بعد كل ما تقدم نرى من الضروري إعطاء بعض المشاهد المحتملة والمتوقعة لنهاية ما يسمى القاعدة في الجزائر، وطبعا النهاية الحتمية التي هي من مقتضيات صيرورة الحياة لا يعني مطلقا نهاية الفكر الجهادي أو قتال الإنسان لأخيه الإنسان، وبلا شك سيبدأ موعد آخر وفق طبعة قد تختلف في شكلها وزمنها لكن يبقى الإشكال واحدا وهو الدم. * المشهد الأول: النهاية الأمنية بسبب الإخفاق العسكري، فقد حاولت بحرب العصابات خلال تجربة الجماعة المسلحة "الجيا" وفشلت وانتهت من الوجود بتوقيف آخر أمرائها في 2004 وهو نورالدين بوضيافي المكنى "حكيم الأر بي جي"، بعدها جاءت العمليات الانتحارية على يد بقايا "الجيا" في الجماعة السلفية ولم تحقق لهم سوى الدعاية الإعلامية التي تنتهي ولا تعود عليهم بالفائدة المرجوة وهي دائما توريط الجزائر دوليا، وما يحدث هو خسائر لعناصر مهمة من تنظيمهم سواء المنتحرين أو أثناء رد الفعل والتمشيط المضاد الذي غالبا ما يحقق إصابات. * فالعملية الانتحارية يراد منها تحقيق أكبر الأضرار وأكثر الصدى من دون جهد عسكري كبير، فالأمر لا يكلفهم سوى بعض المتفجرات ومركبات أو حزام وشخص مهلوس بأفكارهم. أما المواجهة العسكرية المباشرة في الجبال فقد صارت متعذرة نظرا لنقص العتاد والإمكانيات وأيضا الجيش يستعمل أسلحة ثقيلة وذكية تدمر حتى المخابئ المحصنة تحت الأرض وفي الكهوف، ولهذا صاروا يقتصرون على عمليات مباغتة وغدر تستهدف مراكز حراسة متواضعة أو كمائن تترصد لسيارات شرطة ودرك وحرس بلدي أو قنابل تزرع في الطرقات. وهذا لا يعني مطلقا القوة التي يتمتعون بها بقدر ما يؤكد على التضعضع والإمكانيات المحدودة التي تفرض عليهم البحث عن الترويج للترويع واستعراض القوة من خلال أشرطة تبث بعد تمحيص واسع وحيل إلكترونية. والتي يراد دوما وصولها في أفضل شكل للقيادة في أدغال باكستان وأفغانستان لأن وسائل التوصيل التقليدية صارت شبه مستحيلة. * فلغة المواجهة المباشرة مع القوات الرسمية ستعجل بلا شك نهاية هذا التنظيم أمنيا، وهو الذي صار يحدث خلال هذه الفترة الأخيرة حيث تم القضاء في 2009 على أكثر من 300 عنصرا بينهم 12 أميرا من أخطر عناصر التنظيم، وفي شهر واحد تم القضاء على 4 أمراء (حسين هجرس أمير سرية زموري، بلال النذير أبوعدلان من إمارة الغرب، نوح ابوقتادة السلفي مسؤول التنسيق للتنظيم...). ونذكر أيضا على سبيل المثال في فيفري 2009 تمّ القضاء على بلعيدي أحمد المكنى سليمان وهو من مواليد 28 / 07 / 1956 والتحق ب "الجيا" في 1993 ويعتبر قائد أركان درودكال وأمير اللجنة الطبية. أيضا القضاء على سفيان فصيلة المكنى سفيان ابو حيدرة أمير المنطقة الثانية، وعبد الحميد أبو تراب أمير كتيبة الفاروق، ورابح. ش المكنى أسامة أبو إسحاق والمتخصص في تفخيخ السيارات، رومان قدور المدعو أبو البراء أمير سرية بني عمران... الخ. وتم توقيف حوالي 400 عنصرا بينهم 72 مسلحا والبقية من جماعات الدعم والإسناد التي تعتبر صمام الاستمرار والبقاء لوقت أطول. * المشهد الثاني: الاستسلام للعجز أو التوبة للفتوى أو المراجعات أو القنوط من طريق صار مسدودا، حتى أنني سمعت من بعض المساجين كانوا قياديين في الجماعات المسلحة يرددون النقمة وعبارات الكفر بكل من كان سببا في اختيارهم لذلك الطريق الذي أفقدهم أسرهم وضيع مستقبلهم. وفي سياق هذا الحديث يوجد أمراء سلموا أنفسهم وعلى رأسهم حسان حطاب الذي صار من العرابين للمصالحة، وقد انضم لهم أيضا عمار صايفي المكنى عبد الرزاق "البارا" وآخرون، كما يجري الحديث عن مراجعات تعكف عليها مجموعة من المساجين القدماء ممن يشهد لهم بالعلم والفقه. وتشير مصادر أمنية إلى أن الذين سلموا أنفسهم خلال 2009 فقط قد تجاوز عددهم 30 عنصرا من بينهم 3 قياديين بارزين. * تفيد معلومات تحصلنا عليها أن أكبر خطر يحدق ب "الجماعة السلفية" وصار يشكل هاجسا لدرودكال وحاشيته القيادية هو اليأس الذي صار يسري بين الجند بسبب أنه لم يتحقق أي شيء على مدار ما يقارب العشرين عاما من القتال سواء من طرف قدماء المقاتلين أو حتى الجدد منهم، بل منهجهم الدموي زاد في قوة النظام وكفر الشعب بهم وبأطروحاتهم. ولم يجد درودكال من حلّ لمواجهة هذا التذمر واليأس سوى الدروس الروحية والترغيب بحور العين وكرامات الشهداء ومنازلهم والترهيب من الردة والتخلي يوم الزحف. حتى أن معلومات أخرى تفيد أنه يدفع أحيانا إلى التخلص من العناصر التي يرى اليأس قد سيطر عليهم إما بالعمليات الانتحارية أو بدفعهم إلى المغامرة في مواجهات قاتلة أو حتى التخلص منهم باغتيال مدبر بطريقة لا تثير الشبهات. * المشهد الثالث: المواجهة الداخلية بسبب الغنائم والريع أو خلافات دينية جوهرية ومذهبية طالما لم تغب من إشعال فتيل الموت بينهم، وسبق أن نفى التنظيم في بيان له وجود خلافات وصفها بالأراجيف التي تثبط العزائم، والرد في حد ذاته وإن كان بالإنكار يفيد وجود خلافات لأنه ليس من عادة التنظيمات المسلحة أن ترد على ما يروج له إعلاميا إلا في حال تأثيره البالغ على عناصرها. وأيضا حدثت مواجهات داخلية أسفرت عن سقوط قتلى بسبب المصالحة الوطنية. أيضا جرت تصفيات أقدم عليها درودكال إما بشبهات تلحق بعض العناصر وتتمثل في التعاون مع المخابرات أو ممن يعتقد أنهم سيفرّون للاستفادة من العفو أو اليائسين كما ذكرنا. * المشهد الرابع: النهاية بسبب الأمراض والأوبئة الفتاكة التي أصابتهم من قلة التغذية وانتشار الأوساخ والقمل والأكل غير الصالح والمنتهي الصلاحية وأحيانا يصل الأمر بهم إلى أكل أعشاب مضرة أو حتى المخلفات الآدمية والحيوانية، أو الانقراض بسبب قلة التجنيد وقطار العمر الذي يجري بهم. وقد تناقلت الصحف في فيفري 2009 أنباء عن مقتل أكثر من 40 عنصرا بسبب انتشار الطاعون، فضلا عن انتشار الجنون والانفصام والجرب والسل وداء السكري والتسوّس وضغط الدم وأمراض القلب والإعاقات بسبب الجروح التي يتعرضون لها ولا