غصّة في الحلق شعر بها كل من تابع صور النّفاق والتّملّق القادمة من باريس، صور الحكام العرب وهم يتزاحمون وراء الرّئيس الفرنسي، في مسيرة التّضامن مع صحيفة "شارلي إبدو"، صاحبة التّاريخ الأسْود في الإساءة إلى الأديان السّماوية واسْتِفزاز معتنقيها واحتقار معتقدات الشعوب ومقدساتها. يوم واحد بعد سقوط 12 فرنسيا من العاملين في صحيفة "شارلي إبدو"، كانت هناك بحيرة من الدماء وكومة من الأشلاء وسط مدينة صنعاء في تفجير قتل فيه العشرات، لكن الإعلام العالمي ومن ورائه الإعلام العربي كان منشغلا بالتباكي على رسّامي الكاريكاتير الذين قتلهم الإرهاب في قلب باريس، وكأن الذي ضرب في صنعاء كان ملاكا طاهرا وليسا إرهابيا بشعا كالذي ضرب في باريس! ضُربت غزة بكل أنواع السلاح، ومزجت أجساد أطفالها الطرية بالتراب، ولم نشاهد أحدا في فرنسا أو في غيرها يرفع شعار "أنا غزة"..! وقُتل الآلاف بالسّلاح الكيمياوي على يد الطاغية بشّار الأسد، وتحرّك الغرب لا ليعاقب الأسد على جريمته، ولا ليتضامن مع أطفال الغوطة، ولكن ليعقد صفقة على جماجمهم يتم بموجبها استلام كل ما في جعبة سوريا من سلاح كيمياوي! هذا النفاق العالمي، الذي عرته عملية "شارلي إبدو"، اندمج فيه حتى بعض الجزائريين الذين يسيرون حسب هوى فرنسا، والذين لم يجدوا حرجا في رفع شعار"je suis Charlie"، دون أن يدركوا أنهم بذلك قد أقروا هذه الصحيفة في إساءتها إلى الرسول الكريم. والأخطر من ذلك أن الأمر لم يتوقف عند المواقف الشخصية، وإلا ما معنى أن تكون الجزائر الرّسمية ممثلة في تلك المسيرة المشؤومة جنْبا إلى جنْب مع إسرائيل! من الواضح أن مسيرة باريس كانت بمثابة تفويض مشابه للتفويض الذي طلبه السّيسي بمواجهة الإرهاب، وإلا ما معنى المداهمات الذي بدأت ضد الجاليات المسلمة في فرنسا وضد الجزائريين تحديدا، ودليل ذلك ما حدث مع العائلة الجزائرية بمدينة نيس أين اقتحمت قوات الأمن بيتهم دون تسخيرة قانونية وقاموا بضربهم وإهانتهم واعتقال مراهق بسبب مشاجرة مع صاحب محل وضع رسوما مسيئة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم على واجهة محله. فهل تشفع مشاركة وزير خارجيتنا في المسيرة لرفع الظلم عن هذه العائلة وعن الكثير من الجزائريين الذين سيكونون ضحايا للتجاوزات الأمنية مستقبلا؟ وهو ما يتوقعه العديد من المتابعين، كما يتوقعون النّسخة الفرنسية من معتقل "غوانتانامو" والسّجون السّرية.. ولعلّ الدّول التي كان ممثلوها في مقدمة الصّفوف في المسيرة يكونون قد عرضوا خدماتهم واستعدادهم لاحتضان هذه السّجون في بلدانهم!!