توفي صبيحة هذا الجمعة العلامة محمد الشريف قاهر، عن عمر ناهز 83 سنة، حيث كان الشيخ رئيسا للجنة الإفتاء بالمجلس الإسلامي الأعلى، وأحد أعلام الجزائر الفضلاء، وقد أقعده المرض خلال الأشهر الأخيرة. علم غزير... أخلاق راقية وجهاد بالكلمة والسلاح من مواليد 02 جانفي 1933 بقرية "تموقرة" ببجاية، من عائلة محافظة ومتواضعة تعيش على الفلاحة، بدأ تعليمه في سن مبكرة في مسجد القرين، ثم في زاوية سيدي يحي العيدلي أين حفظ القرآن الكريم، وأخذ المعلومات الأولية. في سنة 1949 التحق بزاوية سيدي يحيى العدلي، وقد كان شيخه الأول آنذاك هو الشيخ محمد طاهر آيت علجت حفظه الله، حيث أتم حفظ القرآن كله بالزاوية، كما أخذ المعلومات الأولى في حفظ المتون، سواء كانت نثرا أم نظما، في رسالة أبي زيد القيرواني وابن عاشر ولامية الأفعال والصرف الحديث والبلاغة الواضحة وألفية ابن مالك والعاصمية وعلوم الحساب والفرائض. في سنة 1951 التحق بجامع الزيتونة، وحصل على شهادة الأهلية بامتياز سنة 1954. وفي سنة 1957 نال شهادة التحصيل. وفي سنة 1959 نال شهادة العالمية (بكسر اللام) في الشريعة. التحق بعدها بجامعة بغداد التي حصل منها بعد ثلاث سنوات على البكالوريوس في اللغة العربية. وفي سنة 1962 ومباشرة بعد الإعلان عن الاستقلال، عاد إلى الجزائر حيث عين أستاذا بثانوية ابن تومرت ببوفاريك، وبعدها بسنة انتقل إلى ثانوية عقبة بباب الوادي بالعاصمة وبعدها التحق بالمعهد التربوي للجنة التأليف، ثم بعد ذلك التحق بجامعة الجزائر التي تحصل منها على شهادة الدكتوراه من الدرجة الثالثة بين سنتي 1972/1973 حول "الأدب الأندلسي"، وبعدها بقي يدرس بالجامعة إلى غاية سنة 1983، حيث عين مديرا بمعهد العلوم الإسلامية التابع لجامعة الجزائر الذي تحول فيما بعد إلى المعهد الوطني العالي لأصول الدين، وبقي مديرا بهذا المعهد لمدة تسع سنوات أي إلى غاية سنة 1990. ثم أستاذا مكلفا بالمحاضرات، ودرس المقررات: الأدب الجاهلي، الأدب الأموي، الأدب الأندلسي، الأدب المملوكي والعثماني، الأدب المغربي القديم، وأخيرا علم القرآن والحديث إلى اليوم. وفي فيفري عام 2000 تحصل على شهادة دكتوراه الدولة، وأشرف على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه وغيرها. وهو الآن عضو بالمجلس الإسلامي الأعلى منذ الثمانينات، وأستاذ مادة علوم القرآن، وعضو في اللجنة الوطنية للأهلة، ورئاسة لجنة الإفتاء بالمجلس الإسلامي الأعلى منذ عام 1992 إلى اليوم. ناضل وشارك في الثورة التحريرية، فهو مجاهد عضو في جيش التحرير الوطني، وعضو في جبهة التحرير قبل التحاقه بالجيش. وظائف أخرى: في سنة 1980 رشح عضوا بالمجلس الإسلامي الأعلى الذي كان تحت وصاية وزارة الشؤون الدينية في عهد الوزير عبد الرحمن شيبان، وبعد دستور 1996 ألحق برئاسة الجمهورية، ومن سنة 1998 وفي عهد الدكتور عبد المجيد مزيان- رحمه الله- وهو عضو بالمجلس الإسلامي الأعلى إلى يومنا هذا، حيث اضطلع بمهام رئاسة مجلس الفتوى بحكم تخصصه في الشريعة. كما أن له مشاركات كثيرة في الملتقيات العلمية داخل الجزائر وخارجها. من أعماله العلمية: تحقيق ديوان لسان الدين بن الخطيب "الصيب والجهام والماضي والكهام" سنة 1973. تحقيق كتاب "الأنوار في آيات النبي المختار" للشيخ عبد الرحمن الثعالبي، في ثلاثة أجزاء، سنة 2001. كتاب حول