يواصل عز الدين جرافة شهادته عن الصحوة الإسلامية، وتعامل السلطة معها، ونقص الحنكة السياسية لعلي بن حاج، كما يميط اللثام في حواره ل"الشروق"، عن مساعي عبد الله جاب الله لقطع الطريق أمام عباسي، ساعة تحول الفيس للأمر الواقع بعد أحداث أكتوبر 1988.
كيف أتم الأمن العسكري تحقيقه معك في قضية بويعلي؟ ظهرت نتيجة التحقيقات، وتم التأكد من براءتي وبراءة جاب الله وحشاني من تهمة السلاح، بعدها جاءني ضابط سام إلى السجن، قبيل إطلاق سراحي، فاعتذر بلباقة ثم بشرني بالنتيجة، وقال لي: "على كل حال فإن دخولك السجن قد حماك من أياد قد كانت ستبطش بك بلا رحمة لكن الله هو الذي حماك..".
وماذا عن جاب الله وحشاني؟ جاب الله وحشاني أخذهما الأمن إلى ورڤلة، وبقيا على ذمة التحقيق لدى الأمن العسكري، لمدة أربعة أشهر ثم أفرج عنهما دون محاكمة.. أما حشاني رحمه الله، فقد عذب عذابا شديدا لأنه أول مرة يتعرض لعملية استنطاق، وكأنه أحس بها، فقال لي قبلها: "احك لي عن الاستنطاق والتعذيب، فكأنني أحس بأنني سأعتقل". وقد أخبرني حينما زارني بعد خروجي من السجن قائلا لي: "حسبتك في تعداد الأموات لأنهم جاؤوني بكفن لإنسان ميت وقالوا لي: هذا هو مصير سي عز الدين الذي خشن رأسه، فكان مصيره ما ترى، فعليك بالاعتراف بكل شيء".. لكن حشاني رحمه الله لم يتكلم بكلمة واحدة، لا حول التنظيم ولا حول الجماعة التي كانوا يبحثون عنها.
هل بامكانكم وصف السجن من الداخل؟ هو سجن لا يتوافق مع أبسط المعايير العالمية، حيث يتواجد بالغرفة الواحدة 80 سجينا، وقد يصل أحيانا إلى 120 سجين، بها مرحاض واحد ويستعمل كحمام.. أما الأكل فلا يشتمل على أبسط مقومات الغذاء، أغلب المساجين لا يأكلونه.. إضافة إلى نقص العرض على الأطباء.. وزيارات العائلات تتم تحت وابل من المطر شتاء ولهيب حر الشمس صيفا.. ولم يبق على مستوى الممارسة من عنوان مؤسسة إعادة التربية إلا الاسم.. وجل من يدخل السجن تدمر حياته ومستقبله، ولا يخرج منه إلا صعلوكا أو منحرفا سلوكيا أو مريضا نفسيا..
كيف تفسرون بروز الصحوة الإسلامية؟ وانفتاح السلطة على ذلك؟ لم يكن بروز الصحوة الإسلامية مفاجئا للجماعة، لأنها جزء من أدوات الظهور رغم التضييق الذي فرض عليها.. لكنه ينبغي أن نعترف بأن موقف رئيس الجمهورية، الشاذلي بن جديد، ساهم، في منتصف الثمانينات، في الانفتاح بشكل ملحوظ على تلك النشاطات الإسلامية، وسهل دخول مشايخ وعلماء إلى الجزائر من أجل إلقاء دروس وخطب وحضور مؤتمرات، على غرار إحضار العلامة الشيخ محمد الغزالي رحمه الله للجزائر كمدرس في جامعة الأمير عبد القادر الإسلامية بقسنطينة، وقد فتح المجال الإعلامي، بما في ذلك التلفزة.
