استيقظت العاصمة صبيحة الثلاثاء، على مشاهد السيول وانسداد الطرقات بمختلف بلدياتها في أولى أمطار الخريف التي لم تكن بردا وسلاما على عاصمة البلاد رغم التحذيرات الإعلامية المتكررة للمختصين من إمكانية حدوث فيضانات فجائية مع حلول فصل الخريف بسبب التغييرات المناخية التي يشهدها العالم بأسره، من اجل الاستعداد لمثل هذه الكوارث مسبقا بالسير على مخطط وقائي مدروس، غير أن لامبالاة المسؤولين يعيد سيناريو الغرق ويفضح "بريكولاج" المشاريع السابقة، ليبقى السؤال يطرح نفسه: إلى متى نبقى نشاهد مثل هذه المهازل..؟ تسببت الأمطار الغزيرة الخريفية التي تهاطلت ليلة الاثنين إلى الثلاثاء على مستوى العاصمة، إلى إحداث حالة طوارئ حقيقية بعد ما سدت حركة السير عن آخرها بالعديد من الطرقات، خاصة مداخل العاصمة، فيما غمرت المياه العديد من الأنفاق على غرار نفق الرويسو الذي جرف معه سيارتين بعد ما تحول الموقع وصولا إلى وادى كنيس إلى منطقة منكوبة بمعنى الكلمة بعد ما اقتلعت السيول معها حتى زفت الطرقات فيما تم تسجيل حفرة بالقرب من الحامة في انهيار ارضي، أما المحلات التجارية فقد سجل أصحابها خسائر معتبرة بعد ما غمرتها المياه، كما عرف نفق شارع حسيبة بن بوعلي بوسط العاصمة نفس المشاهد بعد ما تحول إلى مسبح سحب معه عددا من السيارات.. بلدية حيدرة سدت مختلف مداخلها بعد تسجيل انهيار جدار لسفارة فرنسا، حيث جند للحادث مختلف الوسائل المادية والبشرية لإصلاح ما يمكن إصلاحه، أما عين النعجة بجسر قسنطينة فقد عرفت العديد من مواقعها ارتفاع منسوب مياه الأمطار المتراكمة ما تسبب في عرقلة حركة السير سواء داخل الأحياء أو على الطريق السريع وهو ما حل كذلك بمنطقة وادى الرمان وحتى درقانة ببرج الكيفان التي عاشت ليلة سوداء بسبب ارتفاع منسوب المياه على الطريق وسدت معها حركة السير، وببني مسوس شهد الطريق القريب من المستشفى انسدادا كليا بعد ما غمرته كميات كبيرة من الأمطار التي تراكمت بشكل واضح بعد ما استحال على أصحاب المركبات اجتيازه مثلها مثل حوش الميهوب ببراقي الذي تحول إلى مسبح حقيقي بعد ما تراكمت المياه بنسبة عالية. أما بدرارية فقد سجل انهيار للتربة بالعديد من طرقات الأحياء مثل ما حل بالقرب من ملعب سيروري شأن أعالي بوزريعة التي صنفت بعض أحيائها بشبه المنكوبة بسبب الانهيارات التي سجلت بحي "روبار"على اثر سقوط جدار وجزء من الرصيف والطريق العام للبلدية ما تسبب عنه سد في حركة السير وهي الصور التي تكررت بالجهة الغربية للعاصمة شأن الشراقة التي شهدت بعض أحيائها تسرب المياه إلى عدد من السكنات، فيما سدت بعض الطرقات التي غمرت بالمياه نتيجة انسداد البالوعات.. كما توقفت حركة السير بالترامواي من "لاقلاسيار" إلى غاية محطة الرويسو بسبب استحالة السير على الخط، خاصة بشارع طرابلس بحسين داي بسبب تراكم كميات كبيرة من المياه بالمنطقة التي تحولت إلى نقطة سوداء منذ سنوات دون أن تجد لها الجهات المعنية الحلول اللازمة لتسريح مياه الأمطار.. ولم تسلم بلدية بن عكنون من الفيضانات هي الأخرى، حيث غمرت مياه الأمطار المركز العائلي ما تسبب في تسجيل خسائر معتبرة في عدد من السيارات، كما عرفت كل من بلدية بئر مراد رايس وبئر خادم تراكم كميات كبيرة من المياه بالعديد من الطرقات بسبب انسداد البالوعات سدت معها حركة السير، حيث لم يتمكن أصحاب السيارات من اجتياز وسط بئر مراد رايس إلا بالفرار من جهات أخرى.. انسداد المجاري والبالوعات ولعل ابرز الأسباب التي يتفق عليها القاصي والداني حول تكرار سيناريو الفيضانات في كل موسم تساقط بالعاصمة، تؤكد كل الآراء أن