صورة من الارشيف بعد حلّ الجبهة الإسلامية للإنقاذ مباشرة تغيّرت الخريطة السياسية -وهي كذلك إلى الآن- إذ الأحزاب الإسلامية المعتمدة اليوم هي: حركة حمس، وحركة النهضة، وحركة الإصلاح الوطني، والكثير من أبناء التيار الإسلامي الآن هو غير مهيكل داخل الحركات الرسمية المعتمدة ومنهم تيار الجبهة الإسلامية للإنقاذ الذين أصبحوا مجموعات وفلولا غير مهيكلة بسبب حلها في عام 1992. * وهذه الأحزاب المعتمدة كلّها تنتمي إلى التيار الإخواني، ونقاط التباين بينها هنا في الجزائر ظاهرة للعيان وهي عبارة عن نقطتين: * الأولى: قضية الارتباط بالتنظيم الدولي لجماعة الإخوان وعدم الارتباط، حيث هناك تنظيمات لها علاقة بالتنظيم الدولي والأخرى ليست لها علاقة. * والنقطة الثانية: هي قضية الموقف من السلطة، فهناك من يتبنى المشاركة مثل "حركة مجتمع السلم" و"حركة النهضة" وهناك من يتبنى موقف المعارضة مثل "حركة الإصلاح الوطني". * ولا يمكننا الآن تصنيف الإسلاميين في الجزائر في علاقتهم بالسلطة على نفس الدرجة، ففيهم الحليف الذي لا يتعرض لانتهاكات ومشكلات مع النظام مثل "حركة مجتمع السلم" و"حركة النهضة"، ومنهم من يتبنى المعارضة السلمية والقانونية مثل "حركة الإصلاح الوطني"، وفيهم من هو ممنوع من النشاط السياسي من الأساس مثل "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" وبالتالي فإن المعوقات تختلف من طرف إلى آخر، فالجبهة غير معترف بها والسلطة لم تسمح لها بالعودة، بينما تعاني باقي الحركات السياسية الأخرى من عملية التضييق على الحريات السياسية والإعلامية واحتكار السلطة لوسائل الإعلام الثقيلة وعلى رأسها التلفزة الوطنية. * وإذا صنفنا الجماعات الإسلامية في الجزائر على أساس فكري فيمكننا توزيعها حسب المدارس التالية: * جمعية علماء المسلمين الجزائريين ويرأسها الشيخ عبد الرحمن شيبان أحد تلامذة الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله. * التيار الإخواني: ويشمل حركة مجتمع السلم "حمس" وهي مرتبطة بالتنظيم الدولي لجماعة الإخوان ويرأسها أبو جرة سلطاني، وحركة الإصلاح الوطني التي كان يرأسها الشيخ عبد الله جاب الله، وحركة النهضة ويرأسها فاتح الربيعي. * التيار البنائي الحضاري (الجزأرة): الذي يتبنى فكر الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله، وقد دخل أبناء هذا التيار في الجبهة الإسلامية للإنقاذ التي تم حلها ودخل بعض قادتها كذلك إلى بعض التنظيمات المسلحة وليس لديهم الآن قيادة معروفة، ولكن من يُشار إليه بالبنان في هذه الأيام هو الأستاذ الطيب برغوت. * الاتجاه السلفي: ويجمع في مكوناته الكثير من طلبة العلم وبعض العلماء، وينقسم أصحاب هذا الاتجاه حسب أدعاء أصحابه، وهو المشهور إعلاميّا إلى ثلاثة أقسام: أصحاب منهج التصفية والتربية أو ما يسمّى بالسلفية العلمية، وكان من شيوخهم المعروفين هنا في الجزائر الشيخ عبد الملك رمضاني إمام وخطيب مسجد البدر بحيدرة والمعروف باسم (لاكولون) ومن شيوخ هذه الجماعة الآن الشيخ العالم أبو عبد المعز محمد علي فركوس، والقسم الثاني من أصحاب هذا الاتجاه هم أصحاب المنهج الحزبي والعمل السياسي، وأهم الشيوخ لهذا الاتجاه الشيخ علي بن حاج، وأمّا القسم الثالث من أصحاب هذا الاتجاه فهو ما يسمى بالتيار الجهادي أو السلفية الجهادية، وهؤلاء ليس لهم قيادة معروفة، بل متأثّرون ببعض الشيوخ الأجانب أمثال أبو محمد المقدسي صاحب المؤلفات الناقمة على الحكام والداعية إلى تكفيرهم وقتالهم، وأبو قتادة الفلسطيني وأبو بصير عبد المنعم حليمة وعبد القادر بن عبد العزيز صاحب كتاب العمدة في إعداد العدة، وسنتعرّض لهؤلاء عند مناقشة وسائل وطرائق التغيير عند الجماعات الإسلامية. *
* جماعة الدعوة والتبليغ وليس لديهم قيادة واضحة. * هذا وقد تعرضت الحركة الإسلامية في الجزائر أو جل فصائلها إلى عملية استئصال من طرف القوى العلمانية التي استغلت الأزمة التي اندلعت بين الجبهة الإسلامية للإنقاذ والسلطات في الجزائر، فعملت (هذه القوى) على ضرب الحركة الإسلامية وتجفيف منابع العمل الإسلامي في جميع مجالاته، ومن يومها دخلت الجزائر في دوامة من العنف والعمليات المسلحة، فحين بدأت السلطات الجزائرية ممارسة كل أنواع التضييق والانتهاكات ضد أبناء الحركة الإسلامية في إطار ما يسمى بسياسة تجفيف المنابع ظهرت جماعات إسلامية كثيرة تتبنى العنف والعمل المسلح لتحقيق أهدافها، كنّا قبل هذه المرحلة في مرحلة الجماعات الإسلامية التي تشتغل بالعمل السياسي، ولكن لمّا وقع ما وقع غيّرت الجماعات الإسلامية أساليبها في التعامل مع السلطة وبدأ الإعداد في السر إلى أن ظهرت للعلن، ومن هذه الجماعات: *
* 1 -الجماعة الإسلامية المسلحة (GIA): * هي جماعة إسلامية متشددة أُسّست أواخر الثمانينيات، وظهرت للوجود أواخر 1991، إذ أعلن عن وجودها وزير الدفاع في ذلك الوقت خالد نزار، وذلك فيما يعرف بقضية ڤمار (ولاية الوادي) عندما قامت مجموعة من المسلحين بالهجوم على ثكنة عسكرية للجيش الجزائري في أقصى الشرق الجزائري على مقربة من الحدود الجزائرية -التونسية، وتهدف هذه الجماعة إلى الإطاحة بالنظام الحاكم في الجزائر وإحلال حكومة تحكم بالإسلام محله، وتعارض أي مهادنة أو حوار مع الحكومة القائمة، وقد شرعت الجماعة في اعتماد أسلوب العنف المسلح والمنظم في بداية عام (1992) بعد أن ألغت السلطة الجزائرية الانتصار الذي حققته الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الدور الأول من الانتخابات البرلمانية التي جرت في 26 ديسمبر 1991، هذا وقد تضاربت الأقوال بشأن هذه الجماعة، من أسسها؟ ومتى؟ وأين؟ * ذكر بعض المختصين في شأن الحركات الإسلامية (رواية عن قادة بن شيحة) الذي كان عضوا سابقا في مجلس شورى الجماعة المسلحة، أنه ذكر في أحد كتاباته أن "تأسيس الجماعة الإسلامية المسلحة تَمّ في مدينة (بيشاور) الباكستانية من قِبَل كل من (السعيد قاري) و(أحمد الود) و(أبو الليث المسيلي)، بعد سلسلة من الاجتماعات" قال كاتب المقال: "ولكن ليس هناك مخطوط واحد صدر عن هذه الجماعة يؤكد هذه الرواية، وإن كان معلوماً أن هؤلاء الثلاثة الذين شاركوا في الحرب الأفغانية وُرِدَت أسماؤهم فيما بعد ضِمْنَ النواة الأولى التي أسست الجماعة الإسلامية المسلحة"اه * أقول: أما هذه الرواية التي تقول إن الجماعة تأسست في مدينة بيشاور فهذا خطأ ظاهر، فلو