هل تعتقدون أن الرئيس الشاذلي كان يؤمن بذلك؟ أم هناك نيات مسبقة؟ ليس من أخلاقنا أن نحكم على نيات الآخرين، سواء في السلطة أو في غيرها، لكننا نحكم على الظاهر، فالظاهر أن الساحة الوطنية عرفت تسهيلات غير مسبوقة، رغم أن تلك النشاطات كان أغلبها غير خاضع للنصوص القانونية لتلك الفترة، أما عن سؤالك عما إذا كان الرئيس فعل ذلك قناعة منه أو لأسباب وتوازنات داخلية؟ فإن هذا يبقى من باب التحليل، وأنا شخصيا أميل إليه، لأن الجزائر كانت في تلك الفترة تعرف خلافات حادة بين المسؤولين على المستوى المركزي، وخاصة بين تيارين يملكان رؤية مختلفة حول الجانب الاقتصادي والاجتماعي، إضافة إلى تموقع هذا الطرف أو ذاك في أجهزة الدولة.. وقد كادت تلك الخلافات الداخلية أن تفجر الأوضاع عدة مرات، لكنها تأجلت إلى غاية أحداث 5 من أكتوبر سنة 1988، ومهما كان من أمر، فإن ذلك يحسب لصالح الرئيس المرحوم بن جديد.
يقال إن التيار الشيوعي سيطر على دوائر السلطة آنذاك؟ نعم، لقد كان من الواضح أن التيار الشيوعي تراجع بشكل ملحوظ منذ مجيء الشاذلي بن جديد، وبروز الصحوة التي بلغت ذروتها سنتي 1985 و1986، لكن هذا التيار بلا شك بقيت رجالاته مندسة في القطاعات الحيوية، وفي المواقع الاستراتيجية للدولة ولو بصفتهم كأفراد.
هل فاجأ حجم الصحوة السلطة؟ نعم لقد فاجأت الصحوة السلطة بكاملها، بما في ذلك أجهزة الأمن والمخابرات بمختلف ألويتها، وقد صرح بعضهم بذلك في عدة مناسبات وفي عدة لقاءات، وقد وقع يومها خلاف داخل السلطة حول كيفية التعامل مع هذه الصحوة، لكننا لم نعلم تفاصيله. حجم الصحوة الإسلامية فاجأ السلطة وصدم الشيوعيين
ما أبرز الجماعات الناشطة آنذاك؟ وهل كانت الجزارة موجودة في الشرق؟ بالإضافة إلى جماعة الشرق، كان لجماعة الجزأرة (البناء الحضاري) وجود في جامعة قسنطينة سنة 1973 كنواة فرعية للنواة التي أوجدها المفكر مالك بن نبي، رحمه الله، في مسجد الجامعة المركزية بالعاصمة في 2 أكتوبر 1969، ثم توسعت نحو جامعة عنابة، كان نشاطهم يركز بشكل ملحوظ على الطلبة ومرافقتهم في دراستهم الجامعية، ويساهمون في إرسال بعضهم إلى الخارج لما بعد التدرج، وأصدرت تلك النواة الأولى أول مجلة إسلامية حرة "ماذا أعرف عن الإسلام" باللغة الفرنسية - العربية كانت آنذاك غريبة في دارها - وأغلب قادتها دكاترة وأساتذة جامعيون، على رأسهم الدكتور تيجاني المعروف ببوجلخة، والشيخ محمد السعيد رحمه الله، وفي الشرق الشيخ الطيب برغوت، والدكاترة عمار طسطاس، وبوراوي وسعيد مولاي، بن شيكو، تعرفت على بعضهم عن قرب بعد أحداث أكتوبر1988، وخلال التحضير لرابطة الدعوة الإسلامية. وساهمت جماعة الجزأرة قبل التحاقها بالفيس سنة1991 مع بقية الجماعات في إسقاط القناع عن أولئك المتطرفين الشيوعيين. كما انتقل نشاط جماعة الإخوان فرع التنظيم الدولي في الجزائر برئاسة الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله والشيخ بوسليماني رحمه الله والشيخ سعيد مورسي وبوجمعة عياد إلى الشرق، منتصف الثمانينات، بعدما كان نشاطها مركزا في الوسط والجنوب وفي الغرب. ونهاية الثمانيات، وبسبب خلافات بين تلك الجماعات السالفة الذكر حول الزعامات، برزت مجموعة من الدعاة أطلق عليهم فيما بعد تسمية جماعة الحياد.
