حين تقرأ خبرا أمنيا يقول إن "علي تونسي توفي الخميس الماضي في خلية عمل قام خلالها أحد إطارات الشرطة، يبدو أنه تعرض لنوبة جنون، باستعمال سلاحه حيث أردى الفقيد علي تونسي قتيلا، وأنه بعد إطلاق النار على مدير الأمن الوطني أطلق المهاجم النار على نفسه" يتبادل إلى ذهنك سؤال جوهري: هل هناك إعلام أمني في المؤسسات الأمنية الشرطية والعسكرية قادر على تقديم المعلومات الأمنية بطريقة صحيحة ومقنعة؟ وحين تقرأ أخبارا أمنية حول تجميد صلاحيات رئيس الوحدة الجوية للأمن الوطني أو تطالع أخبارا عن صفقات مشبوهة على مستوى عقداء في الأمن يتبادر إلى ذهنك سؤال : هل هناك صحفيون في الجزائر يفرقون بين " التسريبات الأمنية " والمعلومات الأمنية؟ * * الإعلام الأمني والمعلومات الأمنية؟ * يرى باحثون في "الإعلام الأمني" بأن الخطورة في الإعلام الأمني أنه يستمد خصائصه من خصوصيات الحياة الأمنية، ومن خصوصيات الموضوع الأمني والحدث الأمني، ومصادر الموضوع الأمني وجمهوره، ودوره ووظيفته في المجتمع (الإعلام الأمني د / أديب خضور)، ويحدده البعض في وزارة الداخلية بإمداد أجهزة الإعلام المحلية والدولية كافة بالأخبار والمعلومات الضرورية بدقة وسرعة تتناسب مع سرعة وتتابع الأحداث ( الإعلام الأمني بين النظرية والتطبيق د / جاسم خليل ميرزا ). * إذا تأملنا هذين المفهومين للإعلام الأمني نجدهما مرتبطين بمؤسسات الشرطة ولا يتجاوزان مستوى أمن المؤسسة الداخلية والدفاع إلى جانب مؤسسات السيادة، وهو بمفهوم آخر يتعلق ب "الإعلام الأمني" للدولة، والبيان الذي أصدرته وزارة الداخلية بعد ساعات من انتشار الخبر عبر القطر الجزائري جاء في " صيغة تعزية " للفقيد، وتبرير الجريمة " وهو ما رجح في الأوساط الإعلامية تأثير التسربات الأمنية " على الجاني . * المؤكد أنه من حق أية وسيلة إعلامية أن تنفرد ب " الخبر " بشرط ألا تكتفي بنشر المعلومة إعتمادا على مصدر واحد . * وهناك إجماع على ضرورة أن يكون للخبر مصدران، وفي حال الأخبار المتعلقة بتجميد صلاحيات الإطارات السيامية للدولة أن يتحصل الصحفي على نسخة من وثيقة التجميد أو وثيقة الاتهام بالرشوة أو يعتمد على وجهة نظر المعني بالأمر، ولا أعتقد أنه بإمكان أية جهة أن تحمل الصحيفة مسؤولية ما نشرت باعتبار أن الجهة المعنية بالمعلومات لم تكذب الخبر . * ويبدو أن الكثير ممن يتعاملون مع "المصالح الأمنية" في نشر الأخبار يسلمون بالمعلومات التي يتلقونها دون التأكد منها حتى ميدانيا، وكلنا يتذكر ما نشرت وكالة الأنباء البريطانية رويترز العام الماضي حول تفجير سيارة مفخخة في ولاية البويرة وعدد القتلى "الوهميين" أو الافتراضيين المنسوبين إلى " الخبر الافتراضي " كان الأحرى بمراسل وكالة الأنباء الانتقال إلى المكان لرصد الخبر قبل توزيعه لأنه يتعلق بسمعة وكالة دولية قبل أي شيء . * المشكلة في الإعلام الجزائري المتعلق بالأمن والفساد والفضائح لا يتحرى الدقة في المعلومة، بحيث يمكن لقطعة أن تفترس طفلا في مستشفى، ويمكن لعائلة أن تشوه سمعتها في ذكر أسماء لهم علاقة بالفساد والصفقات المشبوهة، في حين أن القاعدة القانونية تقول بأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته في العدالة وليس في الصحافة. ويظهر الضعف الإعلام في المعالجة الأخبار الأمنية في نسبة الأخبار إلى "مصادرنا الأمنية" وكأن لهذا الصحفي أو ذاك فريقا أمنيا تحت تصرفه، أو أن لهذه المؤسسة الإعلامية أو تلك علاقة ب "المصالح الأمنية". * ما يؤسف له أن هناك "جهات أمنية" تقوم بتسريب معلومات أمنية لتضليل الرأي العام. ولأن الكثير يغطون الأخبار الأمنية لا يمتلكون الخبرة أو العلاقات التي تسمح لهم بالاعتماد على أكثر من مصدر يقعون