قال مثلا إنّهم خططوا في كيفية نزولهم إلى الجزائر أو أنّهم نظموا أحوالهم وأسسوا تنظيمهم في بيشاور للانضمام إلى جماعة أو تنظيم يستقبلهم ويرحب بهم من أجل العمل المسلح لَصَدَق، أو قال مثلا إنّهم شاركوا في تأسيسها لقلنا يُحتمل، لأنّ الجزائريين الأفغان لمّا جاء موفدهم إلى الجزائر لينظّم نزولهم كان أوّل اتصاله بعبد القادر شبوطي ثم بالسعيد مخلوفي، ولمّا لم يجد منهما آذانا صاغية اتجه إلى منصوري ملياني، وهذا ما سمعته بأذني من السعيد قاري، فلو فرضنا مثلا أنه اتفق مع السعيد مخلوفي على الانضمام إليه، ثمّ انضمّ إليه هو وجماعته، فهل يصحّ أن يقال بأنّ جماعة الأفغان هم من أسّسوا تنظيم (حركة الدولة الإسلامية) نعم كان لهم دور كبير في تنظيم الجماعة الإسلامية المسلحة، فهذا عمر شيخي أحد المؤسسين للجماعة يذكر في روايته عن تأسيسها "وافقنا على تعيين (عبد الحق العيادة) أميرا للجماعة الإسلامية، بينما تم تكليف رجال الملياني (يقصد الأفغان الجزائريين مثل سيد أحمد الحراني والسعيد قاري وغيرهما) بمسؤولية هيكلة الجماعة والإشراف على التنظيم، بحكم أن لهم الباع الأكبر في هذا المجال؛ لكونهم التنظيم الأقدم والأكثر تمرساً في العمل الميداني" اه * ... هذا وقد كنت في أيام مضت في ولاية جيجل، وبالضبط في "كتيبة عباد الرحمان" في "منطقة الشقفة" إذ وَصَلت أربعة أشرطة للسعيد قاري يتحدّث فيها عن تاريخ الجماعة الإسلامية المسلحة، وقد كان مقيما في ذلك الوقت في "جبل الوحش" ولاية قسنطينة وقتل هناك بعدها بوقت قصير، كان يتحدّث عن كيفية وصولهم إلى الأراضي الجزائرية، وكان ممّا قاله، وأنا أنقل كلامه بالمعنى: جاءنا المدعو قمر الدين خربان إلى بيشاور وادعى بأنّ الجبهة الإسلامية للإنقاذ هي التي أرسلته لكي يحضّر الإخوة الجزائريين الأفغان للدخول إلى أرض الوطن، قال السعيد قاري وقد كنت أشك في صحة ذلك، ومع ذلك لما سمحت لِيَ الفرصة نزلت إلى الوطن (الجزائر) ودخلت عن طريق التهريب من المغرب، ولما وصلت إلى الجزائر اتصلت مباشرة بعبد القادر شبوطي وأخبرته بما قاله لنا قمر الدين خربان، وقلت له: إنّنا جاهزون للنزول إلى الجزائر في الوقت الذي تريد حتى نقاتل معك، فأنكر ذلك وقال بأن قمر الدين خربان لم يرسله أحد، وقال لنا بالحرف، لماذا نقاتل وعندنا الجبهة الإسلامية للإنقاذ بها نحقّق النصر، قال السعيد قاري: ثم ذهبت إلى السعيد مخلوفي وكانت بيننا قرابة فقلت له: نحن الجزائريين الأفغان هناك في بيشاور جاهزون إن أردت أن ندخل إلى الوطن ونقاتل معك، فرفض كذلك هذا المقترح وقال: لم يحن الوقت بعد، قال السعيد قاري: فلم يبق لي إلاّ منصوري الملياني، فذهبت إليه واستقبلني فطرحت عليه الفكرة فوافق عليها ورحّب بها وبنزولنا، ثم عدت إلى بيشاور لإخبار الإخوة وتهيئة الأمور، فسوينا أمورنا وأوراقنا وبدأنا في النزول إلى الوطن وكانت أول عملياتنا عملية الأميرالية في ميناء العاصمة الجزائرية". * .. هذا وقد كثرت الأقوال في شأن هذه الجماعة، ولكن الظاهر من كلّ ما سمعناه أو قرأناه في هذا الشأن من قدماء المؤسسين للجماعة الإسلامية وعلى اختلاف أقوالهم كلهم أصاب الحقّ، لأنّ الجماعة الإسلامية في بداية الأمر كانت