يقولون إن الفن ولد في القاهرة وعاش في بيروت ومات في الجزائر.. وهي مقولة يؤمن بها الكثير من رجال السياسة الذين يغلقون آذانهم عن سماع المغنيين ولا يريدون أبدا استدراجهم إلى حروب السياسة لقناعتهم بالمستوى المتواضع لما هو موجود في سوق الطرب، عكس ما يحدث في مصر وخاصة لبنان، حيث تبذل كل الأحزاب اللبنانية جهدها لأجل ضم فيروز أو ماجدة الرومي أو جوليا بطرس إلى صفها، ولكن هؤلاء النجمات الكبيرات يفضلن دائما الحياد والتخندق في جميع الأطياف اللبنانية.. وإذا كانت الساحة السياسية في العالم العربي مليئة بالأغاني الوطنية الجميلة، فإن الساحة السياسية عندنا غير قابلة لاستعمال الأغاني الرايوية التي ستسجل ضده.. ولا نجد في الجزائر إلا النادر من الفنانين المهتمين بالسياسة لأن أموال الكباريهات و"الرشق" في الأعراس تغنيهم عن المرتبات الزهيدة التي يتقاضاها رئيس البلدية وحاشيته. الشيخ غافور أكبر مفاجأة وممثلو المسرح يتنافسون على مقاعد المتفرجين! عرفت الانتخابات المحلية تجاذبات وتقاطعات امتدت إلى عالم الفن الذي قدّم عدّة مرشحين سواء كانوا ممثلين أو مغنيين، في حين خاب ظنّ آخرين في اقتناص الفرصة في التشريعيات السابقة واليوم تكرر نفس السيناريو في المحليات. ففي وهران مثلا ترّشح في قائمة الأفلان للمجلس الشعبي البلدي، الممثل الهاوي عواد محمد، الذي حصل على موقع يؤهله للوصول إلى مقعد منتخب بلدي في حالة ما إذا حافظ الحزب العتيد على أغلبيته، علما أن الأفلان لم يرشح فقط عواد محمد من فئة الممثلين الهواة ولكن هناك أيضا المخرج المسرحي ومدير المسرح الجهوي عبد القادر علولة، عزري غوتي، في حين فاجأ الممثل المعروف محمد آدار المنتمي إلى حزب التجمع الوطني الديمقراطي الجميع عندما تخلّى عن ترشيحه خوفا ربما من تكرار تجربة التشريعيات التي لم يحصل فيها على أي شيء، كما أن المواقع التي يتم الاتفاق عليها تلعب دورا في الترشيح من عدمه، حيث يفضل بعض الممثلين والفنانين التخلي عن الفتات الذي تمنحه لهم الأحزاب السياسية مقابل إضافة أسمائهم إلى قوائمها ليفاجأ هؤلاء الفنانين أنهم تعرّضوا فيما بعد إلى عملية نصب سياسي كلفتهم (شيعة بلا شبعة) كما يقال في الأمثال. وفي ولاية تلمسان، يبقى أكبر الأسماء المرشحة للانتخابات المقبلة هو الفنان الحاج غافور الذي يقال إن الرئيس بوتفليقة نفسه معجب بصوته، وهو الأمر الذي شجع الأفلانيين على استقدامه إضافة إلى محاولة استغلال نجاحه الفني والشعبي من أجل الحصول على بعض المكاسب السياسية، علما أن الحاج غافور ترشح في قائمة الأفلان للمجلس الشعبي الولائي، في حين قالت مصادرنا إن العديد من المرشحين الآخرين ليس في تلمسان وحدها، كانوا قد حاولوا الترشح لكن فشلوا، كما أن بعضهم يفضل الترشح باسم وظيفته الإدارية وليس استنادا إلى رصيده الفني، خصوصا إذا كان يمارس الرسم أو التصوير.. وهي كلها فنون أهملها فضاؤها التقليدي فما بالك بالفضاء السياسي الذي لا يعرف أصحابه سوى التخطيط للحصول على مقاعد ومناصب! للإشارة، كانت ولاية سيدي بلعباس قد استيقظت بعد التشريعيات السابقة على رغبة غير مفهومة لمغنية الكباريهات الشيخة نجمة بالترشح في قوائم الأفلان لبلدية سيدي إبراهيم حيث تقطن، وحسب تصريح لها ل »الشروق« سابقا فإن بعض الأفلانيين على مستوى القيادة وعدوها خيرا لكنها سرعان ما تعرضت للإقصاء، وهو ما كان متوقعا