سالم زواوي في تطوّر مرعب، أصبحت العمليات الإرهابية، تسعى لاستهداف موكب رئيس الجمهورية وسياسة المصالحة الوطنية والسلم المدني. وعلى عكس تطمينات وزير الداخلية، الذي قال إن عملية باتنة، التي خلفت عشرات القتلى والجرحى من الأبرياء، ليست أكثر من محاولة يائسة من قبل أناس تأكدوا أن الشعب قد انفض من حولهم وتراجع عددهم وهم محاصرون في كل مكان. فإن الأمر يدعو إلى القلق أكثر من أي وقت مضى، خاصة بعد مرور حوالي ثلاث سنوات على دخول قانون المصالحة الوطنية حيّز التطبيق دون أن يحقق كل الأهداف المرجوة منه في المجال الأمني، حيث لجأت الجماعات الإرهابية إلى استعمال أسلوب جديد هو القتل الجماعي بواسطة التفجيرات الإنتحارية والسيارات المفخخة التي تقابلها ممارسات بالية في الخطب والتصريحات والمواقف السياسية الموجهة أساسا للإستهلاك الإعلامي لا علاقة لها بالمواجهة الواقعية لهذا الإجرام الذي أصبح يحصد أرواح مئات الجزائريين في المرة الواحدة، وسنظل نتذكر بهذا الخصوص ما كان يصرّح به السيد أحمد أويحيى قبل أكثر من عشر سنوات وهو رئيسا للحكومة عندما كان يقول "إن الإرهاب أصبح مجرّد بقايا إرهاب"، ولكن كم من مئات أو آلاف من الجزائريين ذهبوا منذئذ ضحايا لبقايا الإرهاب وماذا تحقق غير الانتقال من الاغتيالات الفردية إلى الاغتيالات الجماعية؟ اليوم، مازلنا نسمع نفس الخطاب ونفس التطمينات ولكن أكثر من ذلك، أصبحنا نلاحظ عودة "اليد الأجنبية" إلى مشاكل الجزائر لتعلق عليها ما تعانيه داخليا، فقد صرّح نفس وزير الداخلية ومن باتنة في ما وقع أن الجزائر تدفع ثمن وزنها الإقتصادي في العالم وهي ضحية تكالب خارجي وتآمر أطراف جزائرية متواجدة في الخارج، وهو في ذلك يذهب نفس مذهب الرئيس الذي صرّح في نفس المناسبة أن الإرهاب يعمل لصالح عواصم ودول أجنبية وزعماء أجانب. صحيح أن العالم مليء بأعداء الجزائر وهناك حتى من الجيران من لا يريد لنا خيرا، وأن هناك من الرؤساء والملوك من يتشفى فينا وما نعانيه عبر برقيات التعازي والمواساة التي أرسلها بالمناسبة، ولكن إذا كانت ثمة دولا وعواصم وزعماء أجانب يتعاملون مع الإرهاب ويتآمرون على سيادتنا، لماذا لا ترفع الجزائر شكوى إلى مجلس الأمن فتنال حقوقها ويعاقب هؤلاء ولو بالإدانة، خاصة في ظل ما يشهده العالم من تضامن المجتمع الدولي ضد الإرهاب، وفي ظل تورط الجزائر حتى أذنيها مع أمريكا في مكافحة الإرهاب الدولي. لقد كان من المفروض، مع قانون المصالحة الوطنية الذي جاء لنقل الجزائر إلى مرحلة أخرى مغايرة تماما، التخلي عن جميع السياسات المضللة التي زادت في تعقيد الأوضاع وتفاقم التراخي وانحصار اليقظة تجاه الإرهاب، وتبني سياسة أكثر واقعية لدعم هذه المصالحة، ولكن بدل ذلك يبدو وكأن كل شيء قد ألقي على عاتق الرئيس لوحده سواء من باب الاتكال والتواكل من طرف الطبقة السياسية وما يسمى جزافا بالمجتمع المدني الذين لا ينظرون إلى هذه المصالحة إلا من زاوية ما تعود به من منافع وفوائد وريوع، أو من باب إثقال كاهل الرئيس بالمشاكل ووضع العراقيل في طريقه من طرف أعدائه وهم كُثر، كما يلمح هو بنفسه إلى ذلك من حين لآخر.