يتم علاجها بصفة سليمة، حيث تشير معلومات متوفرة لدينا إلى أنه من بين 5 أفراد يوجد عنصر على الأقل تعرض لإصابة بليغة. أميرهم عبد المالك درودكال نفسه مصاب بشظايا في بطنه وفخذيه ويعاني من عجز كلوي ويقضي جل وقته في أحضان زوجتيه بمغارة أعدت له خصيصا حسب معلومات حصرية. * حتى الشريط الأخير (ديسمبر 2009) الذي حمل عنوان كتاب لأمير الأفغان العرب عبد الله عزام "التحق بالقافلة" اظهر معدّوه مشاهد وصورا لجيل جديد حيث تعمد تركيز الكاميرا على وجوه مراهقين ممن قدموا على أنهم في دفعة تكوين، أريد منها الإغراء لأجل التجنيد وأيضا هي رسالة تدخل في إطار الحرب النفسية ومسابقة الزمن على النهاية التي صاروا يدركونها، بل هي الشجرة التي تغطي غابة العجز الذي صار يصيبهم في مقتل، وهو ما اعترف به المكنى أبو محمد العثماني من الجزائر في مارس 2008، حيث أكد على أنهم عاجزون ماديا وبشريا والمواطنون ينفرون منهم لأنهم يعدونهم من الخوارج، وتشير بعض المعلومات الأمنية إلى أن درودكال أمر بجمع كل الشبان المتناثرين هنا وهناك والذين لا يتعدى عددهم 20 فردا، من أجل تصوير ذلك الشريط وإظهارهم على أساس أنهم مجندون جدد في مرحلة تدريب على طريقة الكليات الحربية، ومن أجل التمويه المغرض والتلبيس المضلل أطلق عليهم "دفعة أبو حيدرة" مما يوحي للمتابع أنه قد سبقتها دفعات وتليها أخر..!! * وتجدر الإشارة إلى أن قضية المراهقين بالتنظيم قد سبق إظهارها من خلال أطفال ولدوا في الجبال يرددون كلاما لا يفقهون حتى معانيه، ولو أمعنا النظر في المعلومات المتوفرة لدينا والتي جمعناها لأدركنا أن الأمر محدود للغاية. * في سياق الحديث عن إظهار المراهقين والتشهير وبينهم غير المعروفين لدى مصالح الأمن، هذا الموضوع الذي يراهن عليه التنظيم كثيرا من أجل الاستمرار بعض الوقت والتلبيس على الرأي العام. فقد سبق أن أظهروا عبد القهار بن حاج "نجل الشيخ علي بن حاج" الذي هو من مواليد سبتمبر 1988، الذي يرشح أن يكون أبرز الأمراء في المنطقة، عكس ما يحاول الترويج له على أنه أحد الانتحاريين المفترضين مستقبلا. وكذلك تم إظهار آخرين معه مثلا وازة محمد "ابو الوليد العاصمي"، الذي تم القضاء عليه في كمين ببلدية واضية (تيزي وزو) في ديسمبر 2007، وكذلك الانتحاري حفيظ محمد "صهيب أبو مليح". * هذا فضلا من العمليات التي يتم إبرازها والتركيز على بعض منفذيها، نذكر تفجير 09 سبتمبر 2007 الذي هاجم فيه الانتحاري نبيل بلقاسمي "ابو مصعب الزرقاوي العاصمي" الذي لم يتجاوز عمره 16 عاما ثكنة دلس بسيارة مفخخة خلفت قتلى وجرحى. * ولو ألقينا نظرة عابرة على قائمة الانتحاريين المفترضين المطلوبين لدى مصالح الأمن الجزائرية والمتكونة من 32 عنصرا، لوجدنا أسماء ممن يعتبرون من الجيل الجديد المحدود الذي تأثر بالفكر التكفيري في سنّ مراهقة ولأسباب مختلفة، نجد جعوط محمد من مواليد 07 / 10 / 1980 بالحراش، آيت سعيد مزيان المدعو وليد من