ست ساعات من المشاورات، استغرقها أعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك، خلال اجتماع الجزائر، للوصول إلى اتفاق، خُطَتْ سطوره في الجزائر، وعُلِقَ تنفيذه إلى لقاء النمسا. وُصِف الاجتماع حينها بالطويل والمضني، لتعيش أوبك اليوم اجتماعا أطول لخبرائها التقنيين، مدته أحد عشر ساعة كاملة، في مؤشر هام على صعوبة مأمورية أعضاء المنظمة خلال لقاء فيينا نهاية الشهر الجاري، وخصوصا الجزائر التي تعتبر هذا الموعد، امتدادا طبيعيا لاجتماع الجزائر نهاية سبتمبر. في سبتمبر الماضي، ألقت الجزائر بكل ثقلها الدبلوماسي، أو بمعنى أصح "ما تبقى منه"، في سبيل الوصول لتوافق يرفع قليلا من الإيرادات المالية المتهالكة للخزينة العمومية. يومها قال محمد بن صالح السادة رئيس المنظمة، أن منظمة أوبك تحظى بأهمية بالغة لدى كل الدول الأعضاء باختلاف تطلعاتهم وأهدافهم، في إشارة إلى ضرورة التوافق حول حل وتجاوز كل الخلافات مهما كانت كبيرة، ونوه بعين القلق إلى السعر المرجعي لسلة أوبك والذي كان يرزح يومها تحت عتبة الأربعين دولار للبرميل. عرب أوبك.. عودة لمنطق السوق بعد سنتين من السياسة لطالما كانت منظمة أوبك خاضعة بشكل أو بآخر للموقف السعودي، الذي لطالما عكس هو الآخر، توازنا دقيقا بين السياسة والاقتصاد. فحجم ما تضخه السعودية من نفط يرتبط أساسا بمقاربات سياسية دقيقة لدور المملكة في المنطقة المشتعلة، وعلاقاتها الإستراتيجية مع حليفها التقليدي، الولاياتالمتحدةالأمريكية. الكارتل الخليجي عرف جيدا كيف يتحكم بمفاصل صناعة القرار داخل أروقة مبنى المنظمة بفيينا، خصوصا وان المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة والكويت، يمثلون لوحدهم أربعين فاصلة ستة في المائة من الاحتياطات النفطية المثبتة لأوبك أي حوالي أربعمائة وواحد وتسعين مليار برميل من مجمل ألف ومائتين وثلاثة عشر مليار برميل للمنظمة ككل. الانهيار الكبير الذي سجلته أسعار الخام خلال الفترة الممتدة من منتصف ألفين وأربعة عشر إلى منتصف ألفين وخمسة عشر، كان صادما للدول المنتجة وحتى للمؤسسات البترولية العملاقة التي وجدت نفسها مجبرة على تقليص استثماراتها ونسب عمالتها عبر العالم. هذا الواقع لم يدفع لا السعودية ولا عرب الخليج للتحرك، الأمر الذي فسره المراقبون كونه مناورة سياسية قوية، تهدف لإضعاف الدب الروسي في سوريا وأوروبا الشرقية، ولجم طموحات طهران في سوريا والعراق، خصوصا على خلفية التقارب الأمريكي الإيراني. آنذاك، السعودية وعلى لسان وزيرها المخضرم السابق للبترول علي النعيمي، سارعت إلى تبرير الجمود الخليجي، بما أسمته سياسة الحفاظ على الحصة السوقية لأوبك على صعيد الإنتاج، والتي تقف هي الأخرى على أعتاب الأربعين بالمائة من الإنتاج العالمي. غير أن مرور الوقت وزيادة المتاعب والعجوزات المالية لأعضاء المنظمة بمن فيهم المملكة العربية السعودية، دفع بالأخيرة إلى التعامل بمنطق آخر مع السوق، خصوصا مع التغيرات السياسية الحاصلة في الرياض في أعقاب تولي الملك سلمان بن عبد العزيز دفة الحكم في البلاد، والشخصيات الجديدة التي تصدرت المشهد السياسي للمملكة ومن بينها الدكتور خالد الفالح الذي خلف ملك النفط علي النعيمي على رأس قطاع الطاقة هناك، وهو الذي ينظر بعين أشمل للمنظومة الاقتصادية من خلال تنويع مصادر الطاقة من جهة والتمويل من جهة أخرى. لتكون الخطوة الجزائرية قبيل سبتمبر بمثابة القوة الدافعة نحو توافق فرضه الاقتصاد على حساب السياسة. بين الجزائر وفيينا.. أوبك في مصيدة الأرقام! غير أن معطيات السوق المتغيرة تلقي بظلالها على اجتماع فيينا بشكل مقلق، فاتفاق الجزائر خرج بقرار خفض إمدادات الخام في نطاق أدناه خمسمائة ألف برميل يوميا وأقصاه سبعمائة وخمسون ألف برميل يوميا، في سوق كانت أوبك تنتج فيه 33.6 مليون برميل يوميا عشية الاجتماع، لكن المفارقة أن إنتاج المنظمة ازداد بشكل لافت لمستوى قياسي عند 33.97 مليون برميل يوميا في أكتوبر الماضي، فهل يعني هذا أن الدول الأعضاء سيقبلون مناقشة خفض أدناه 970 ألف برميل يوميا للتقيد بإنتاج حجمه 33 مليون برميل! هذا التساؤل قد يصفه البعض بأنه "نظري" أكثر من اللازم، لكن نظرة على بيانات السوق تكشف عن تسارع في مستويات الإنتاج لدى عدة دول منتجة بواقع 2.1 مليون برميل لنيجيريا، و4.7 مليون برميل للعراق، 600 ألف برميل لليبيا، و11.2 مليون برميل لروسيا و8.84 مليون برميل يوميا للولايات المتحدة. هذه المعطيات يدركها خبراء المنظمة جيدا، وقد يكون هذا دافعهم لاقتراح تخفيض أكثر جرأة في اجتماعهم الأخير في حدود 4 إلى 4.5 في المائة بواقع 1.2 مليون برميل يوميا. لكن المفارقة هي أن دول الخليج مرشحة لتتحمل 85 في المائة من قيمة الخفض المرتقب بالتزامن مع استثناء نيجيريا وليبيا وتعنت إيران الباحثة عن استعادة ماضيها النفطي المجيد قبل زمن العقوبات. وزير الطاقة الجزائري نور الدين بوطرفة، سيطير إلى فيينا، مصطحبا قلقه الذي يحاول أن بشتى الطرق أن يكتمه، وهو الذي يعلم جيدا أن المهمة لن تكون سهلة خصوصا مع الجانب الإيراني داخل المنظمة، ومع روسيا التي تقدم خطوة وتؤخر أخرى في تعاملها مع أوبك. رهان الجزائر كان كبيرا في لقاء سبتمبر وسيكون اكبر في لقاء فيينا خصوصا مع اقتراب انقضاء الشتاء والانخفاض التقليدي المرتقب على الطاقة وما يصاحب ذلك من حركة دورية نزولية للأسعار. "هل يصمد اتفاق الجزائر؟" سيكون العنوان الأبرز للقاء أوبك الأربعاء المقبل والتحدي الأكبر للجزائر التي تئن بين مطرقة سعر البرميل وسندان قانون مالية 2017.