من طرف قيادة حزب الأغلبية، لكن الرغبة السياسية ما تزال قائمة عند صاحبة أغنية (نجيبوله الأمن يمرمده)، وقد تفكر في قائمة حرة مستقبلا طالما أن كل شيء ممكن في السياسة والانتخابات الجزائرية! قادة بن عمار أعصاب وأوتار في البلدية يتواجد حاليا المخرج التلفزيوني الشهير بحصة أعصاب وأوتار، محمد حازرلي، ابن تبسة كعضو في المجلس الشعبي البلدي بقسنطينة، حيث أوكلت له رئاسة اللجنة الثقافية التي لم تقدم أي شيء لعاصمة الثقافة قسنطينة التي فقدت مهرجان المالوف لصالح سكيكدة ومهرجان العيساوة لصالح ميلة، وحتى ملتقى أحمد باي لصالح بسكرة من دون تحرك هذه اللجنة الثقافية.. ويكمن عدم اهتمام الممثلين الجزائريين بالسياسة كونهم غير مشهورين وأحيانا غير محبوبين بسبب تواضع مستواهم، حتى أن أحد الأحزاب رفض اسم فنان كوميدي من قسنطينة وقال له بالحرف الواحد "تواجدك معنا في القائمة سيكون رهانا خاسرا وأحد أسباب هزيمتنا"، لكن في الرئاسيات يصبح الرهان عليها قويا كما فعل بعزيز الذي دعّم بن فليس وتطاول على الرئيس، رغم أن بعزيز يغني من دون مناسبات سياسية كما حدث في تونس الصائفة الماضية عندما تهجم على الرئيس بوتفليقة في غياب المناسبة الانتخابية. أما الرئيس بوتفليقة فقد أحاط نفسه بكل مشاهير الفن مثل الفرڤاني بقسنطينة والشيخ الغافور بتلمسان وأهل الراي في كامل مدن الغرب الجزائري، ويوجد حاليا في باتنة شقيق المغني الشاوي حميد بلبش في مركز متوسط ضمن قائمة التجمع الوطني الديمقراطي، وهو ما يجعل الفنان بلبش إلى جانب أخيه أو إلى جانب الأرندي في هذه الاستحقاقات. وسبق لابن ذات المدينة، كاتشو، أن وجد نفسه في ورطة (سياسية) عندما كان إلى جانب رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس الذي هو الأصل من أهل كاتشو ودشرته، ولكن بعد الطلاق الذي حدث ما بين بن فليس وبوتفليقة اختار كاتشو المترشح بوتفليقة رغم ما سبب ذلك من حرج لكاتشو.. المؤسف أن معظم فنانينا مستواهم التعليمي والأخلاقي دون المتوسط لأجل ذلك أصبح من النكتة ترشحهم لمختلف المناصب السياسية. ويذكر أهل وادي سوف أن رئيس المجلس الشعبي الوطني السابق، عمار سعيداني، مارس فن الغناء ضمن فرقة بالوادي ومن أشهر أغانيه (فتحت الشباك غمزني)... هي أغنية على (واحدة ونص)!! ب.عيسى عليكم بالجغرافيا أيها المثقفون في كل شهر رمضان، كنا نعكف كمجموعة من المهتمين بالشؤون الثقافية والفكرية وبإحدى القرى النائية على الانغماس الحضوري الفوري داخل صالونات ليست شبيهة بتلك المقامة أيام المأمون ولا من بعده مع العقاد ومي زيادة؟! وإنما هي شبيهة في المعنى والمغزى لا في المبنى والشكل، وهذا حسبي أضعف الإيمان والأهم على قدر الحال والأحوال. وكانت النقاشات السائدة في تناول أمهات المسائل العالقة على مشاجب الفكر والحريات والمجتمع والإنسان، ففي هذا الشهر بالذات اقترحنا أن يكون حديثنا في الأسبوع الأخير عن الجغرافيا، فما جدوى مثقف أو باحث لا يعرف أين تقع جيبوتي وما هو البحر الأحمر وأين تقع قناة السويس أو رأس الرجاء الصالح؟! كل هذا دفعنا إلى إحضار كل خرائط العالم ومجلدات الأطلس، وكان السبب في ذلك أن نعرف دولة اسمها (بليز) تقع شرق غواتيمالا جنوبمكسيكو لها عاصمة تسمى بلومان وعلم خاص كذلك. وصراحة تعجب الجميع من وجود مثل دولة بهذا الاسم يسمعون بها لأول مرة وربما يتعجبون من تسميات لدول