غابت وزارة ولد عباس وتنصلت مديرية النشاط الاجتماعي والبلدية تصيح صياحا غريبا، تأكل ملابسها وتقطعها من شدة القلق والنرفزة، تحرك جسمها الذي أصبح نحيلا وتنتف كل شعرها، تأكل كل شيء أمامها وتفعل أي شيء دون علم ودراية، تنزع ملابسها وتهيم على وجهها. سبق لها أن أكلت قطا كما سبق أن خرجت للشارع عارية وقد اعتدى عليها أولاد الحرام، رغم أنها مصابة بإعاقة ذهنية 100٪ وجسمها معوج وحركاتها غير متحكم فيها.. إنها "بهية" التي يضطر أهلها الفقراء لربطها بسلسلة حديدية حتى لا تخرج عارية، وهذه قصة بهية ذات الأربعين سنة، قضت نصف عمرها مربوطة إلى الأغلال وبأمر من السلطات. بهية والقدر! عندما ولدت بهية أبشيش، منذ 40 سنة، عاشت سنتها الأولى صحيحة معافاة؛ تجري وتلعب وبدأت تنادي والدها وأمها. وبينما هي تلعب، جرى وراءها أحد إخوانها الذي يكبرها بسنة، فسقطت على طاولة الفرن فوقع عليها قدر الرز على رأسها فاحترقت وتحفرت جمجمتها بجانب المخيخ. ومن ذلك اليوم فقدت الطفلة بهية عقلها كما فقدت كل حياتها وبعدها بسنوات، حرقت للمرة الثانية ومن بطنها!!. بعدها بقليل، توفيت والدتها التي لم تترك طبيبا إلا وزارته، كما أدخلت بهية مستشفى دريد حسين فترة ولكن الأمر لم يطل كما قال أخ بهية للشروق "وأخرجوها"!؟ وكبرت بهية وبدأت تخرج للشارع، تشرب بنزين السيارات كما تستنشق قارورات البوتان وتتسلق الأسقف وتهيم على وجهها عارية، إذ كانت "ترفض أي لباس ويصل بها الأمر إلى تقطيعه بأسنانها وأكله". قال أخوها عبد القادر الذي أكد للشروق والدموع بعينيه "هذه أختي وتقطع قلبي ولكنني لا أملك لها أي شيء، فوضعنا معسر". للإشارة، لا يتجاوز معاش والدها ذي 80 سنة 3000 دج، كما أن أخاها عبد القادر لا يشتغل سوى في إصلاح شباك الصيادين!. وضع العائلة صعب وقد تلقت لعدّة مرات أوامر صارمة من السلطات الأمنية والبلدية بربط بهية ومنعها من الخروج عارية، ليضيف أخوها "الدرك أمر والدي بمنع بهية من الخروج عارية ونفس الأمر تلقاه من البلدية"، ليصرح بأسى وألم "أصبحنا نربطها إلى الجدار بسلسلة حديدية نغلفها ببلاستيك حتى لا تُجرح رجلها"! . وعن هذا الأمر القاسي، أكد أخوها للشروق "لم نكن نربطها ولكن أوامر الدرك والبلدية دفعتنا لفعل هذا لمنعها من الخروج عارية ومن أخطار أخرى، كاعتداءات أولاد الحرام"! بهية.. هل يعرفها وزير التضامن!؟ في المنزل الفقير، الذي تبدو عليه علامات الفقر والقهر والحرمان، رغم زيارتنا التي حدثت في شهر رمضان وفي العشر الأواخر، كانت "بهية" تتخذ من شبه غرفة وهي في الأصل (ڤراج) دون باب وقريبة من المرحاض. بهية تقضي كل يومها على سرير حديدي مربوطة إلى الجدار بسلسلة حديدية، تقضي حاجاتها البيولوجية، حيثما تنام وتجلس، تفضل العُري، وترفض الغطاء وتأكل لباسها لتظل عارية على طول.. روائح الحاجات البيولوجية تزكم الأنف ولا تحتمل وهي لا تعرف، لا تشم ولا تعبر سوى بالنرفزة والصياح الذي يقطع القلب إربا إربا! صياح فيه حزن وأسى وقهر وحرمان! وضع عاشته "الشروق" أول أمس بمسكن والد بهية ذي 80 سنة، ولكن لا أحد من المسؤولين يعرف عن بهية وعيون بهية الحزينة ذات النظرات الثاقبة حزنا!. مديرية النشاط الاجتماعي التي تسير الملايير في إطار التضامن ودعم ذوي العاهات والمعوزين وحتى البلدية والولاية لا أحد يعرف عن "بهية" ذات الأغلال والإعاقة 100٪! وقد أكد أخوها أنها لم تستفد من بطاقة الإعاقة سوى منذ 6 أشهر بفضل أحد الجيران! جيران بهية أكدوا للشروق أن صياح بهية يؤلمهم، كما حمّلوا مسؤولية معاناتها إلى مختلف السلطات مثل البلدية ومديرية النشاط الاجتماعي!. مازلنا ننتظر التفاتة الدولة! عندما كانت بهية منكمشة على نفسها ككُبة صوف على سريرها الحديدي العاري وعندما أظهر لنا أخوها السلسلة التي تُربط بها بهية تنفيذا لأوامر الدرك والبلدية منذ 20 سنة وفي لحظة جدّ مؤثرة، أبكتنا رفعت ومدّت بهية رجلها وبطواعية الصغار ليربط رجلها كالعادة، إنه المنعكس الشرطي لبافلوف.. وهل يعرف بافلوف بحالة مثل بهية في جزائر 2007 إمتلأت خزائنها مالا وخيرات!. وبحزن شديد، تمنى أخوها وهو يربّت على كتفيها مثل الصغيرة "لو كان لنا مال لبنينا لها غرفة خاصة بها تظل فيها دون اللجوء إلى ربطها وننجز لها مرحاضا ملائما لإعاقتها خير من العيش في السلاسل والأوساخ".. ليضيف بحزن: "مع حبّنا لها ومعاناتنا معها لمدة 40 سنة نتمنى أن تلتفت الدولة وتتكفل بها بالعلاج والاستشفاء، لقد طردوها من مستشفيات الأمراض العقلية من العاصمة والبليدة"! ورغم الفقر وقلة الحاجة والمعاناة والحرمان الذي يكاد ينطق إلا أن أخ "بهية" لم يتكلم عن حاجته ولكنه تحدث بصعوبة، وبإلحاح منا عن قساوة عيش أخته "بهية" التي فقدت بهاء الحياة، بل فقدت الحياة كلها!! فهل من معين لإمرأة تعيش عهد الرق في جزائر. 2007!! فاطمة رحماني