من هم ممثلو مجموعة الحياد؟ ليس لديهم ممثل رسمي، ولا هيكل تنظيمي لا وطني ولا محلي.. فهم مجموعة من الدعاة أساءهم الوضع الداخلي للجماعات وممارسات بعض قياداتها، فكانت الفكرة الوحيدة التي تجمعهم هي رفضهم لذلك الواقع، رغم أن بعضهم كان موجودا في هذه الجماعة أو تلك، لكنه انعزل عنها وفضل البقاء على الحياد.
من هم البارزين في تلك المجموعة؟ على سبيل المثال الشيخ أحمد بوساق الذي أصبح اليوم عالما من أعلام الفقه الجنائي الإسلامي وباحثا، ومدرسا بجامعة الرياض بالمملكة العربية السعودية، والأستاذ عبد المقتدر، وهو الداعية المعروف لدى العاصميين بدروسه المسجدية المتميزة والمعتدلة، قبل أن يكون عضوا مؤسسا في رابطة الدعوة الإسلامية.
كيف كانت علاقاتكم مع بقية الجماعات؟ كانت هناك محاولة للاتصال بالجزأرة، ولم نجد يومها بيننا انسجاما فكريا ولا نفسيا، وقد كانوا يعيبون على الجماعة الارتباط بالإخوان المسلمين في مصر، ولم نكن ندرك جيدا سر ذلك، لأنه لم يكن مطروحا لدينا، وكنا نرى في المدرسة الإخوانية نموذجا للتفكير المعتدل وليس الارتباط التنظيمي.. والحقيقة أنهم كانوا يرون أن الجماعة كلها شباب، وجاب الله نفسه كان صغير السن وقليل التجربة مقارنة بقيادتهم التي كان يرأسها الدكتور بوجلخة. ولم تكن جماعة الشرق قد أعلنت عن رئيسها ولا عن اسمها إلى غاية 1985، ولذلك لما جاء فرع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين برئاسة الشيخ محفوظ نحناح إلى الشرق، نهاية 1985، وجدوا كل شيء إخوانيا من حيث العمل والمنهج، وحتى السلفية لم يكن وجودهم ملفتا للنظر على غرار العاصمة، ولا وجود للتكفير والهجرة نهائيا.. فلما أراد أنصار الشيخ محفوظ رحمه الله التأسيس لجماعتهم في الشرق الجزائري، قالوا: "إن كنتم إخوانا، فنحن إخوان والشيخ محفوظ منتمٍ إلى الإخوان منذ 1969، ولديه بيعة رسمية واعتراف من الإخوان"، وهو ما دفع نحو فتح نقاش دون نتيجة، فاضطرت الجماعة حينها إلى تخريج جديد، فقالت: "نحن مع عالمية التصور والأفكار وجزائرية التنظيم والتخطيط والتنفيذ". لم يثمر مثل ذلك النقاش في المرحلة الأولى، فاستمر من نهاية 1985 وإلى غاية 1987، ولجأ أنصار الشيخ نحناح للاتصال بالإطارات من الدرجة الثانية والثالثة من جماعتنا، خاصة على مستوى الجامعات، مستعينين بأشرطة البيعة التي توضح تزكية الشيخ محفوظ من قبل قيادات إخوانية.. مع قولهم: "إن لم تأتوا معنا فلستهم إخوانا مهما كانت أفكاركم"، وبهذه الطريقة استطاعوا الدخول إلى الشرق الجزائري، رغم أنهم لم يكن لديهم فرد في الشرق.
