البعد الديني في أغاني علاوة زروقي * برز البعد الديني في أغاني علاوة زروقي بقوة، وهذا أمر طبيعي لنشأته الدينية، ولانتشار الثقافة الإسلامية بقوة في بلاد الزواوة. فذكر في سياق الدعاء والتضرّع عدة مصطلحات دينية، شملت الله (أيَا غلِيذ ْ مُولانَا)، و(رَبّي ألعَالِي گتشْ ذلقاوي)، و(الله ينصر المجاهدين)، والرسول(ص) أحيانا (أتسْخِيلگْ أفافْ نَشفاعَه)، وبعض أسماء أولياء الله الصالحين (أصَلاّحْ إقاوَاوَنْ، أذعُوثْ أرَبّي أرْ دِعِوَنْ)، و(سَادَاتْ لحْرُورْ)، و(أصَلحِينْ ألبَرْ، اُولبْحُورْ)، و(سيدي عِيشْ أريفْ وَاسِيفْ/ ثَكْسَضْ ألحِيفْ/ يَا مُولْ البُرْهَانْ يَقوَانْ)، التي كان الناس يتبركون بها. * وكانت صرخات التضرع إلى الله ورسوله وبركات الأولياء، بمثابة بلسم نفسي يخفف من لسعات الشوق والحنين، ويعد مفتاح الفرج للمهاجرين وأوليائهم المعذبين بلوعة الفراق. واستطاع هؤلاء التمسك بأهداب الأمل بفضل هذه الثقافة الروحية، التي حالت دون تسرب اليأس إلى قلوبهم رغم المعاناة الكثيرة. * أما زاوية أحمد أويحي بأمالو (عرش آث عيذل)، التي تعلم فيها، فقد قال عنها في أغنية (لوْجَابْ أنْ وَاسَا): * - أطِيريوْ سَافَرْ وَعْجَلْ * - ذِي ألهَوَا أوي أمَشْوَارْ * - أفْريذِيگْ أرَاثْ عِيذلْ * - سَلمِيي أفْ سَادَاتْ لحْرَارْ * - عَدِي أذ ْ وَفريذ ْ نَسّاحَل * - أرُومَالُو أنْدَا ثدِيضْ * - أسِيذِي حَندْ اُويَحْيَ * - الله ينصر المجاهدين * (يا طائري سافر على عجل/ واقطع مرحلة في الأجواء/ طريقك إلى آث عيذل/ وبلّغ سلامي للأولياء الأحرار/ مُر عبر طريق الساحل/ نحو وجهتك، أمَالوُ/ بجاه أحمد أويحي/ الله ينصر المجاهدين). * ويعد المدح الديني (أذكّرْ) في بلاد الزواوة، أساس الغناء، كان يلازم الناس في كل مجالات حياتهم، في غدوهم ورواحهم، في الحقل، والبيت، يستعين به الرجل في الأشغال الفلاحية، وتستعين به المرأة في أعمالها المنزلية، كأشغال النسج، وصناعة الفخار، وحلب الأنعام، وفي تربية الرضع والأطفال، تهدهدهم بكلماته وموسيقاه، وتبعد بهما عنهم عين السوء، والأرواح الشريرة. وهناك بعض القرى التي كان أهلها يعقدون جلسات الحضرة بعد صلاة الفجر، وصلاة المغرب. * وملأت هذه الثقافة الروحية قلوب الناس بفُسَح الأمل، فساعدتهم على التشبّث بالحياة، رغم البؤس والفقر الذي يشيب لهولهما الولدان، خلافا لزمننا هذا الذي شهد ظهور آفة الانتحار التي انتشرت في أوساط الشباب بشكل مخيف، جراء الفراغ الروحي الذي جعلهم ينهارون أمام مشاكل الحياة اليومية. * هذا وقد تجلت الثقافة الدينية في أغاني علاوة زروقي بوضوح كبير، بصفتها بلسما لمشاكل المهاجرين الغارقين في الرذيلة، كالقمار والخمر والجنس، وهذا مقاطع من أغنية »آه يا ربّي«: * - أذصَلِيغْ فلاگ أنْبِي * - گتشي ذامَنزُو نلسَاسْ * - ألجيلْ أقِي ذلوَسْوَاسْ * - بَزّافْ إيْعَدَا ثِيلاسْ * - عَلَنْ لحْرَامْ عِينانِي * - أنْطامَاعْ أذيَالِي وَاسْ * - (الصلاة عليك يا رسول الله/ أنت حجر الأساس/ هذا الجيل خابل/ تجاوز المدى/ سعيه في الحرام/ وينتظر النجاة) * - وَاڤي ذلقَرْنْ أربَعْطاشْ * - أرْنودْ لحْسَابْ أجْذيذ ْ * - أغلينْ يَاكْ مَدَنْ ذِي أنعَاشْ * - الدِينْ أيْرُوحْ يُوغ ْ أفريذ ْ * - إلسَاوَنْ رَضْبنْ أمْ لحْريرْ * - اُولاوَنْ يُوليثَنْ أصْذِيذ ْ * *** * - (هذا زمن القرن الرابع عشر/ زدْ له الحساب الجديد/ سقط الناس إلى العالم السفلي/ ولم يعد للدين الصدر/ الألسن ذات طراوة الحرير/ والقلوب مفعمة بالصدأ) * - أذصَلِيغْ فلاگْ أنبي * - سَلعَدْ إقنْوَانْ سَبْعَا * - أ گنَانْ فلاگ المُولوكْ * - أرْنانْ ألعِيبَاذ ذِي ألقاعَه * واڤِي أطمَاناگْ أنْبي أرْسُولْ * - أذگتش أيْ ذبْريذ ْ نَشْفاعَه * (الصلاة عليك يا نبي/ قدر ما حوته السماوات السبعة/ سجد لك الملائكة/ والبشر في الأرض/ أغِثنا بضمانك/ فأنت الشفيع لنا). * أما أغنية (يَا رَبّي ألحَنِينْ) ذات المسحة الوطنية، فقد جاءت مفعمة بالشحنة الروحية، وهذا مقطع منها: * - بسم الله أرْنبْذو أسَفْرُو * - ثاصَبْحِيثْ عَلامْ لفْجَرْ * - أشّيخ ْ يَدّنْ ثِيطْ ثتسْرُو * - ثحَزنَضْ أوي لانْ ذلحَرْ * - وي مُوثنْ رَبّي أسْ يَعفُو * - ذِي ألجَنثْ أذ يَزذغ ْ لقصَرْ * (بسم الله أخط قصيدة/ في وقت الفجر/ سال دمعي وقت الآذان/ فأولى بالأحرار أن يحزنوا/ فالمغفرة لمن استشهد/ جزاؤه قصر في الفردوس). *
* الأغنية الثورية * شارك علاوة زروقي في الثورة الجزائرية، منذ سنة 1956م، ضمن فيدرالية فرنسا، رفقة فريد علي، وميقاري سليمان، أعراب أوزلاڤ، وعمراوي ميسوم((1. وتغنّى بالثورة الجزائرية بالتلميح والتصريح قبل وبعد الاستقلال، ومن أشهر أغانيه في هذا الموضوع، أغنية (لوْجَابْ أنْ وَاسَا / الخبر المشؤوم) التي خصصها لاستشهاد العقيد عميروش، مركزا على وصف الفترة الموالية لاستشهاده، حين عرض الفرنسيون جثمانه على الناس للتأكد من هويته، جاء فيها قوله: * - واشو لوجاب أن واسا * - أيوليو أحزن * - يوضد لخبار أر ثادارث * - ذي ثجماعث ميثيد سرسن * - ألْوَعْذ أرْبيّ * - سُوفغندْ ألغاشِي أثْ عَقلنْ * - إزْريوْ سِيمَطِي يَمْحَى * - يَهْلكْ يَنشفىَ * - مَا ذولِيوْ يُوڤِي أذ ْ يَصْبَرْ * (يا له من خبر مشؤوم/ الحزن أولى بك يا قلبي/ إلى القرية ورد الخبر/ وفي الباحة عرضوا جثمانه/ تلك إرادة الله/ أخرجوا الناس للتعرف عليه/ فجفت مقلتي من فرط البكاء/ جادت حتى هلكت/ واستعصى الصبر على القلب). * * أغنية الاستقلال * فرح علاوة زروقي - كغيره من الجزائريين الأحرار - باسترجاع السيادة الوطنية والاستقلال، وعليه فمن الطبيعي أن تجود قريحته باغنية (لعْلامْ ألزَايَرْ)، تحدث فيه عن صعود العلم الجزائر إلى عنان السماء، مقابل سفول الخونة (الحركى) إلى الدرك الأسفل من الذلة والهوان، وهذا مقطع منها: * - لعْلامْ ألزَايَرْ يُولِي * - أيْعَلىّ ذڤْ ڤنّي * - أمَاڤورْ ألعِيذْ أمُقرَانْ * - يَتْرَفْرفْ يَرّى ثِيلِي * - سُبحانك يا عظيم أشّانْ. * (صعد العلم الجزائر/ إلى عنان السماء/ كهلال عيد الضحى/ يرفرف، وظلاله وارفة/ سبحانك يا عظيم الشأن). * أما الحركى فقد وصفهم بقوله: * - إوْحَرْكِي أيْنكرَنْ لصلِيصْ/ إيزَنْزْ ثامُورْثِيسْ/ إيْروحْ يَدّا أذ يَعْذاوَنْ * - ثاحَرّاسْث يَرّاتسْ ذڤْ ذِيسْ/ قَزْنِيقْ يَتْحَويسْ/ يَاكْ أيْفُوكْ أنِيفْ ذايَنْ * - أڤْ زكّا ألمُوث أخِيريسْ/ يَمْضلْ ألْ عَريسْ/ إثِيفنَانْ ذِي مَطّاوَنْ * (تنكر الحركي لأصله/ وباع وطنه/ واختار صف الأعداء) * (بالمسدس في خصره/ يتبختر في الشارع/ على حساب عِرضه) * (القبر أولى به/ لدفن عاره/ وحالته مدعاة للبكاء). * تلكم هي باختصار خصائص أغاني علاوة زروقي، التي مازالت رائجة بقوة في المجتمع، لما تحمله من أصالة، وعمق المعاني، عبّرت بصدق عن قضية الهجرة وما نجم عنها من التمزّق العائلي. هذا ولا شك أن حياته تستحق التفاتة من أهل السينما والتلفزيون، لإنجاز فيلم عنه يكون بمثابة تكريم لهذه القامة الكبيرة، علما أن صوته في حد ذاته يعد - برأي العارفين - أجمل الألحان. * * الهوامش * 1- Rachid Mokhtari, Slimane Azem, Allaoua Zerrouki * Chantent Si mohand u Mhand, Les»زمن« هيئة الأركان العامة