اللامبالاة وتواصل مشاريع "البريكولاج" بالإضافة إلى عدم المتابعة والصيانة الدورية للبالوعات والمجاري المائية من حيث التنقية وحمل الأتربة والأوساخ، تبقى وصمة عار على جبين المسؤولين الذين يُتهمون وفي كل كارثة مماثلة تحل على عاصمة البلاد بغير المؤهلين لتسيير شؤونها.. الخرجات الميدانية الأخيرة لمؤسسة "اسروت" ورغم أنها مباركة، غير أنها ناقصة، حيث كان ينبغي أن لا تتوقف تدخلاتها في التنظيف وتنقية البالوعات طيلة هذه الفترة وقبلها بكثير على أن تمتد إلى غاية نهاية موسم الشتاء وبشكل دوري يومي حتى نتجنب ولو بشكل نسبي من حدة هذه الكوارث، وتساءل البعض عن حجم الكارثة التي كانت ستحل لولا التدخلات الأخيرة لأعوان هذه المؤسسة.. فإلى جانب مشكل البالوعات، يجب ذكر مشكل غياب الحاويات ونقصها في العديد من الأحياء والمواقع، حيث تعتبر سببا حقيقيا في الرمي العشوائي للنفايات والتي بدورها تنتقل بفعل الرياح والأمطار من موقع رميها إلى المجاري والبالوعات لتتحول إلى سد منيع لولوج مياه الأمطار بها، كما أن الحفر المستمر الذي تعمد إليه بعض المؤسسات لتجديد مختلف شبكاتها أو إيصالها لبعض الأحياء سبب من الأسباب نظرا للتربة التي عادة ما تبقى فوق سطح الطرقات أو الأرصفة بعد سد الحفر، في حين يبقى الرمي العشوائي لمخلفات البناء جانب من الأزمة التي تحل كل تساقط في ظل غياب الردع. والي العاصمة يأمر بالإسراع في إصلاح الأضرار عاين والي العاصمة يوسف شرفة، صبيحة أمس، حجم الخسائر المادية التي سببتها الأمطار الغزيرة الأخيرة، ووقف رفقة وزير الموارد المائية ارزقي براقي والوالي المنتدب لحسين داي وكذا مدير الموارد المائية لولاية الجزائر بالمقاطعة الإدارية لحسين داي للإطلاع على مخلفات الفيضانات والتي سجل بموجبها انهيار أرضي بحي وادى كنيس ببلدية القبة بسبب انفجار الأنبوب الجامع للمياه والبالغ طوله أكثر من مترين، وذلك جراء الضغط العالي للمياه، وأعطى شرفة بالمناسبة، تعليمات على ضرورة الانطلاق الفوري لأشغال الإصلاح وتسريع وتيرتها من طرف شركة "كوسيدار" مع جمع كل مخلفات الانهيار والردوم وقد سخر للغرض كل العتاد والفرق اللازمة لجمع الأتربة والمخلفات من طرف المؤسسات العمومية للولاية ومصالح البلدية حسب ما كشفت عنه ولاية الجزائر. عبد الحميد بوداود رئيس مجمع خبراء المهندسين المعماريين ل"الشروق": نحن لا نحفظ الدروس.. تنقية البالوعات تبدأ في جويلية تأسف رئيس مجمع خبراء المهندسين المعماريين، عبد الحميد بوداود، بخصوص ما خلفته الأمطار الأخيرة التي تهاطلت على العاصمة وعرّت معها مرة أخرى البنية التحتية للمشاريع كالطرقات، مؤكدا في تصريح ل"الشروق"، أن هيئته كانت قد كررت مرارا عبر نداءات متتالية الأخطار المحدقة التي يمكن التي تخلفها مثل هذه الأمطار، لكن لا حياة لمن تنادي، قائلا "نحن لا نحفظ الدروس إطلاقا رغم تكرر نفس السيناريوهات"، موجها أصابع الاتهام للمسؤولين الذين ينقصهم – حسبه – روح المسؤولية والدليل عدم انضباط بعضهم حتى لاستقبال المواطنين أيام الاستقبال. وأشار إلى أنه كان من الواجب اعتماد برنامج لتنقية وتنظيف البالوعات انطلاقا من 15 جويلية من كل سنة مع حمل الأتربة والشوائب التي عادة ما تكون من أكثر الأسباب في انسدادها كلما حل التساقط ، معتبرا التنظيف الدوري واليومي من أكثر الأمور التي تجنب مثل هذه الكوارث، مدللا على كلامه بأمثلة عن بالوعات حي المنظر الجميل بالقبة وقاريدي التي لا تزال مسدودة إلى يومنا بفعل النفايات والأتربة، وختم حديثه بالقول، انه لدينا أحسن القوانين، لكن لا وجود لمسؤولين أكفاء يطبقونها على أكمل وجه.