أين كنتم حين وقعت أحداث الخامس من أكتوبر 88؟ كجماعة لم تكن تلك الأحداث متوقعة عندنا، ولم نكن نملك تصورا واضحا لكيفية التعامل معها، وقد كانت الجماعة - على مستوى الاستشراف المستقبلي - ترى أن موضوع التحول في الجزائر ما يزال بعيدا.. ولذلك كل تصرفات القيادة، ممثلة في عبد الله جاب الله والمقربين منه، كانت باجتهادات فردية.. وتم الاتصال بي من طرف جاب الله، وكنت يومها في جيجل، فسافرنا على الفور إلى العاصمة في محاولة لجمع المعلومات بشأن تلك الانتفاضة، التي كان يبدو في ظاهرها أنها عفوية، لكنها خرجت عن كل سيطرة، واتجهت نحو التحطيم والتكسير، ثم تلتها مسيرات قادها عدد معتبر من أبناء الصحوة ورواد المساجد، وبعض رموز التيار السلفي يومها، في غياب واضح لرموز الجماعات الثلاث.. وقد قمنا بأول اتصال مع الشيخ أحمد سحنون رحمه الله.. تبادلنا معه الحديث حول الموضوع والمعلومات والمعطيات وما يجب فعله من أجل التخفيف من آثار ذلك على الجزائر والمشروع الإسلامي، وقد كان رأيه مع ضرورة التهدئة وعدم الانسياق وراء المجهول.. ثم اتصلنا بالشيخ بوسليماني رحمه الله، وحاولنا الاتصال بالشيخ علي بن حاج لكننا لم نتمكن، وكذلك بالنسبة للهاشمي سحنوني لم نتمكن من لقائه أيضا. فشلت اتصالاتنا مع بن حاج وسحنوني ومحمد السعيد عقب اندلاع أحداث أكتوبر 88
وكيف كان التفاعل والتحرك الميداني؟ اتصلتُ شخصيا بالدكتور هدام من جماعة الجزأرة، فتحفظ في أول الأمر، لكنه قال لي بعد ذلك: "لحد الآن ليس لدينا في الجماعة موقف واضح"، ومع ذلك اتفقنا على ضرورة التحرك لفعل شيء ما، كما وصلتنا معلومات غير رسمية أن هناك خلافات حادة على مستوى قيادة الأفلان، وحتى على مستوى اللجنة المركزية للحزب. وقد أصدر الشيخ أحمد سحنون رسالة بعث بها عن طريق الشيخ محمد السعيد رحمه الله إلى المسيرات - التي كانت قد انطلقت في نهاية الأسبوع ويتقدمها مجموعة من الشباب السلفي في العاصمة - يدعو فيها للتهدئة وعدم الانسياق وراء المجهول، ثم عدنا إلى الشرق لتدارس الموضوع، لكن بعدها، ألقى رئيس الجمهورية خطابا وأعلن جملة من الإجراءات من بينها تعديل الدستور. وقد أدخل خطاب الرئيس الشاذلي معطيات جديدة، وكان لابد على الجماعة من إعطاء رأيها حول التعديل الدستوري، وفعلا تم إصدار رسالة وقعت باسم عبد الله جاب الله - لأن الجماعة لم يكن معترف بها رسميا - وجهت إلى رئيس الجمهورية، تضمنت التعديلات الدستورية المنتظرة.
كيف تفاعلت رئاسة الجمهورية مع الرسالة؟ الرئاسة لم ترد على الرسالة لا سلبا ولا إيجابا، وأصدرت بعد فترة التعديلَ الدستوري، وأقر الاعتراف بجمعيات ذات طابع سياسي، ورغم ذلك بقيت الساحة السياسية في غليان خاصة في صفوف الإسلاميين، رغم الهدوء النسبي في الاحتجاجات الشعبية في الشوارع.
بمجرد إقرار التعددية الحزبية سارع قياديو الفيس لإعلان تأسيس الجبهة، في وقت كنتم الأجدر بحكم هيكلتكم التنظيمية؟ ما قولكم في ذلك؟ هناك حقيقة ينبغي أن توضح، وهو أن الجماعات الإسلامية الثلاث التي كانت تنشط بصفة منظمة (جماعة الشرق والإخوان والجزأرة)، لم تكن لديهم ثقة في السلطة، وبأن التحول الحاصل من الأحادية إلى التعددية هو فعلا تحول طبيعي، كما لم تكن الجماعات مهيأة عمليا لتأسيس حزب، فجماعة الشرق تراه مازال بعيدا، أما الأفراد الذين سارعوا لفكرة تأسيس جبهة الإنقاذ، أغلبهم من السلفيين الذين لم يكونوا يؤمنون بالتنظيم، أو أفراد مستقلون أو جهاديون، أو بعض الأفراد ربما كانوا قد يئسوا من العمل السري، أرادوا أن يخوضوا تجربة العمل العلني تحت مظلة حزب أو جمعية سياسية.