الأدب الأندلسي. تكريم الشروق: وكانت مؤسسة الشروق قد كرمت فضيلة الشيخ العلاّمة محمّد شريف قاهر رحمه الله منتصف شهر جويلية عام 2014. وحضر التكريمية وقتها جمع قدير من العلماء وطلبة العلم وتلاميذ الشيخ محمّد شريف قاهر وممثّلون عن المجلس الإسلامي الأعلى وجمعية العلماء المسلمين الجزائريين وبعض الزوايا الجزائرية مع دكاترة من جامعة الجزائر، وتقدّم الجمع الكريم فضيلة الشيخ العلاّمة محمّد طاهر آيت علجت الذي كرّم إلى جانب مسؤولي جريدة الشروق ومنهم مستشار المؤسسة الإعلامي علي ذراع، الشيخ قاهر بمنحه برنوس الشروق ودرع استحقاق عربونا من المؤسسة لما يقدّمه من خدمات جليلة في سبيل النّهوض بالوعي الإسلامي والحفاظ على الهوّية الوطنية وترسيخ المفاهيم الشرعية الحقّة والذود عن اللغة العربية ومكانتها في الجزائر، فضلا عن استماتته في الدّفاع عن البلاد وسيادتها ورفض كل محاولات العدوان على تاريخها وثقافتها. سعة في الإطلاع ومرونة في الأفكار وألقيت أثناء التكريمية التي نظّمت بمقّر جريدة الشروق بالمركز الدّولي للصحافة عدد من الكلمات التي ذكّرت بالخصال الحميدة التي عُرف بها الفقيد سواء منها ما تعلّق بسعة إطلاعه وعلمه في العديد من الفنون الشرعية والإنسانية كالفقه والأصول والحديث والعربية والتّاريخ، أو ما تعلّق بمرونة أفكاره لما عرف به من ملكة علمية دقيقة جعلته حسب تدخّلات الحضور يحاول دائما التوفيق بين التأصيل الشرعي الصحيح ومستجدّات الواقع المعاصر بما يجعل الفتوى توقيعا عن ربّ العالمين، كما تطرّق الحضور الذي يعدّ أكثرهم ممن عرفوا بعلاقات وطيدة بالشيخ -تعليما أو تعلّما أو صداقة- إلى العديد من الجوانب الإيجابية في حياة الشيخ قاهر والتي تجّلّت حسب الحضور في دماثة ونبل أخلاقه الحميدة في معاملاته اليومية التي تتميّز بالحكمة والرزونة والهدوء مع الصرامة والغضب إذا ما كان الأمر متعلّقا بانتهاك حدود الله ومحارمه، وعدّد المشاركون المقرّبون من الشيخ المواقف المشرقة له والتي كانوا شهودا عليها في الصدع بكلمة الحق. الشيخ الميسّر وكان الشيخ رحمه الله ييسّر على النّاس بما يوافق الشارع الحكيم، كما امتدحه تلاميذه بما تحمّله من مسؤوليات في سبيل خدمة دين الله وكيف حفّزهم بحسن كلامه وسيرته وتوجيهاته القيّمة على التمسّك بالوظائف التي حدّدها لهم من أجل النّهوض بالزوايا وإعمارها بذكر الله وكلمة الحق وتعاليم الدّين ونشر العلوم المفيدة بين النّاس، كما لم يخف البعض من الحضور إعجابه الكبير من بعض الأمور التي جعلت الشيخ يرقى في أعينهم لما رأوا عليه من علامات صلاح واستجابة فضلا عن أسلوب المزاح الذي كان دائما ما يجعله كالملح في الطعام من أجل أن يبشّ على مجالسه ومحدّثيه. الشيخ خلال تكريمه: اللهم اجعلني خيرا مما يظنون وعند تناول الشيخ محمّد الشريف قاهر رحمه الله الكلمة في هذه الإحتفالية التكريمية، أبدى بكلّ تواضع شكره وثناءه على من تدخّلوا للحديث عنه، داعيا الله عزّ وجل أن أن يجعله "خيرا مما يظنون ولا يؤاخذه بما يقولون وأن يغفر له ما لا يعلمون" وذلك اقتداء منه بما جاء في الأثر، كما تمنّى أن يجد التكريم الأكبر بيد يدي العظيم جلّ جلاله غدا يوم القيامة، مستئنسا بقول بعض العلماء أنّ الله لا يهين من أكرم على كبره راجيا أن يكون تكريمه أيضا في هذا السبيل. إنا لله وإنا ّإليه راجعون