عندما قررت حركة مجتمع السلم فك الارتباط بالتحالف الرئاسي في عام 2012 مدفوعة بعنفوان "الربيع العربي"، تلقى رئيسها أنذاك، أبو جرة سلطاني، اتصالات من مسؤولين كبار في الدولة، يدعونه إلى مراجعة موقف الحركة، وهي المعلومة التي جاءت على لسان سلطاني. ويصب اعتراف الرجل الأول السابق في "حمس"، في توجه مفاده أن السلطة كانت راعية فعلية للتحالف الرئاسي المنهار، وهو كيان سياسي بدأ بائتلاف عديد الأحزاب في 1999، ساهم في وصول الرئيس بوتفليقة إلى سدة الرئاسة، قبل أن يتطور ليصبح تحالفا ثلاثيا (جبهة التحرير، التجمع الوطني الديمقراطي، حركة مجتمع السلم) في فيفري 2004، في أعقاب "استقطاب سياسي" مثير ميزه ترشح رئيس الحكومة الأسبق، علي بن فليس، ضد رئيسه الباحث عن عهدة رئاسية ثانية. وتحوّل ذلك التحالف إلى واجهة سياسية للسلطة، بحيث كان بمثابة المروّج والمدافع عن سياسات السلطة وخياراتها (ميثاق السلم والمصالحة في 2005، تعديل الدستور في 2008 ورئاسيات 2009)، إلى أن تفكّك. غير أن هذه المرة، تبدو محاولات إنشاء "تحالف رئاسي مكرر" متعثرة في بداياتها الأولى، فمبادرة أمين عام التجمع الوطني الديمقراطي، أحمد أويحيى، التي اسماها "القطب السياسي"، قوبلت بهجوم من قبل أمين عام حزب جبهة التحرير الوطني، عمار سعداني، الذي كان يعلم بدوره أن مبادرته "الجبهة الوطنية" ستقابل برد مماثل من طرف القوة السياسية الثانية في البلاد. وجاء الرد الأخير للرجل الأول في الأرندي على غريمه في الأفلان، ليؤكد هذه البداية المتعثرة، بل ليرسم وفاة المبادرة في مهدها، حتى وإن حاول التغطية على برودة موقفه برد دبلوماسي معهود على الرجل. ويرجع متابعون النجاحات التي حققها التحالف الرئاسي المنهار، لجملة من الاعتبارات تبدو غير متوفرة في الوقت الراهن، أولها الاعتبار المتعلق بانسجام الشخصيات الثلاث (أويحيى، بلخادم، سلطاني) التي كانت تقود الأحزاب الثلاثة، فضلا عن حاجة السلطة لتكتل سياسي يدعم توجهاتها، ويدافع عن خياراتها. غير أن خروج "حمس" من المعادلة، وإبعاد عبد العزيز بلخادم من قيادة الأفلان، واستخلافه بشخص عنيد مثل سعداني، قلب الموازين.. فبلخادم قبل لعب دور ثانوي في أغلب أوقات الحكومات المتعاقبة خلال فترة التحالف المنهار، تاركا الريادة للغريم، أحمد أويحيى، بالرغم من أن حزبه لم يكن يحوز على الأغلبية. أما سعداني فمنذ أن اعتلى قيادة الأفلان، وهو يطالب بأحقية حزبه في قيادة الحكومة، وهو ما وصل إليه في التعديل الحكومي الأخير (الوزير الأول و14 وزيرا ينتمون لحزبه)، كما رفض أن يكون عربة في أي تحالف جديد، وأصر على أن يكون القاطرة، كما جاء على لسانه في رده على مبادرة الأرندي. ويؤشر التراشق الحاصل بين أكبر حزبين من أحزاب الموالاة، على أن السلطة غير متحمسة لخوض تجربة ثانية لتحالف رئاسي، ولو كانت حريصة على إنشاء تحالف رئاسي جديد، لأعطت الأوامر كي يتنازل الجميع من أن أجل أن ينجح المشروع. ويمكن تفسير عدم تحمس السلطة لتحالف رئاسي جديد، بانقلاب موازين القوى في قمة الهرم السياسي، وخاصة بعد التغييرات التي شهدتها المؤسسة العسكرية، والتي جعلت الرئاسة، كما يقول متابعون، الفاعل الرئيسي في المشهد السياسي.