أخرى، لو حاولنا التدقيق والبحث... هذا من جانب الدول ذات السيادة المعترف بها دون الحديث عن المضايق والجزر والأرخبيلات والبحيرات والأنهار والجبال، وكانت أمنية أحد الزملاء أن تترسخ في ذهنه خارطة العالم برمته تضاريسا وأسماء.. وهذا ما يعدو لنيل هذا المبتغى بالصعب رغم أن الدنيا تؤخذ غلابا كما يقول أمير الشعراء، فأهمية الجغرافيا أهمية علمية وعملية وأداة عمل فكرية وسياسية لضبط الزاد المعرفي إزاء الكون الذي نعيش بين مداراته، ومعرفة الأطلس وحفظ الخرائط هي مطلب أكثر من ضروري لدى الباحث والمثقف الكاتب بالخصوص. فالجغرافيا علم موضوعي يبتعد كلية عن التخيل والفلسفات العشوائية التأملية، وحاجة ماسة تتطلب الجد والنزول إلى الواقع، وقد يجد الأديب صعوبة في التأقلم معها لأنه ما عهدها فغالبا ما ظل يعتمد على الوجدان والسجع اللغوي، دونما رصد ميداني. الأديب الحقيقي مطالب بأن يكون رحالة ومغامرا هاجسه الاكتشاف وهذا ما أوجده علما قائما بذاته يسمى أدب الرحلات من رواده ابن بطوطة وابن جبير وابن خلدون والإدريسي، وكل هؤلاء كانوا يحملون في ذواتهم هواجس الأديب رغم أنهم لم يتركوا أعمالا أدبية بالمفهوم المعاصر بل أساليب كتابية وسيرا ذاتية هي أدب محض، فالمثقف الذي يعرف تاريخ مدينة بعد معرفة موقعها الجغرافي وربما مشاهدة ربورتاجا عنها جدير به أن يعرف أهم الأشياء عنها، رغم أن الزيارة الميدانية أجدى وأنفع لكن المعرفة أسبق من التجربة كما يقال وهذا موضوع آخر. هذه الدعوة التي خرجنا بها هي بلا شك موجودة عند أهل الاختصاص، أي أن يقال عن فلان جغرافيا أو أستاذ جغرافيا ولكن ثلة من الناس أرادت أن يكون ذلك فرعا جذريا لدى كل مثقف أو غصنا من شجرته الباسقة المتجذرة طامحا إلى تطعيمها وتزويد معارفه وشحذها بل دعمها وإذكائها بملكة حب الاطلاع والاكتشاف حتى يضبط معلوماته كما هي خرائط الكوكب مضبوطة إلى أجل غير مسمى؟! من الغناء إلى السياسة.. وهيبة مهدي في قلب الحملة الانتخابية بعد أن اكتسح رجال الأعمال عالم الانتخابات في السنوات الماضية، ها هم الفنانون الجزائريون يتفطّنون إلى طريق أسهل وأطول للشهرة بعد أن فقدوا الأمل في »المشهد الفني« وفهموا قانون الفنان سيظل حبرا على ورق إلى أجل غير مسمى. وهيبة مهدي هي إحدى الفنانات المرشحات ضمن قائمة الحزب العتيد، هذا الأخير أصبح يلعب على الأوتار لضمان »العرش«، وهي أيضا من أثارت بلبلة في الوسط الفني، ذلك أنها من »المحترمات« القليلات جدا ومن المحافظات على طابعها الغنائي منذ بداياتها الفنية، ترشحها لم يطرح الكثير من علامات الاستفهام، ذلك أن الجواب »باين من عنوانو« حسب بعض زملائها الذين تأخروا عن القطار بعدما قرروا أيضا ركوبه. فربما يصلون إلى تحقيق »وضعية اجتماعية« مقبولة وهم الذين ماتوا على الطرقات وعاشوا فقراء ولم تبق إلا ذكراهم للكرنفالات الثقافية والفنية. الترشح حق مشروع، ورسالة الفنان اليوم تعدت الغناء والرقص إلى التأثير الاجتماعي والسياسي، ويبدو أن الأفلان فهم الدرس باكرا واستثمر في شهرة هؤولاء وشعبيتهم لتخرج السياسة في الجزائر كما الرياضة من »المنافسة« إلى سوق عكاظ والألبومات، ليشيد كل بخصال ليلاه ويغني كل بحسب هواه »السياسي«، فهل سيوفّق الفن في اقتناص مقاعد أكثر؟ وهل يصلح »المير« الفنان ما أفسده »المير« السياسي؟ هذا ما ستجيب عليه إنتخابات 29 نوفمبر الجاري. أسيا شلابي