يروي الوناس حمريط، صفحات مشرقة من نضالات اتحاد الطلبة المسلمين الجزائريين في العراق، فهو أحد مؤسسي الاتحاد، وكان مسؤولا عن الشؤون الثقافية والاجتماعية، ويقوم بحكم هذه الوظيفة بتوزيع المساعدات التي كان يجمعها بلعيد عبد السلام، على مستحقّيها من الطلبة، إضافة إلى ذلك كان يقوم أيضا بكتابة التقارير على الآلة الراقنة وقوائم المترشحين للبعثات لدى أحمد توفيق المدني، وزير التربية في ذلك الوقت. كما ينفض الوناس غبار السنين عن الذكريات البعيدة التي جمعتهم كبعثة طلبة الجزائر في العراق، بالمجاهدة الرمز جميلة بوحيرد، غداة وقف إطلاق النار، وكيف تمّ استقبالها من طرف العراقيين. . النشأة الأولى وجمعية العلماء المسلمين لم تمنع ولادة الوناس حمريط سنة 1928، بعرش البراكتية في ولاية المسيلة، في عائلة بسيطة من مواصلة تعليمه في معهد ابن باديس بقسنطينة، أين قضى 4 سنوات في تلقي شتى العلوم على أيدي نخبة من مشايخ الجمعية على غرار الشيخ البشير الإبراهيمي، العربي التبسي، محمد العدوي، عبد الرحمن شيبان ، محمد الميلي، محمد خير الدين وغيرهم. ومما يذكره الوناس عن العربي التبسي سيد العلماء والشهداء، كما يحب أن يسمّيه، أنه "زاده الله بسطة في العلم والجسم، يعلوه الوقار، ويُخيّل إليّ أنه من رجالات الخلفاء الراشدين، حتى أنّ المارة من مسلمين، مسيحيين ويهود يتوقفون للنظر إليه وتحيته". بعد الانتهاء من المرحلة الأولى من التعليم ابتعثته جمعية العلماء إلى الزيتونة، لنيل شهادة الأهلية ومواصلة الدراسة للتطويع، فكان أن حضر عدة محاضرات علمية ألقاها أعمدة الفكر والأدب في ذلك الوقت، أمثال الفاضل بن عاشور، طه حسين وأحمد الشرباصي وغيرهم، وفي تونس كانت تنشط جمعية الطلبة التابعة لحزب الشعب يرأسها عبد الحميد مهري، إلى جانب جمعية البعثة التابعة لجمعية العلماء المسلمين برئاسة عثمان سعدي، وكانت الجمعيتان تعملان من أجل هدف واحد هو خدمة الجزائر، في أواخر جانفي 1956 وجهت جبهة التحرير الوطني نداء للطلبة من أجل التوقف عن الدراسة والالتحاق بالثورة، ولقي هذا النداء استجابة واسعة، ثم سعت الجبهة إلى توحيد صفوف الطلبة الجزائريين، ومن ثمّ تكوّن اتحاد الطلبة الجزائريين المسلمين في 19 ماي 1956 بتونس برئاسة عبد الرحمان شريط. . توزيع بعثات الطلبة في القاهرة يروي الوناس حمريط، أنّ أولى بعثات الطلبة الجزائريين إلى المشرق العربي كانت باتجاه مصر، عبر الصحراء الليبية، وفي القاهرة تم توزيع الطلبة على البلدان العربية "من حسن حظي أنني كنت ضمن بعثة العراق التي ضمت 1211 طالب بين عسكري ومدني، ومن صفوف هذه البعثة أذكر الحفناوي بن سعدي، إبراهيم جوادي، محمد شريف قاهر، محمد شريف خروبي، عمر برناوي وغيرهم، وقد عشنا في بحبوحة من الامتيازات، وفي بغداد كوّنا فرع اتحاد الطلبة الجزائريين، وقد نظمنا العديد من الرحلات إلى السليمانية، أربيل، كركوك، النجف الأشرف، وكان العراقيون كرماء معنا إلى أقصى حدود الكرم". . يوم رفع العراقيون بوحيرد على الأعناق كان يوما مشهودا ذلك اليوم الذي زارت فيه البطلة جميلة بوحيرد، رفقة زهرة ظريف بيطاط بعد توقيف القتال مباشرة سنة 1962، ومن شدة ما كان العراقيون معجبين بشخصية البطلة جميلة بوحيرد، رفعوها على الأعناق وخصّصوا لها استقبال الأبطال "كنت يومها مسؤولا عن اتحاد الطلبة المسلمين في بغداد، استقبلناها في المطار ورافقناها إلى أكبر فندق هي وزهرة ظريف. لقد كان العراقيون يستقبلون القادة الجزائريين استقبالا حافلا حظي به أحمد بن بلة، كريم بلقاسم، عبد الحفيظ بوصوف، محمد خيضر وغيرهم، وهذا لإعجابهم بالثورة الجزائرية". . جمع التبرعات لتأسيس مدرسة بعد الاستقلال لم تنقطع تضحيات الوناس حمريط في سبيل الجزائر، فبعد رحلة مضنية قطعها للعودة إلى الوطن الأم عبر خلالها إيطاليا، سويسرا وفرنسا بعد 7 سنوات قضاها طالبا في العراق، عاد الوناس إلى مسقط رأسه المسيلة للمساهمة في معركة البناء، اشتغل في البداية أستاذا بثانوية العربي التبسي بسكيكدة، ثم ثانوية محمد قيرواني بسطيف، أين تخرّج على يديه الكثير من الإطارات في الدولة، بعدها انتُدب مديرا للشؤون الدينية بسطيف، وحضر العديد من ملتقيات الفكر الإسلامي التي كانت تنظم في ذلك الوقت. وقبل هذا كلّه ساهم الوناس حمريط، في جمع التبرعات بعد الاستقلال لتأسيس مدرسة البراكتية المركزية التي أُلحقت فيما بعد بوزارة التربية، وتخرّج فيها الكثير من الإطارات.