبب ذلك في اعتقادكم؟ هذه القضية تعود إلى التنظيم المؤسساتي للدولة، توجد هيئات تقوم بهذه المهام وإذا رأت أنه من الضروري استحداث هذا المنصب، فلن تتأخر في ذلك، فمن الجانب الوظيفي الفتوى متكفل بها والحمد لله، عندما كنت وزيرا للشؤون الدينية عملنا على مقاومة طلب الجزائريين للفتوى من الخارج التي تسببت في مشاكل كثيرة بتأسيس إذاعة وقناة القرآن الكريم وحتى هذه القنوات الجديدة غير الرسمية، أعتقد أنها ستتسبب في مشاكل للجزائريين، لأن الإفتاء الذي تبثه يحتاج إلى تنظيم وكنت قد اتصلت بوزير الشؤون الدينية السابق وطلبت منه أن يتصل بهذه القنوات ويوضح لهم أن العلماء والمفتين الذين يوظفونهم في برامجهم يجب أن يكونوا معتمدين من طرف وزارة الشؤون الدينية لأنها المسؤولة عن الفتوى، لا فرق بين المفتي في القناة والإمام فوق المنبر، وأتمنى أن يتم تنظيم هذا الجانب مستقبلا. هل يشكل الأمر تهديدا للمجتمع في اعتقادكم؟ نعم، يوجد تهديد للوحدة الوطنية، والفتوى قد تحدث تشتتا في الأسرة في حين ينبغي أن تعمل الفتوى على لمّ الشمل والموافقة. ستقدم مسودة الدستور الجديد في الأيام القادمة ما هي تطلعاتكم فيما يتعلق بالدستور الجديد في البلاد؟ أعتقد أن التوجيهات الصادرة عن رئيس الجمهورية للجنة المكلفة بصياغة مسودة الدستور الجديد هي توجيهات كافية، وستعطينا دستورا أحسن من الذي نعمل به حاليا إذا طبقت، كما أن هذه اللجنة تتكون من مختصين تتوفر فيهم الكفاءة القادرة على تقديم الأحسن.