قبل وحدتها مجموعات صغيرة، وأوّل ما ظهر هنا في العاصمة جماعة كانت تسمى ب "جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" التي كان يتولى مسؤوليتها (محمد الخير) من القصبة والتي تتكون من (توفيق بن طبيش) و(علي الفرطاس) وآخرين، حيث بدأ نشاطهم أواخر الثمانينيات، ثم التحقت هذه الجماعة في 1991 بحركة نور الدين سلامنة الذي قتل في 1992 من قبل قوات الأمن ليخلفه (محمد علال) المعروف (بموح ليفيي) وبعد وفاته في أكتوبر 1992 خَلَفَهُ (عبد الحق العيادة)، إلى هنا تاريخ هذه الجماعة. * وقبل هذا بأيام قليلة كانت جماعة من الغرب الجزائري تسعى للانضمام إلى جماعة العاصمة، إذ قامت جماعة الغرب في أبريل سنة 1992 بربط الاتصال بجماعة العاصمة (جماعة محمد علال) والانضمام إليها، فبعد إنشاء جماعة الغرب لجماعتهم بأيام تم الاتصال بعبد الناصر علمي -شقيق عمر علمي الذي كان رئيس النقابة الإسلامية- وعقد معه أبو عبد الرحيم (قادة بن شيحة) وأبو جعفر محمد (جريري الطيب) عدة جلسات، وأول جلسة مع قادة بن شيحة كانت بحي "تيار" بمدينة بلعباس في شهر شوال 1412ه الموافق لأبريل 1992 وبعد هذا اللقاء بأيام تم لقاء آخر بينهما بحي عبد القادر (القوادرية) بالمحمدية (معسكر) وتحدثا فيه عن أمور التنظيم ومنها ربط الاتصال بين قادة بن شيحة وجماعة العاصمة، وبعدها بمدة توجه قادة بن شيحة إلى ديار الجماعة (باش جراح بالعاصمة) وهناك التقى ببعض أعيان جماعة العاصمة منهم: جمال حوص، نور الدين بوفارة، محمد تبي، عبد القادر (ازرق العينين)، محمد ولد الحاجة، حمزة (البليدة)، محمد (القصبة) وغيرهم لربط الاتصال بجماعة محمد علال (موح ليفيي) فتم ذلك، واتفق قادة الغرب مع قادة الوسط على العمل سويا، وأصبحت جماعة بلعباس جزءا من جماعة محمد علال بالعاصمة. * وبعد عملية الهجوم على الثكنة العسكرية بمنطقة (ڤمار) ولاية الوادي في نوفمبر 1991 اتصل مسؤولو هذه الحركة (بعبد الناصر علمي) الذي تمكن بدوره من استمالة (أحمد الود) تحت إمرته، فأعلن انسحابه من تيار قطب (الجماعة القطبية) وتبعه العديد من قدامى الحرب الأفغانية، وبعد عقد اجتماع بين جماعة (أحمد الود) وجماعة (منصوري ملياني) تَمَّ ميلاد تنظيم جديد يدعى "الجماعة الإسلامية المسلحة" وعلى إثر توقيف الأمن لمنصوري ملياني في جويلية 1992 عُيِّنَ نائبه (أحمد الود) أميرا على الجماعة مكانه، وذلك بعد الاجتماع الذي انعقد في ولاية الجلفة. * وفي خطوة لدعم الحركة المسلحة المناهضة للحكم التقى (أحمد الود) الذي عيّن في مكان منصوري ملياني بمسؤول تنظيم جماعة العاصمة (عبد الحق العيادة) الذي خلف (محمد علال) وانعقد هذا الاجتماع في منطقة براقي (ضواحي العاصمة) وكان ذلك في نهاية أوت وأوائل سبتمبر، وَوَحَّدا صفوفهما للضرب في كافة أنحاء الجزائر، وأمضيا اتفاقاً أعلن عنه في العدد الأول من منشورات الجماعة المسماة "الشهادة" وممّا جاء في هذا المنشور على ما أذكر سنة 1992 "أنّ جماعة الملياني وجماعة أحمد الود (جماعة القطبيين) وجماعة عبد الحقّ العيادة (أي جماعة محمد علال) توحدوا تحت راية الجماعة الإسلامية المسلحة وبايعوا عبد الحقّ العيادة أميرا عليها" انتهى بالمعنى.