تتجه الأوضاع بين حزب جبهة التحرير الوطني وحركة مجتمع السلم، نحو التصعيد والتأزم، مباشرة بعد أن أعلن عمار سعداني، وقف التراشق السياسي والإعلامي من جانب واحد مع زعيمة حزب العمال، لويزة حنون، فيما بدا حرصا منه على عدم تشتيت جهوده في "حربه" ضد المعارضة. وكان الأمين العام للأفلان قد أكّد في آخر تصريح له، أنه سينسى حنون وأنه لن يتعرض لها مستقبلا، بعد أن انزلق الصراع بين الطرفين إلى مستويات سحيقة، طبعتها اتهامات واتهامات مضادة، استعملت فيها كل "الأسلحة" المباحة والمحظورة. ويؤشر التصريح الأخير لسعداني على أن الرجل يكون قد تلقى إشارات من فوق تدعوه إلى التوقف، تفاديا لكل ما من شأنه أن يؤدي إلى تسرب معلومات قد تضر باستقرار البلاد، في ظل استعداد كل طرف للذهاب بعيدا في إبراز عورات الطرف الآخر. وإن كانت حنون لم تعلن بعد موقفها من تصريح سعداني، وما إذا كانت ستلتزم بالهدنة التي أعلنها، أم أنها ستواصل "الحرب"، إلا أن الأفلان يبدو أنه غيّر استراتيجيته وصوّب هدفه نحو حزب آخر هو حركة مجتمع السلم، التي أطلقت على لسان رئيسها عبد الرزاق مقري، انتقادات لاذعة لسعداني ولحزبه. ومعلوم أن العلاقة بين الأفلان وشريكته السابقة في التحالف الرئاسي، حركة مجتمع السلم، لم تكن مستقرة، لكنها لم تكن متردية بالشكل الذي هي عليه اليوم، وكانت الشرارة التي زادت من تعقيد الوضع، هو اتهام الرجل الأول في الأفلان، "حمس" بممارسة "النفاق السياسي"، بينما كان يتحدث عن الأحداث التي شهدها المجلس الشعبي الوطني يوم المصادقة على مشروع قانون المالية لسنة 2016، حيث أكد أن ما يعارضه حزب الراحل نحناح اليوم، كان قد صوّت عليه في قانون المالية التكميلي لسنة 2009. وكان طبيعيا أن يكون الرد في مستوى الهجوم الذي شنه سعداني على "حمس"، إذ لم يفوت رئيس "حمس" الفرصة في آخر تجمع شعبي له، وخاطبه: "تدّعي أنك ركبت رأسك، وأزحت الجنرال توفيق.. وتقول إن الشعب يساندك.. تعالى ننشئ لجنة مستقلة لمراقبة الانتخابات، وسنعرف بعدها من يكون الفائز في الانتخابات..". السجال الكلامي لم يتوقف، بل تأجّج، وهو ما جسده الرد العنيف الصادر عن عضو المكتب السياسي والمتحدث الرسمي باسم الحزب العتيد، حسين خلدون، الذي خاطب بدوره رئيس حركة مجتمع السلم قائلا: "من أنت يا مقري حتى تشكك في الأفلان وفي أمينه العام"، بحسب ما جاء على لسانه، تصريح من شأنه أن يفتح الباب أما تراشق جديد على شاكلة ذلك الذي كان بين سعداني وحنون. ويبدو أن العلاقة المتردية بين الحلفين السابقين، قد وصلت "مرحلة اللا عودة"، ولعل ما يكون قد غذى هذا التوتر، هو التقارب اللافت الحاصل بين الحزب العتيد والأحزاب التي ولدت من رحم حزب الراحل نحناح بعد انشطاره، في صورة كل من "جبهة التغيير" التي يقودها وزير "حمس" السابق، عبد المجيد مناصرة، وحركة البناء الوطني، التي يترأسها مصطفى بومهدي، وهما الحزبان اللذان قطعا أشواطا على طريق الالتحاق بمبادرة "الجبهة الوطنية"، التي دعا إليها زعيم الحزب العتيد، علما أن "حمس" تعتبر من أشد المعارضين والمنتقدين للمبادرة.