مواليد 10 / 03 /1983 بباش جراح، خوخي محمد المدعو سفيان من مواليد 16 / 03 / 1981 بسيدي موسى، بكاي من مواليد 21 / 07 / 1979 بعين بسام "البويرة"، سعداوي يونس المدعو حمزة من مواليد 01 / 03 / 1984 بحسين داي، حديد عبد الرحمان من مواليد 09 / 08 / 1983 بالبويرة، يوسف بغدادي من مواليد 07 / 12 / 1982 بغليزان، شعلال سفيان المدعو صخر من مواليد 19 / 07 / 1981، روغيق عبدالقادر من مواليد 24/ 01 / 1982. وللإشارة فقط أن هذا القائمة كان من ضمنها الإنتحاري صخاري مخلوف الذي فجر مركز الإستعلامات بتيزي وزو في 3 أوت 2008. وأيضا نشرت قائمة للعناصر الخطيرة في نهاية ديسمبر 2009 ونجد فيها كريم حرفيش المكنى ابومعاذ وهو من مواليد 1992 بباش جراح، وسمير منصوري من مواليد 1990 بالمنطقة نفسها، وآيت سعيد مزيان المدعو وليد من مواليد 10 / 03 / 1983 بحسين داي، خوخي محمد المدعو سفيان من مواليد 16 / 03 / 1981 بسيدي موسى، لقاط عيسى (22 / 04 / 1983) ببوروبة... * ونذكر أيضا أمير المال للتنظيم واسمه عبد العزيز يوسف كنيته "أبو خيثمة" هو من مواليد 1983، وقد التحق بالعمل المسلح عام 1997 وعمره لم يتجاوز 14 عاما، وقد قضت عليه قوات الأمن في كمين بالقرب من قرية آيت خلفون "تيزي وزو" في منتصف ليلة 08 / 08 / 2008. ونسجل أيضا محمد محجوبي من مواليد 1984 بزمورة "غليزان" وتم القضاء عليه في وهران وهو مشحون ب 8 كغ من المتفجرات في مارس 2008... * أيضا هناك أمثلة نأخذها من القضايا المطروحة على المحاكم، فنذكر مثلا المتهمون في ما يعرف بقضية نجل علي بن حاج، وهما بوعرورة عادل من مواليد 1983 بحي البدر "العاصمة"، وبهلولي فاتح من مواليد 1981 ببومرداس، هناك قضية أخرى نظر فيها أيضا مجلس قضاء الجزائر العاصمة في 05 / 03 / 2008 ومن بين المتهمين فيها والمتابعين بجناية الانتماء لجماعة إرهابية، نجد ح. محمد من مواليد 1980، وأيضا د. نسيم من مواليد 1987. كما نضيف ما يتعلق بأمير كتيبة الفتح ب. وليد وهو من مواليد 02 / 04 / 1984 بثنية العابد وكنيته يوسف أبو الوليد، والذي حكم عليه بالإعدام غيابيا برفقة شقيقه عبد العزيز من مواليد 14 / 04 / 1975. أيضا في نوفمبر 2007 تم الحكم على دنداني رضا وعمره 23 عاما ب 08 سنوات سجنا نافذا بتهمة تمويل الجماعات المقاتلة بالشيشان والعراق، ومن طرف محكمة الجنايات في العاصمة الجزائرية. * تواتي مجيد (24 عاما) وكنيته "ابو المثنى" أصله من ولاية تيارت ويسكن ببئر خادم "العاصمة"، قبض عليه في 06 أفريل 2006 بباش جراح مع تونسي اسمه عبد الرحمان، وتم العثور على أسلحة حربية وقنابل يدوية كانت بحوزتهما، توبع بتهمة تجنيد أبو المقداد الوهراني، الذي نفذ عملية انتحارية بولاية باتنة في 05 سبتمبر 2007. وهذا أغلب ما يمكن اعتباره من الجيل الذي لا علاقة له بالحزب المحظور والذي وصلنا إلى أسمائهم، لتؤكد أن قضية انعدام التجنيد هي أخطر ما يهدد فعليا ما يسمى تنظيم القاعدة.