يبدو أن بعض العناوين، بدلا ما تكون جادة، مهنية في عملها، أصبحت تسبح وتغرق في المياه العكرة، وبدلا ما تتأكد من لون وطبيعة المأكولات أصبحت تتصيّد الرائحة. فاختلطت عليها الروائح والألواووالأطعمة.. فأصابها مرض العمي وقصر النظر..! * يوميا بعض العناوين بدلا أوتقوم بدراسة الحادث بعيدا عن كل إيديولوجية، وبحيادية ومهنية تحاول جعل من القبة حبة.. ومن الحبة قبة، بالتضخيم والتقزيم والافتراء والجرح والتعديل.. ومن ثم لا تقف عند الخطأ الوحيد أو الثاني.. بل تتابع أخطاءها حتى يكون لها سقوط حر.. وما أكثرها في المشهد الإعلامي الجزائري..! * فبعض المآسي الإنسانية قد تبدأ من خلال الإعلام المكهرب، فتنشر الكراهية والعنصرية أو إقرار العديد من القيم المنافية للأخلاق والقيم الإنسانية، مما تسبب العديد من الحروب، والأزمات، وذلك في تناقض مستمر مع مختلف المواثيق والمعاهدات الدولية والإقليمية المنظمة للمهنة، فحرب الإبادة بين التوسي والهوتر انطلقت شرارتها الأولى من خلال إذاعة "القلل السبع".. والحملة ضد الرموز الجزائرية بدأت من طرف العديد موالفضائيات المصرية، متجردة عن كل مهنية فأصبحت تلعب بالنار، والتي بدأت تحرقها وتلك قصة أخرى... * وقس نفس الصورة على المستوى المحلي وبدرجات أقل للعديد من الصحف أو وسائل الإعلام لما تنعدم فيها المهنية، وروح المسؤولية..! والمقصود منها أن الصحف، أو العناوين لما تتجرد من بعض أخلاقيات المهنة، قد تنحرف عن روح رسالتها، وأساس وجودها، من ذلك تلفيق أخبار دون التحقق في المصدر، أو الانتقائية في سرد المعلومات أو أحيانا تسيس الأخبار بما يخدم أهدافها.. وما أكثرهم في جزائرنا من مهرجي السلطة وواقديّ البخور.. * لذلك يجب من مراجعات جدية في المجال الإعلامي، والابتعاد عن إعلام الفلكلور، أو إعلام الفتنة أو إعلام التهريج، بل أحيانا البعض من العناوين تبيع الرخيص بالغالي لاقتناء ليس الغالي، بل الأرخص منه قيمة، وذلك ما عرفته من خلال تجربتي المتواضعة والجد بسيط في المجال الإعلامي.. فقد تكون لها دوافع وبواعث، ولكن في العديد من الأحيان الدافع الوحيد أساسها حسابات شخصية، ممزوجة بغلافات إيديولوجية وبألواووأطياف سياسية... * فحتى تكون الصحافة مهنة وليست تجارة، يجب إعادة الهيكلة المهنية للصحافة من مدرجات الجامعة وصولا إلى "حرفة" أو مهنة "الصحافي"، فأخلاقيات المهنة والاحترافية تلقن،قبل أن تمارس، تعطي قبل أن تشاع بين أبناء المهنة، وفي المقابل "فاقد الشيء لا يعطيه"، ولكل حرفة أومهنة أسرارها وخباياها، وسر مهنة الصحافي شرفه ومصداقياته واحترافية. وما أكثر العناوين التي تفتقد لهذه المنطلقات، فيوميا تطالعنا العديد من العناوين بصورة وأخبار على شاكلة "ما يطلبه المستمعون"، أو ما يساير "الموجة" ولو على حساب المهنية، فينزلق ويقع في الفتنة، ولعن الله من أيقظها..! * و نحن البلد الوحيد، الذي تنمو فيه العناوين كالفطريات وتزول كزوال الديناصورات، بحكم أن المنطلقات كانت تجارية ولم تكن مهنية ، دون أن ننسى دور البيئة القانونية وقوانين المنافسة التي قد تساعد على حساب الجيد لسر في نفس يعقوب، وما أكثرهم..! فالقليل ثم القليل معلق كالشاة يعرف فصيلته ومنشأه، وإنني اليوم تناولت موضوع الإعلام بصفة عامة، والصحافة بصفة خاصة، على خلفية حرية الرأي والإعلام والفكر ليقيني الجازم، أنه لا تستقيم ديمقراطية حقة دون وجود إعلام حر، موضوعي، حيادي، مهني. فالديمقراطية "المغشوشة" أو "العرجاء" تكون مبنية على أساس إعلام قائم كمجرد ديكور، أو رقم أو ساحة تجميلية دورها اللعب وليس المهنة..! * وأحيانا قد يصل هذا التدحرج والرداءة، إلى أن يصبح العنوان أو الجريدة تتنصل عن مجتمعها، وتحارب خصوصيات المجتمع بدواعي الحداثة والتطور وغيرها من المسلمات التي لا يرفضها أي عاقل، ولكن قد تغرر عن معطيات بعيدة عن ثوابت الأمة ومبادئه، وإنني لن أذكر عناوين بحد ذاتها، ولكن هي معروفة لدى أفراد المجتمع.. فأحيانا هذه العناوين نادرا ما تكون جزءا من حل الأزمات، بل تكون جزءا من المشكل وتأزم الوضع..! والفاهم يفهم .