يمارس المسرح بطريقة لم تكن بحاجة للكثير من المال ولا الإمكانيات بل إلى الكثير من الالتزام وحب الآخر..كانت هذه بعض الشهادات التي تضمنها الشريط الوثائقي"الوطن في القلب" لجيلالي خلاص، الذي استعاد من خلاله سيرة كاتب ياسين المسرحية. * اغتنم جيلالي خلاص "الوطن في القلب" ليرفع اللبس عن عدد من القضايا المتعلقة بفكر ومسرح كاتب ياسين، وكذا مواقفه من بعض القضايا المتعلقة خاصة بالعربية وموقفه من الدين الإسلامي، حيث عرض الفيلم شهادات أساتذة جامعيين ومختصين في المسرح عامة * ومسرح ياسين على وجه التحديد، وأجمع من استجوبهم الشريط على كون كاتب ياسين لم يكن يوما ضد اللغة العربية، لكنه كان يميل أكثر لتقدم المسرح بالعربية الدارجة، وهي اللغة اليومية للشارع الجزائري من منطلق أن المسرح عند كاتب ياسين هو أداة نضالية ووسيلة للتعبير عن التزامه السياسي تجاه عدد من القضايا المتعلقة بالطبقة العمالية والفئات المسحوقة، كما أن مسرحيته الشهير "محمد خذ حقيبتك" لم تكن يوما ضد التواجد الإسلامي أو العربي بالجزائر، لكنه كتبها ردا على الظروف الصعبة التي كان يعيشها المهاجرون الجزائريون في فرنسا في مرحلة السبعينات. * الشريط الذي وقعه أيضا نزيم سويسي ألقى نظرة على امتداد 77 دقيقة على العوامل المؤثرة على مسرح ياسين الذي اتسم بالخصوصية والبحث على أشكال تعبيرية مغايرة، فهو لم يكن مسرحا مكتوبا بل ممثلا كما أنه صاحب تجربة لها بصماتها وإن أخذت من مسرح بريخت السعي الدؤوب لاستلهام أشكال بصرية جديدة، وخاصة في ازدواجية الشخصيات، لكنه سعى دائما إلى أن تكون له بصمته الخاصة عبر تركيزه على الناس البسطاء واستناده إلى القاعدة الشعبية والمواضيع التي تهم المهمشين بطريقة جعلت من كاتب ياسين أكبر كاتب درامي واسم من الصعب أن يتكرر اليوم، حسب شهادة الأستاذ مخلوف بوكروح. * وتوقف الشريط أيضا عند المحطات الأساسية في حياة ياسين المسرحية مثل لقائه بجون ماري سيرو الذي قدمه في فرنسا * ورحلته إلى الفيتنام، التي انتهت بكتابته لرائعته المسرحية "الرجل ذو النعل المطاطي"، وكيف كان هذا النص فاتحة لشكل جديد في الكتابة المسرحية عند كاتب ياسين حيث انتقل من الكتابة التراجيدية التي بدأها بعد سجنه وتأثره بأحداث 8 ماي 1945 إلى المسرح التوثيقي والتسجيلي متخذا من التزاماته النضالية إلى جانب الطبقات العمالية والثورية رافدا أساسيا لدعم تجربته بداية من الثورة الجزائرية إلى ثورة الفيتنام، مستندا في ذلك أيضا إلى خبرته كصحفي ومحقق جال عدة مناطق من العالم. * كما توقف "الوطن في القلب" عند تجربة كاتب ياسين في مسرح بلعباس على مدار 11 سنة من خلال الذين عايشوا الكاتب من ممثلين في فرقته والأساتذة الذين تعاملوا معه أو مع مسرحه والذين أجمعوا كلهم على أن ياسين شخصية فذة وظاهرة إبداعية لم تتكرر في الأدب الحديث، ودعوا إلى ضرورة إعادة اكتشاف هذا الكاتب الذي همشت أعماله بسبب سوء الفهم.