لأول مرة بعد عودتي من واحدة من زياراتي العديدة للجزائر هذا الموسم أجد صعوبة في اختيار موضوع المقال الأسبوعي ليس بسبب الإرهاق والملل أو التعب، وليس لقلة المواضيع أو ندرتها، بل لكثرتها وتراكم الكثير من المتاعب التي يعاني منها أبناؤنا رغم التزامهم ووعيهم وصبرهم، ورغم ما نتوفر عليه من قدرات وإمكانات وطموحات، حيث لمست الكثير من الخوف والتخوف رغم تجاوز عقبة الانتخابات الرئاسية بسلام، ورغم ما ستمنحه مشاركة المنتخب الجزائري في مونديال البرازيل من متعة وفرجة قد تنسينا كل الهموم والمتاعب، لذلك قررت أن أكتب عن ظاهرة غريبة متفشية على مستويات عدة. الكثير ممن التقيتهم في جزائر بداية العهدة الرابعة لمست لديهم الخوف على أنفسهم من الحقد والتخوين والإقصاء الذي سيطالهم، لأنهم عارضوا العهدة الرابعة أو التزموا الحياد، ولمست لديهم الخوف على الجزائر من استمرار التراجع والتخلف والمزيد من النهب لخيرات الوطن من طرف المنتفعين الذين ازدادت أعدادهم واجتمعوا حول راية الاستمرارية ليس حبا في الرئيس، ولا اقتناعا ببرنامجه، ولكن خوفا على مصالحهم وطمعا في المزيد من المنافع والمكاسب، خاصة بعد ما أدركوا بأن الشعب لم يصوت عليهم عن قناعة واقتناع، ولكنه صوت بدوره خوفا من المغامرة ومن التغيير، ليستمر كابوس الخوف والتخوف لدى الجزائريين إلى حين!! الغريب في أمر جزائر اليوم أن أولئك الذين لم يسبق لهم وأن خافوا أو تخوفوا، ولم يسبق لهم وأن خضعوا أو تنازلوا عن مبادئهم ومواقفهم لم أتعرف عليهم ووجدتهم يدعون إلى التزام الصمت والترقب بحجة أن موازين القوى تغيرت!! وتحالف قوى الشر انتصر ولا يمكن أن يقهر!! وبحجة أن تغيير الحال صار من المحال!! كما أنني لم أتعرف على بعض ممن راحوا ينبطحون ويعلنون الولاء دون قناعة واقتناع في سيناريو ينذر بالخطر على الجزائر ومستقبل أبنائها الذين سيكبرون على نفس ممارسات آبائهم وطريقة تفكيرهم، في وقت تتوجه الكثير من الدول والشعوب إلى المزيد من الحرية والديمقراطية والتنمية الاجتماعية وسيادة القانون، وليس الدكتاتورية والأحادية وعبادة الأشخاص!! لقد تيقنت أن التحالف القائم اليوم هو تحالف ضد الشعب وضد الجزائر وليس تحالفا حول رئيس ومشروع سياسي واجتماعي، وتيقنت بعد الانتخابات بأن الجزائريين لن يتخلصوا بسهولة من هاجس الخوف من المستقبل والتخوف من مستقبل بلد يفتقد للكثير من الأساسيات والحاجيات والكثير من التوازنات وتنتظره تحديات أكبر من تحدي تعديل الدستور، لأن الدساتير السابقة تم تعديلها، والدساتير اللاحقة سيتم تعديلها أيضا على مقاس الرؤساء المقبلين، وسيتم تغيير القوانين والوزراء والمديرين والسفراء دون أن تتغير الذهنيات والممارسات، لأن منظومة السلطة في الجزائر كانت ولاتزال دائما مبنية على أساس الولاء والجهوية قبل الوفاء والكفاءة، ومبنية على الرداءة قبل الجدارة والاستحقاق، وهي عوامل يبدو أننا لن نتخلص منها قريبا بعد أن أصبحت من مقومات منظومة الحكم في جزائر الألفية الجديدة.. مع ذلك يبقى أملنا كبير في غد أفضل سيأتي لا محالة.