في شباك "تجار المعلومات الأمنية" أو الإشاعات. * * مافيا الفساد * الاعتقاد السائد عندي هو غياب "إعلام أمني" كفيل بالإجابة عن تساؤلات الصحافة وتطلعات القراء، ولو نأخذ المواقع الرسمية للأجهزة التنفيذية على الإنترنت وحتى موقع رئاسة الحكومة والرئاسة سنجد فيه أخطاء بالإضافة إلى "اللغة الركيكة" والمعلومات غير الدقيقة. ولأن للفساد " مافيا " تختفي تحت شركات وهمية وأسماء مستعارة، وفيها أبناء المسؤولين، من الطبيعي أن يتم تضليل الصحافة، وقاعدة " مافيا الفساد " هي البحث دائما عن ضحية يمسح فيه السكين . * ومن هذا المنطق فإن المعلومة المقدمة من وزارة الداخلية فتحت المجال للتأويلات الإعلامية لمقتل علي تونسي، لكن التسريبات الإعلامية قبل الجريمة وبعدها تؤكد بأن هناك جهة ما تقف وراء ذلك؟ * فإذا كان على الفقيد علي تونسي الفضل الكبير في إقامة هيكلة أمنية واجهت الإرهاب واستطاعت أن تكون مكملة لمهمة المؤسسة العسكرية التي تساءل سفير أمريكي سابق، في لقاء بالسفارة، مع مجموعة من كبار الصحفيين الجزائريين، عن سبب تماسكها خلال الفترة الإرهابية، ولم يجد إجابة، نكتشف اليوم أنها الوحيدة التي تحقق في الفساد، وهذه التحقيقات مع الإطارات السامية تدفن ملفاتها في " سلطة قضائية " تابعة للسلطة السلطة . * وما دامت العدالة تابعة للحكومة ولا تملك الاستقلالية في أحكامها، فإنه يصعب معالجة الفساد أو استئصال "المفسدين في الجزائر" ولهذا ليس لنا خيار سوى فتح ملفات تاريخ الأشخاص الذين سيروا البلاد وما يزالون يسيرونها لعلنا نجد فيها الإجابات الصحيحة عن أسباب الفساد. * * * هل كان بن بلة عميلا لفرنسا؟ ! * اتهم وزير العدل الأسبق عمار بن تومي الرئيس الأسبق أحمد بن بلة بأنه وقع اتفاقا مع الرئيس الفرنسي الجنرال ديغول "وقد أخذ الاتفاق شكلا سريا دون أن يعلم في الحكومة" ويتعلق بالسماح لفرنسا بالتجارب النووية في الصحراء الجزائرية، والأخطر هو اتهام عمار بن تومي للرئيس بن بلة ب "الخيانة" لأنه هرّب إلى فرنسا 100 حركي، وينشر وثيقتين مراسلة وزير الدفاع العقيد هواري بومدين للسيد عمار بن تومي وزير العدل يطالبه فيها بفتح تحقيق حول خروج 100 حركي من سجن لومباز بطريقة مشبوهة، ويرد عليه السيد بن تومي برسالة يؤكد فيها أن العملية تمت تحت إشراف الرئيس أحمد بن بلة . * القصة كما يذكرها وزير العدل أن الرئيس بن بلة رتب معه لقاء سريا ليليا في سفارة سويسرا متعلقا بلجنة الصليب الأحمر، ولكن المفاجأة -يقول وزير العدل- أن قرار إطلاق سراح الحركى كان وراءه الرئيس ديغول بالاتفاق مع الرئيس بن بلة، السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا اختار وزير العدل الجزائري المتورط فلي العملية نشر هذا السر عشية تحرك الأسرة الثورية لتجريم الاستعمار الفرنسي؟ ! * المؤكد أن التحقيق في مقتل علي تونسي، بعد وضع لجنة التحقيق يدها على ملفات مكتب مدير الأمن، أهون من التحقيق في تصريحات السيد وزير العدل . * وإذا كانت التسريبات الأمنية غير المنشورة تشير إلى وجود "ملف لدى العدالة" حول صفقات مشبوهة بالمديرية العامة للأمن، وأن الاجتماع كان حول الموضوع، فإن فتح ملف حول "خيانة" الرئيس السابق أحمد بن بلة متزامنة مع الفساد تطرح الكثير من التساؤلات، من يحل لغز السيد بن تومي وزير العدل، في عهد أحمد بن بلة، ربما يحل لغز "الصراع" الذي تحدث عنه الصحافة الوطنية بين وزير الداخلية والمدير العام للأمن الوطني. وربما يحل لغز عدم وجود "إعلام أمني" ولغز التسريبات الأمنية، ولعل تصريحات السيد زرهوني التي تلغي ما ورد في برقية وزارة الداخلية ستكون الشاهد الوحيد على الجريمة حتى لا نقول إنها الشاهد الذي لم ير شيئا . * وللحديث بقية