هل غموض الانتفاضة وعدم الثقة في النظام دفعاكم للدعوة إلى التريث دون إنشاء حزب إسلامي؟ فكرة التريث هي العامل المشترك عند قادة ورؤساء الجماعات الثلاث، بالإضافة إلى الشيخ سحنون رحمه الله، وربما كانت هذه القناعة مردها أولا: الخوف من إمكانية الاختراق على المستوى الهرمي للحزب الجديد. وثانيا: عدم الثقة في النظام بأنه سيسمح باعتماد حزب إسلامي آنذاك. وفي ظل هذه الهواجس والمخاوف، عقدنا أول جلسة مع الشيخ سحنون رحمه الله، فوجدناه يقاسمنا أغلب هذه الهواجس وضرورة توسيع المشورة، وعدم الانفراد بالقرار، بعدها اتصلنا بالشيخ بوسليماني رحمه الله، وعقدنا معه جلستين قصيرتين، وكان رأيه من رأي الشيخ سحنون، فاتفقنا معه كجماعة على ضرورة التنسيق المعمق بين الجماعتين لحماية المشروع الإسلامي. أما الجلسة الثالثة فكانت مع الشيخ محمد السعيد (الجزأرة)، ورغم التحفظ الذي كان باديا عليه في بداية الجلسة، إلا أنه أعرب عن جملة من المخاوف تلتقي في معظمها مع ما طرحناه سابقا. كما جمعنا لقاء آخر مع الداعية كرار من وهران (فكره إخواني)، كان مستمعا أكثر مما يتكلم، ويظهر عليه التوافق مع طرحنا. وبعدها عقدنا جلسة مطولة مع الشيخ الهاشمي سحنوني، وكان مرتاحا لكلام جاب الله، وحريصا على أن تكون جماعة الشرق ضمن هذا المولود الجديد، وقال لجاب الله مازحا: "إذا كنت تريد رئاسة هذه الجبهة فنحن مستعدون للمساعدة في ذلك"، وكان بعدها اللقاء مع الشيخ علي بن حاج، وهو الذي كانت له مع جماعة الشرق لقاءات متعددة ابتداء من سنة 1987، وقال لي بحضور الدكتور عبد المجيد مصباحي: "اكتشفت أنه تنقصي معلومات كثيرة في الجانب السياسي، وأنني مستعد على التعاون معكم في هذا الخصوص"، وقال مبتسما: "أنا مستعد للدخول معكم في الجماعة"، لكننا لمسنا منه في هذا الموضوع بالذات (أي الفيس) أنه كان متسرعا أكثر من اللزوم، ولم يكن يعير اهتماما لا للرئاسة ولا للبرنامج، وكان همه إعلان تأسيس الحزب فقط.
هل حرص جاب الله كان لحماية المشروع الإسلامي أم خوفا من تزعم عباسي؟ للأسف، كان الهاجس الأكبر لدى الشيخ جاب الله هو من يرأس هذه الجبهة، لأنه كان يرى أو يغلب على ظنه أن الشيخ عباسي مدني هو الأوفر حظا بناءً على تلك الجلسة، وقد صرح جاب الله، في الجلسات المشار إليها، مع الشيخ الهامشي سحنوني وكرار والشيخ زبدة، على ضرورة إبعاد عباسي عن رئاسة هذه الجبهة، ولم أكن حينها موافقا على ذلك الكلام، وبذلك الأسلوب المكشوف، لكنني التزمت الصمت إلى غاية انفرادنا لوحدنا في السيارة، وحينها قلت لجاب الله: "إنني أخشى أن يوظف مثل ذلك الكلام ضد الجماعة"، فابتسم وقال لي: "أنا أعرف هؤلاء إن لهم نفس نظرتنا تجاه عباسي، أو أشدّ".
يبدو أن جاب الله انحاز لفكرة التزعم ونسي حماية المشروع؟ ينبغي أن نؤكد هنا بأن جاب الله لم يكن لديه قرار من الجماعة في تلك الأيام بالدخول في مشروع الجبهة، وكل ما كُلف به هو جمع المعلومات والمعطيات والتنسيق مع الجماعات الأخرى، ولأن هواجس الجماعة ومخاوفها أكبر من مسألة الزعامة، فقد انحازت فيما بعد إلى مشروع رابطة الدعوة الإسلامية، الذي كان ينسجم مع طرحها. يتبع.. adjadj42@yahoo.fr