فاطمة جندار محاورة مبعوث الشروق إلى تركيا "رغم قوانين الدولة التركية إلا أني حفظت القرآن، وعائلتي سر نجاحي" بين جبال الأناضول التركية الشاهقة، وتحت إحدى أشجار بلدية "طاوشانلي" الفارهة، التقينا صدفة بالحائزة على الجائزة الأولى في مسابقة القرآن الكريم في كل تركيا، التي يرافقها أبوها في كل تنقلاتها.. فاطمة جندار.. شابة ذات 18 ربيعا، متنورة بنور القرآن الكريم، ومتخلقة بأخلاقه.. * * هي حافظة لكتاب الله، ومُجيدة في تلاوته، حصلت رمضان العام الماضي على الجائزة الأولى في المسابقة الوطنية للقرآن الكريم، وتفوقت على الكثير من أقرانها فيها.. تتحدث بدبلوماسية كبيرة وتنتقي كلماتها انتقاء، حتى ليُخيّل للمستمع أنه يكلم أستاذا متمرسا، أو مسؤولا مُتحرّسا.. * تتحدث فاطمة في هذا الحوار عن جوانب من سيرتها مع القرآن الكريم، كما تبدي رأيها في بعض القضايا المطروحة في شخصها وحياته.. * * * بداية، هل لك أن تقدمي للقارئ العربي من هي فاطمة؟ * بسم الله، أنا فاطمة جندار، أبلغ من العمر 18 سنة، أدرس بالثانوية العامة السنة الثالثة، أنا أكبر فرد في عائلة جندار ولي أخوان أصغر مني إبراهيم ويوسف. * * * ماذا عن والديك؟ * والداي حافظان للقرآن الكريم، أبي يشتغل بالمهن الحرة، وأمي محفّظة قرآن بأحد مراكز التحفيظ ب "طاوشنلي"، وقد اجتهدا في تربيتي وتربية أخويّ تربية دينية أخلاقية، أسأل الله أن يرزقنا برهما. * * * كيف حفظت القرآن الكريم؟ * عائلتي كانت هي المركز الأول الذي ساعدني على حب القرآن وحب أهله، وكما قلت لك أمي حافظة للقرآن وقد كانت تعلمني بعض الأبجديات. وقد كنت أردد كثيرا وراءها وأنا صغيرة حينما كانت تقرأ وردها من القرآن، فيمكن القول إن محيط عائلتي هو ما ساعدني على أن أحفظ القرآن بعد بلوغي 15 سنة. * * * ولماذا انتظرت حتى هذه السن لتحفظيه؟ * عندنا في تركيا قانون يمنع تعليم وتحفيظ القرآن قبل السن 15 سنة، بخلاف عندكم في البلاد العربية، حيث سمعت أنكم تتمتعون بحرية أكبر في حفظ القرآن. * * * وما رأيك أنت في هذا القانون؟ * أفضل ألا أعلق على قانون موجود بالبلد، لكن بصفة عامة أقول إننا مجبرون في تركيا على التقيد بنظام الدولة. * * * لنعد إلى قرآنك، ما هي المدة التي استغرقتيها لحفظ القرآن؟ * قضيت فيه سنتين من الحفظ والتثبيت وتعلّم أحكام التلاوة والتجويد. * * * هل لاقيت صعوبات في حفظ القرآن؟ * لا أعتقد أن أي حافظ يريد أن يختم القرآن سيجد صعوبات، إلا إذا كان غير مقتنع بما يفعل، لأنني شخصيا كنت أستمتع بكل لحظة وأنا أحفظ فيها آيات وسور القرآن الكريم. * * * أقصد صعوبات الحفظ من حيث طريقة الحفظ وتثبيت المتشابه من القرآن وغيرها؟ * آه، أما هذه فأنا أراها ضروريات الحفظ وليس صعوبات، وهي عادية تتطلب بعض الجهد والتركيز والإخلاص. * * * حدّثينا عن المسابقات التي شاركت فيها؟ * شاركت في المسابقات التي نظمها المركز الذي كنت أحفظ القرآن فيه، وكنت الأولى من بين كل المشاركات والحمد لله، فقد تفوقت على الكثير من قريناتي بفضل المجهود الذي بذلته معي أمي وباقي المُحفّظات، والحمد لله أن وفقني لذلك. * * * وماذا عن مسابقات البلدية؟ * خلال المسابقة التي أعلنت عنها بلدية طاوشنلي، شعرت أني كنت متحمسة لدخول تلك المسابقة، وبالفعل شاركت فيها وقد تحصلت على المرتبة الأولى من دون عناء لأنني كنت متمكنة من حفظي ومن إتقاني لأحكام التجويد. * * * وماذا عن المسابقات الأخرى أين كانت؟ * شاركت في مسابقات عديدة نظمتها عدة مراكز من مختلف أرجاء الوطن، ولم أذكر أني تحصلت على مرتبة من غير الأولى. * * * حدّثينا عن المسابقة الوطنية، وكيف نجحت فيها؟ * من خلال بروزي في المسابقات المحلية رُشّحت لأن أشارك في المسابقة الوطنية وتمثيل منطقتي في تلك المسابقة من رمضان العام الماضي، وبعد منافسة شديدة بفضل الله تعالى تحصّلت على المرتبة الأولى من بين عشرات المشاركات فيها، والحمد لله أن وفقني لذلك. * * * علمت أنك لا تعرفين أية كلمة من العربية، فكيف تجيدين تلاوة القرآن بهذا الإتقان؟ * (تبتسم)، الحقيقة أنني أعرف كلمة "السلام عليكم" وبعض الكلمات التركية التي علمت أن أصلها عربي، لكن حقيقة لا أفهم من يكلمني بالعربية شيئا، لكني أعلم أمرا أنني أتقن قراءة القرآن الكريم بالعربية أحسن من آلاف العرب، والحمد لله أنه خصني بهذا الفضل. * * * بصراحة.. فاطمة، كيف تشعرين الآن بعد فوزك بهذه المسابقة؟ * الحقيقة أنه خلال إعلان اسمي كفائزة في المسابقة شعرت بفرحة كبيرة تغمرني، وأيضا شعرت بخوف مصاحب لتلك الفرحة، فقد خشيت ألا أكون في مستوى القرآن الذي شرفني به الله.. لكن بعد المسابقة أشعر بمسؤولية أحملها على عاتقي وأشعر بتغير نفسي لأنني صرت شيئا مفيدا في مجتمعي.. * * * وكيف تعيشين حياتك اليومية فاطمة؟ * كأي بنت تحلم أن تكون مفيدة في مجتمعها، أنوي أن التحق بمدرسة الأئمة والخطباء حتى أخدم القرآن إن شاء الله. * * * وما هي صفات الشاب الذي تنوين الارتباط به؟ * أن يكون متدينا وخلوقا وحافظا للقرآن الكريم مثلي. * * * وهل ستقبلين بزوج يفرضه عليك والداك؟ * لا أعتقد أنهما سيفرضان علي شيئا بمن في ذلك الزوج، لأن تربيتهما لي علمتني أن أتخذ القرارات المناسبة، لكنني أقول إنني لن أوافق على الارتباط بأي شخص يتقدم ما لم يوافق عليه والداي، هذه قاعدة بالنسبة لي. * * * وأنت سيدي (السؤال موجه لأب فاطمة)، هل توافق على ما قالته ابنتك فاطمة في هذه النقطة؟ * طبعا، هي حرة في اختياراتها، وأنا أو أمها لن نفرض عليها أي شخص، المهم أن يكون متدينا ومتخلقا بأخلاق الإسلام. * * * هل هناك عادات كنتم تدأبون تلقّنون فاطمة عليها في صغرها؟ * لا شيء ذا خصوص في هذا الأمر، إلا أنني أذكر أن زوجتي (والدة فاطمة) كانت تقرأ القرآن على كأس الماء وتناوله فاطمة لتشربه، وأيضا ربما الوسط العائلي ساعد فاطمة على البروز، فأنا حافظ للقرآن الكريم، وزوجتي حافظة، وحماتي أيضا حافظة للقرآن، ولهذا أتصور أن هذا هو السر الذي جعل فاطمة على ما هي عليه اليوم. * * * بالعودة إليك فاطمة، ماذا تعرفين عن العرب من حيث ثقافتهم واهتماماتهم؟ * أصارحك القول إنني أجهل الكثير عن اهتمامات العرب حاليا، وهذا راجع بالأساس إلى جهلي باللغة. وربما كوني تركية يعتبر تقصيرا مني، لكن أشدد على شيء وهو أنه لن يكون هناك تركي دون عربي ولا عربي دون تركي، لأننا نحن أمة واحدة وحدها الإسلام. * * * وبماذا تنصحين من سيقرأ هذا الحوار من العرب؟ * أنصح إخوتي العرب أن يحفظوا القرآن الكريم ويعيشوا به.