الحركى يعودون.. بأبنائهم ! "لو بقيت الجزائر فرنسية لكانت اليوم متطوّرة" الغالبية العظمى من الجزائريين لم يكونوا يريدون الاستقلال يشن ثلاثة من أبناء الحركى منذ أزيد من شهر ونصف اعتصاما أمام مبنى الجمعية العامة الفرنسية (البرلمان الفرنسي)، مطالبين الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بالاعتراف بهم رسميا عبر قانون خاص وتسوية وضعيتهم كونهم "ترِكة" من تاريخ فرنسا، ويُذكِّر هؤلاء فرنسا ب"أفضال" آبائهم عليها قائلين بأن آباءهم اختاروا الوقوف إلى جانبها وحاربوا جبهة التحرير "الإرهابية" لكنهم لم يلقوْا سوى التنكّر من الحكومات الفرنسية المتعاقبة. * * المعتصمون أمام مبنى البرلمان لفرنسي وهم كلّ من عبد الله كروك وحميد قوراي والزهرة بن قراح يشدّدون بأنه على فرنسا أن تعترف بهم هذه المرة رسميا وعبر نص قانون "وليس بالكلام الحُلو الذي يطلقه مسؤولوها تجاه الحركى وأبنائهم بين الحين والآخر" كما يقولون، ويؤكد الثلاثة الذين يقضون ليلهم نياما في سياراتهم المحاذية للبرلمان ويفترشون الرصيف نهارا منذ شهر ونصف، بأنهم سيذهبون إلى "آخر نفس فيهم" من أجل افتكاك اعتراف من الدولة الفرنسية وإلى أن تتحمل مسؤوليتها تجاه ما يُسمّونه "مأساة الحركى". * ويقول المعتصمون بأنهم لا يتسوّلون صدقة من فرنسا وإنما هم هنا من أجل "الاعتراف بالتضحيات التي قدّمها الحركى وقدّمها أبناؤهم في سبيل فرنسا". * ويعود المعنيون على الأيام الأولى التي تلت خروج أوليائهم من الجزائر مع فرنسا، حيث يتحدثون عن سياسة المجازر والمحتشدات والعزل والاحتقار التي شنتها عليهم حكومات فرنسا المتعاقبة منذ خروج آبائهم معها من الجزائر في جويلية 1962، مضيفين بأنهم يعيشون منذ ذلك الحين "في المجهول" على الأرض الفرنسية. * وندّد الثلاثة بقرار لوي جوكس الشهير الصادر في 1962، والذي يأمر الضباط الفرنسيين بأن لا يصطحبوا معهم أيّ حركيّ في طريق عودتهم إلى فرنسا، ولوي جوكس هو وزير أسبق في الخارجية الفرنسية كان مكلّفا بالشؤون الجزائرية سن هذا القرار تطبيقا لسياسة الجنرال ديغول الذي كان يرى الحركى عبئا على فرنسا عليهم تحمّل خياراتهم لوحدهم، غير أن كثيرا من الضباط الفرنسيين تمرّدوا على هذا القرار واصطحبوا معهم الكثير من الحركى إلى فرنسا، وتحججوا أمام سلطات بلادهم إذ ذاك بأن جيش التحرير الجزائري سيقتل هؤلاء الحركى إن لم يفرّوا، قائلين بأن جيش التحرير قتل الكثيرين منهم أيا م كانت فرنسا تحتل الجزائر، وحذّروا حكومة بلادهم بأن مصير هؤلاء سيكون الموت إن هُم بقوا في الجزائر. * ويُضيف أحد أبناء الحركى المعتصمين قائلا بأنهم كأبناء حركى سئموا من نظرة الشباب من أبناء المهاجرين الجزائريين غير الحركى، حيث يعتبرونهم خونة أيضا كما كان آباؤهم قبل استقلال الجزائر، ويقول عبد القادر بأن أباه والكثيرين من أمثالِه قاتلوا جبهة التحرير الوطني التي كانت تُقتّل الجزائريين في كل حين، على حد تعبيره، مستغربا كيف تعاملهم فرنسا اليوم بعنصرية وتمييز وكيف تتنكّر لهم ولأبنائهم ولا تردّ لهم "جميل" آبائهم الذين خدموها طيلة فترة وجودها في لجزائر. * وقال عبد القادر "لقد أراد الحركى مثلهم مثل غالبية الجزائريين أن تبقى الجزائر مقاطعة تابعة للجمهورية الفرنسية تعيش تحت راية المساواة والأخوة مع الفرنسيين كما هو الحال مع جزر الرينيون أو المارتينيك، لكن ديغول أراد غير ذلك.." على حدّ قوله، في إشارة إلى أن ديغول هو الذي منح الاستقلال للجزائر.. وأضاف عبد القادر " لو أراد ديغول أن تبقى الجزائر مقاطعة فرنسية لكانت الجزائر اليوم متقدّمة ومتطوّرة بشكل كبير.. ولمَا هاجر الجزائريون اليوم إلى فرنسا لأنهم كانوا سيكونون في ديارهم وفرنسيين أيضا.." وتضيف الزهرة بن قراح "الغالبية العظمى من الجزائريين لم يكونوا يريدون الاستقلال خاصة تحت راية جبهة التحرير الوطني التي كانت عبارة عن أقلية مجرمة ترهبُ الشعب الجزائري منذ سنوات طويلة". * وتساءل الثلاثة المعتصمون عن تنكّر فرنسا لهم ولآبائهم ونسيانها إياهم في المحتشدات التي رمتهم فيها إثر التحاقهم بأراضيها، قائلين بأن الديغوليين هم الذين رموا آباءهم في محتشدات النسيان، وأنهم تلقوا وعودا من سياسيين فرنسيين مناهضين للتيار الديغولي تعِدهم بتسوية وضعيتهم فور رحيل الديغوليين من السلطة، لكنّ شيئا من هذا لم يحدث- يقول المعتصمون- "لقد رحل الديغوليون ورحل آخر رجل فيهم قبل عامين، ولازلنا نسمع الوعود نفسها..حتى ساركوزي وعدنا واستعملنا كورقة انتخابية في الرئاسيات التي فاز فيها ولم نر شيئا من كلامه إلى الآن". * وأورد المعتصمون وعود ساركوزي بالحرف قبل انتخابه رئيسا لفرنسا، حيث قال ساركوزي في حملته الانتخابية " إذا انتُخبت، فسأعترف رسميا بمسؤولية فرنسا عن الإهمال والمآسي التي طالت آلاف الحركى.." ويقول أبناء الحركى بأن ملفّهم هو "الملف الرهيب الذي إذا ما تجرّأت فرنسا على فتحه بجدّيّة فسيكون انفجارا كبيرا في وجهها..".."الإيليزي يعلم بأن ملف الحركى هو صندوق الغرائب والعجائب التاريخية والسياسية التي سيفتحها على نفسه معا"، ويتحدى هؤلاء الحكومة الفرنسية بأن تفتح هذا الملف مع اقتراب الذكرى الخمسين لاستقلال الجزائر والتي ستكون في العام 2012.