لم تكن المقاهي يوما ما وبما هي عليه رافدا حقيقيا من روافد صناعة السياحة في عاصمة السهوب، وهي منذ عشرات السنين تحتفظ بطابع خاص، المتغير الوحيد فيها ربما هو سعة المكان وجدّة الأثاث ونوعية الخدمات التي ارتقى بها شبان قادمون من جهات لها تاريخ وباع طويل في الصنعة. ومن أشهر ما تقدمه المقاهي بالأغواط القهوة والشاي والمشروبات الغازية والحلويات على اختلافها، وأما ما يميز غالبيتها فليس غير مشروب الشاي الذي يختلف من مقهى إلى آخر من حيث طريقة تحضيره وتقديمه للزبائن، فعادة ما يقدم كأس الشاي بجانب كأس من الماء فوق صحن صغير يوضع على صينية، وتفسر طريقة التقديم تلك بأنها عادة متوارثة كما يفسر تقديم الماء مع الشاي أو القهوة بعدة أقاويل منها أن الناس عادة ما يقضون أوقاتا طويلة بالمقاهي وهم يحتاجون إلى شرب الماء. ويرى آخرون أن الماء من شأنه التخفيف من التأثيرات المحتملة لهاته أو تلك المنبهات. وأما أصناف الحلويات التي يكثر عليها الطلب بجانب الشاي فهي "ميلفاي"، "مادلين" "كروكي" أو "قاليت"، ولعل من أشهر المقاهي بمدينة الأغواط "مونامي" أو مقهى "الحبيب" بمحاذاة الجامعة، وهي امتداد لمقهى "مونامي" الأصلي الذي كان مقامه وسط المدينة قبل تحويله إلى محطة نقل المسافرين مدخل مدينة الأغواط من الجهة الشرقية. وتعرف إقبالا كبيرا في كل الأوقات، استمدت شهرتها من تميز مشروب الشاي الذي له مذاق خاص لا يتغير، والسرّ في ذلك حسب الناصر، ليس غير طريقة التحضير التي يقوم بها حصريا هو وإخوته من أبناء مالك المقهى الحاج محمد بن قسمية دون غيرهم، كما أن نوعية الشاي – يضيف – لها دور كبير في ذلك ومقهى "مونامي" من بين أعتق المقاهي بعد مقهى بوداود بزقاق الحجاج الذي فتح بعد الاستقلال مباشرة وسرعان ما أفل نجمه، بينما يظل مقهى "الحصاير" بوسط المدينة، يستهوي الكبار خاصة بينهم مدمنو لعب "الدومينو" و"الكارطة". ولم تبق مقاهي الأغواط، التي وصل تعدادها – حسب إحصائيات قديمة - إلى 124 مقهى عبر تراب الولاية منها 31 بأفلو وحدها، مجرد مكان لاحتساء القهوة أو الشاي وإنما للتسلية والاستراحة والالتقاء بالصحب والخلان. وعادة ما يرتادها رجال الأعمال والساسة لمناقشة قضاياهم وعقد صفقاتهم، كما يقصدها الأدباء والفنانون لمناقشة قضايا ثقافية وأدبية عدة، وقد اشتهرت مقاه خاصة بمجالات معينة على شاكلة المقاهي التي نعتت بمقاهي " ليزافيريست " أو كما يطلق على تلك التي يرتادها أصحاب المصالح لعقد صفقات الشراء والبيع، وما إلى ذلك من التعاملات، والملاحظ أنه في السنين الأخيرة صار ثمة تناسل لظاهرة المقاهي في المجتمع الأغواطي، والقول الشعبي " بين كل مقهى ومقهى توجد مقهى" أبلغ تعبير عن هذه الظاهرة، ولعل ذاك ما يتعلق بمظهر آخر لواقع التحولات الاجتماعية والثقافية التي بدأ المجتمع الأغواطي يعرفها مؤخرا، إن لم يكن ذلك يتعلق أساسا ببؤرة استثمارية جديدة اكتشفها الرأسمال المحلي على حين غرة.