يعتبر الوحم من الحالات التي تصيب المرأة أثناء الأشهر الأولى للولادة، وهو أمر طبيعي إذا ما كانت الأمور التي تطلبها المرأة الحامل لا تتعدى المعقول، أما إذا اشتهت المرأة "الشمة" والبطاطا النيِّئة، فهنا يصبح الوحم غريبا، ويستدعي معرفة ما الذي يتحكم في رغبات المرأة الحامل أثناء فترة الوحم. تمر المرأة الحامل بفترات جد صعبة خلال الأشهر الأولى للحمل، حيث تتغير طبيعتُها كثيرا وتصبح أكثر عدوانية، كما تشتهي تناول بعض الوجبات والخضر والفواكه التي لم تكن تطيق رؤيتها قبل حملها، ولكن الوحم يفعل فعلته بالكثيرات ممن يحملن أول مرة، فتصيبهن حالة من القيء والغثيان التي تستمر أحياناً لمدة تتجاوز الثلاثة أشهر، إلا أن بعض النساء يبالغن في طلباتهن يوميا بحجة الوحم، فيما تشتهي أخريات بعض الأمور، التي لا تخطر على بال أحد، حيث حدثتنا إحدى الفتيات التي صادفناها في أحد شوارع العاصمة عن زوجة شقيقها خلال حملها الثاني، والتي اشتهت وضع "الشمة" في فمها، طيلة شهر كامل، حيث تقول الفتاة إنهم استغربوا كثيرا للأمر خاصة وأن زوجة أخيهم كانت لا تطيق رائحة "الشمة"، كما أن زوجها لم يسبق له وأن دخن سيجارة أو وضع "رفعة شمة" في فمه منذ زواجهما بل منذ أن أصبح شابا. وفي قصة أخرى غريبة بعض الشيء توحّمت إحدى النساء على أكل جليد مبرد الثلاجة، إذ أخبرتنا شقيقتها أنها كانت تتلذذ كثيرا وهي تقضم قِطع الجليد، وقد ظلت تأكلها طيلة فترة وحمها التي دامت حوالي أربعة أشهر، أما "فريدة فتحدثت عن جارتها التي اشتهت أكل البطاطا النيئة خلال أشهر الوحم، حيث تقول إنها زارتهم في أحد الأيام في بيتهم، وكانت فريدة تقطع البطاطا، فبدأت جارتها الحامل في أكل واحدة تلو الأخرى، وتقول محدثتنا إنها استغربت كثيرا للأمر خاصة وأن جارتها كانت تلتهم قطع البطاطا بكل لذة، فيما تنتاب بعضَ النساء الحوامل حالاتٌ من الانهيارات العصبية التي تصيبهن خلال الأشهر الأولى للحمل، حتى تصل إلى درجة الجنون حيث يقال عندنا "الوحم هبال"؛ فالمرأة التي تتوحّم لا تُؤاخذ على أي تصرف سيء تقوم به، بحجة الوحم، بما أنها ليست من يتحكم في هذه التصرفات التي تخرج أحيانا عن نطاق العقلانية لتدخل في اللاشعور، بما أن الكثيرات يصل بهن الأمر إلى غاية الكراهية لبعض الأفراد القريبين جدا منهم، فكم من امرأة تطلقت خلال هذه الفترة، نظراً لنفور بعض النساء من أزواجهن، في ظل عدم تفهّم الرجل الجزائري لفكرة الوحم وعدم هضم التغيرات التي تطرأ فجأة على زوجته، ما أدى إلى القطيعة والجفاء بين بعض الأزواج خلال فترة حمل الزوجة، وتسببت في انفصال البعض الآخر، وهو موقف حدث في بيت أهل "صليحة" وهي إحدى الفتيات اللائي تحدثت إلينا في الموضوع، حيث قالت إن شقيقها قام بتطليق زوجته الحامل خلال الأشهر الأولى، حين أصبحت زوجته لا تطيق رائحته، إذ أنها تقوم بطرده في كل مرة يدخل فيها إلى البيت، كما تطلب منه أن يغيّر ملابسه في كل مرة، ناهيك عن عصبيتها الدائمة، ما جعله لا يدخل إلى البيت إلا نادرا تفاديا للمشاكل إلا أن الحالة استمرت لمدة أشهر، وهو ما لم يتحمله شقيقها، فقام زوجها بتطليقها رغم محاولات الأهل شرح الوضع الذي تمر به زوجته. حاولنا إيجاد تفسير لحالة الوحم فاتصلنا بالدكتور صلاح الدين كرفة، وهو طبيبٌ مختص في أمراض النساء والتوليد، فقال إن معنى فترة الوحم تكون مرادفة للحمل، على الرغم من أن بعض النساء لا تتوحم على الإطلاق، وتكون فترة الحمل خلال الأشهر الأربعة الأولى، وتعتبر التصرفات التي تصدر عن المرأة تعبيراً عن رفض الجسم للحمل، إذ أنه يكون بمثابة جزء خارجي أدرجناه في الجسد، فيصعب تقبّله بسهولة، وتتحكم الحالة النفسية للمرأة في بعض التصرفات التي تصدر منها، كما أن رغبتها في أكل أمر ما خلال هذه الفترة إذا ما كان غير طبيعي مثل أكل البطاطا النيئة، أو أن تشتهي الحامل تناول بعض الخضر والفواكه التي لم يحن وقت نضجها بعد، تدخل في إطار الوحم، بينما تبالغ بعض النسوة في طلباتهن مبررات ذلك بالوحم، كما تطرق السيد كرفة إلى "الوحمة" وهي التسمية التي يطلقها الجزائريون على بعض التشوهات التي تصيب بعض أجزاء الجسم، والتي ينسبها بعضهم إلى عدم تناول الحامل لما اشتهته وحكها للمكان المصاب بالتشوه، وقال عنه إنه "غير صحيح لا علميا ولا دينيا".