مخاوف الغرب من عودة الإسلام إلى واجهة الأحداث، سواء من خلال أتباعه أو من خلال طرح الشريعة باعتبارها منطلقا للتغيير أو اعتماد أحزاب إسلامية، أو حتى ظهور جماعات العنف التي كان حاضنا لها خلال العقود الثلاثة الماضية، اختصرت فيما أصطلح على تسميته ب"الإسلاموفوبيا"... * خصوصا بعد انتصار الثورة الإيرانية، وقد اعتبرت تلك الرؤية نوعا من التجني والظلم للمسلمين، وها هو اليوم بعد الخلافات والأحداث الدائرة في إيران بسبب الانتخابات الرئاسية الأخيرة، يختصر مخاوفه من الإسلام والمسلمين في إيران فقط، لكونها تريد أن تمتلك سلاحا نوويا، وهو ما يكمن أن نطلق عليه" إيرانوفوبيا". * لم يهتم الغرب كثيرا، خصوصا الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدةالأمريكية، بجرائم أنظمة حكمت لعقود وأقصت المعارضة، وقتلت الآلاف من أفراد شعبها، فقط لأنها رفضت بعضا من سوء الإدارة أو الفساد، لدرجة لم يعد قادتها واعين بتاريخ وصولهم إلى الحكم، لكن نراه اليوم مهتما بدور ما يعتبره معارضة في إيران، مع أن ما يحدث هناك مجرد خلاف بين قوى فاعلة تتحرك ضمن فضاء واحد، حيث أخطأ بعض قادتها، الأمر الذي قد يدفع في المستقبل المنظور إلى تصحيح مسار الثورة، ولكن بالتأكيد لن ينهي نظام الملالي كما يعتقد المراقبين. * الموقف الغربي كان منتظرا ولا يهمه بالأساس فشل التغيير الجاد الذي يصحح مسار الثورة، وإنما ما يعنيه هو إزالة التحدي النووي المستقبلي وإزالة تحدي الرئيس نجاد، وبالتالي إنهاء دور إيران، وفي حال حصول ذلك فإن الخاسر الأكبر هم: الجيران العرب والمسلمين، خصوصا الدول العربية الخليجية، ولا يتصور أحد أن الأمور سينتهي إلى نفس الوضع الذي آل إليه العراق بعد احتلاله. * لقد علمتنا تجربة احتلال العراق أن النظام الشمولي على ما فيه من مساوئ أفضل من الفوضى والفتنة وإسناد الأمر لغير أهله، فالاحتلال تهلكة لأهل البلد ولمحيطه الإقليمي وللإنسانية جمعاء، ولذا غير مقبول ولا مبرر الفرح الذي أبدته بعض القنوات العربية وبعض عناصر النخبة، وكأن التغيير السياسي في إيران سيكون لصالح العرب..إنه على العكس من ذلك تماما، وسينتهي بنا إلى وضع مأسوي أشد وطأة مما هو في العراق، ثم أن تأييدنا للغرب في كل عمل عدائي تجاه الدول الإسلامية يجعلنا نقف في صف الاستكبار العالمي * أعرف أن لبعض القيادات السياسية العربية مواقف بنتها على تجارب سابقة من النظام الحالي في إيران، كما هي بالنسبة للقيادة المصرية مثلا أو كما هي الحال بالنسبة لرئيس الحكومة الجزائري: "رضا مالك" الذي كان سفيرا للجزائر في الولاياتالمتحدةالأمريكية وراعي مصالح إيران أيام أزمة الرهائن، والتي قادها الطالب محمود أحمدي نجاد الذي يعاديه الغرب اليوم بناء على ميراث يعود إلى ثلاثين سنة خلت، لكن ذلك الاختلاف مع إيران لا يعطي الحق لأي من العرب والمسلمين في الوقوف إلى جانب الغرب. * من ناحية أخرى، أعجب لقوم من أبناء أمتنا ولوا أمرهم للغرب، تماما مثل دهشتي من الخلافات السياسية غير المبررة بين القادة الإيرانيين، مع أن الأمور تدفع نحو إشعال المنطقة بأكملها، على اعتبار أن الدولة الوحيدة الباقية تنبض بالحياة في العالم الإسلامي، وتتحدى الغرب هي: إيران، وشهاب الحرب قد سطعت لتقضي على الشيعة مثلما قضت قبلها على السنة في العراق، وهو ما يكشف عنه الجدل الدائر الآن حول ولاية الفقيه، حيث بات موضوعا متداولا بين العامة، مع أنه يتجاور في حقيقته مدارك الخاصة، والذين يطرحونه من منطلق النقد السياسي لإيران هم الذين لا يفقهون من الدين شيئا، ولا يغني أحدهم تباكيهم عن دور السنة، لأنهم غير ملتزمين بها، ولم نرهم يحملون هم هذه الأمة التي تسفك دماؤها بالباطل من أعدائها ومن أبنائها أيضا، * وبعيدا عن الجدل الفقهي بين المذاهب، فإن ولاية الفقيه وهي بالمناسبة محل خلاف بين أئمة الشيعة تمثل في نظري مرجعية سياسية لأصحابها، ونحن في مختلف الدول المسلمة نحتاج إلى مرجعية بغض النظر عن بعدها المذهبي، فهل يا ترى نملك مرجيات نؤسس عليها المواقف والقرارات السياسية في دولنا العربية؟ ومن يصنع لدينا القرار السياسي؟ ومن يخشاه الغرب؟ * إن المراقب لموقف الدول الغربية من الانتخابات الإيرانية الأخيرة يراها آخذة في التصعيد بناء على التوتر في الجبهة الداخلية، وبالرغم من النقد المباشر للسلطات الإيرانية لتعاملها بعنف مع المتظاهرين، إلا أنها ظلت مراعية لمكانتها الدولية، وتنتظر ما ستسفر عنه الأيام القادمة من تطورات من خلال النشاط الإستخباراتي، وباختصار فالغرب حين عجز عن توقيف إيران عن مشروعها النووي، حرك لها الجبهة الداخلية. * على العموم، فإن إيران اليوم تدخل مرحلة جديدة إما ستصل بها إلى فوضى يحلم بها الغرب وأذنابه في المنطقة، وسيتم فيها دعم رجال من النظام الحالي ليزيد الشعب الإيراني والأمة الإسلامية رهقا، وإما يتم تصحيح المسار فيستمر الرفض للغرب وتدعم المقاومة من جديد إن لم يكن على مستوى الفعل فعلى مستوى الخطاب، ويواصل المرشد الأعلى والرئيس نجاد الطريق إلى جعل إيران قوة فاعلة على المستوى العالمي. * السباق على أشده بين أطراف المسارين في إيران، والجبهة الداخلية هي الحاسمة، فهل سيتدخل الحرس الثوري، ويتم تصحيح مسار الثورة بثورة جديدة؟.. لن يطول انتظارنا للإجابة، وأغلب الظن أنها ستكون لفريق المستضعفين، وهو ما يخشاه الكبراء والسادة في عالم اليوم.