يشدّد "هيثم رباني" خريج الجامعة الإسلامية بالمدينة المنوّرة، على أنّ تيار "المدخلية" يستهدف وحدة الجزائر، مؤكدا أنّ السعودي المثير للجدل "ربيع المدخلي" يملك أجندة خاصة معدّة للتصدير عبر نمط "سلفي طرقي" مشبوه. في حوار خصّ به "الشروق أون لاين"، اعتبر "رباني" الذي درس أصول الفقه والقضاء، أنّ صراع شيوخ السلفية في الجزائر والشيخ شمس الدين "طائش" ما بين أشاعرة وسلفيين أقحما فيه الإباضيين ظلما، وهو لا يخدم المصلحة الوطنيةّ، مشيرا إلى كون الشيخ عبد الحميد ابن باديس وهو السلفي الأصيل، أوصى قبل عقود بأهمية التعاون والتكامل حفاظا لعرى الأخوة ووحدة البلاد. إليكم النص الكامل للحديث: على اعتبار أنك درست في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة وتخصصك في أصول الفقه والقضاء، كيف ترون الخلاف الناشب ما بين شيوخ السلفية في الجزائر والشيخ شمس الدين؟ صدقني لقد فكرت مليا قبل إجراء الحوار مع الشروق أون لاين، وقبلت به بعدما اقتنعت أنّ على المرء أن يقول الحقيقة ما استطاع إلى ذلك سبيلا دون أن يخشى لومة لائم، بداية وللتاريخ أقول إن الخلاف ما بين الذين ذكرتهم لا يفيد الإسلام ولا يفيد الجزائر شيئا، لأنه حوار ومحاولة إقناع للخصم وللرأي العام الوطني بقوة الإعلام وخشن الكلام بصحة الموقف المتبع رغم أنّ الأمر يتعلق بقناعات راسخة في الجزائر وأخرى كانت موجودة قبل استيراد طرق بثها ومنهج نشرها من خارج الجزائر.
ماذا يعني هذا؟ ما يحزّ في نفسي هو صراع طائش ما بين أشاعرة وسلفيين أقحما فيه الإباضيين ظلما، وذاك لا يخدم على الإطلاق المصلحة الوطنية وهو أمر يعارض أصول الشرع التي من بينها الحفاظ على الأرض، وأقولها صريحة للتيار السلفي المدخلي بشأن خاص أنتم جزائريون ولستم غير ذلك وولاءكم للدولة الجزائرية لا غيرها، والمقصود هنا التذكير بالبيانات التي أصدرتها الحكومة السعودية ناعية قتلى هجمات (داعش) على المساجد الشيعية شرق المملكة والتي وصفتهم ب "الشهداء"، وهذا عين الصواب لأنهم أبناء الوطن الواحد لهم ما على الجميع، وعليهم ما على الجميع.
لكن ما علاقة هذا بالخلاف إياه؟ أقول سلوكيات لا عقيدة السلفية المدخلية ومنها سلوكيات الكثير من المقربين من الشيخ فركوس، بل وحتى الكثير من فتاوى الأخير إنما تشبه إلى حد بعيد نوعية سيارات (الماركات) العالمية التي تنقص من نوعية السيارات المرسلة إلى إفريقيا ومنها الجزائر مقارنة مع السيارات التي تباع في أوروبا أو أمريكا أو اليابان أو حتى كوريا، والمقصود أنّ المدخلية التي أسّسها المدعو "ربيع المدخلي" وهو بالمناسبة ليس شيخا ولا عالما عندي، بينما الشيخ فركوس عالم ومجتهد في التيار السلفي، والمدخلي نزع عن نفسه هذه الصفة باتباع نهج يفسد بلدان المسلمين ويفرّق أهلها شيعا، ولكي يفهم الجزائريون ما أقصده، أحيل إلى تشابه مهمة ربيع المدخلي مع مهمة الأمين العام السابق لجبهة التحرير الوطني سعيداني فكلاهما كلُّف بمهمة لكنهما بالغا فيما طلب منهما. وأشير هنا إلى أنّه بعد غزو صدام حسين للكويت عام 1990، وإصدار هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية فتوى تجيز الاستعانة بالقوات الأمريكية لإخراج صدام من الكويت، وبالرغم من أنّ الهيئة لها الحرية في الاجتهاد وإصدار الفتاوى، إلاّ أنّ طلبة الجامعة الإسلامية لم يوافقوا على الفتوى التي تبناها المدخلي، على نقيض غالبية الطلبة الجزائريين، فقد كنا نتناقش عن هذه الفتوى وعن عدم اعتماد العرب على أنفسهم لإخراج صدام من الكويت عوض الاعتماد على حليف يستهلك المال والجهد في عملية كان بالإمكان للجيوش العربية القيام بها.
هل تركتكم السعودية تفكرون كما تشاؤون؟ لم تضايقنا على الإطلاق وكنا ندلي برأينا دون خشية أحد، لكن كان هناك مراقب من نوع خاص، حيث تفاجأت بعرض تقدم به طالب من بلكور (بلوزداد حاليا) اسمه "حسين" اقترح عليّ لقاء المدخلي فقابله كثيرون ومنهم أنا، إذ التقيت به في بيته وبسرعة دخل في الموضوع محاولا إقناعي بصحة الفتوى بناءً على عدم إمكانية إقناع صدام من طرف العرب بالتي هي ألطف، فكان لابد من الاستعانة بتحالف دولي يخرجه بالتي هي أخشن، وأذكر شعوري وهو يحاورني في بيته إذ ازدادت قناعتي أنّ الرجل أمني أكثر منه ديني فقد ذكّرني بضباط حرس الحدود، وبصراحة كان الخلاف ما بين الطلبة في الجامعة الإسلامية شديدا ما بين تسميته شيخا وما بين منحه صفة رائد أو عقيد في الأمن، وأنا كنت من الطرف الثاني، ولحد الآن لازلت مقتنعا بهذا الرأي لذلك فإني ومن دون شيوخ وعلماء المملكة العربية السعودية فإني أستثني منهم هذا الرجل، فهو ليس بالعالم ولا برجل الدين، إنه رجل أمن مخابراتي ويملك أجندة خاصة معدة للتصدير إلى بلدان كالجزائر.
ما طبيعة هذا المنهج المدخلي؟ عندما كنت في الجامعة وصلتنا أخبار تتعلق بتحليل في الدوائر الأمنية في الخليج يقوم على ما يلي: إذا كانت المواجهة مع تيار الإخوان المسلمين قد فشلت باستعمال الطرقية الصوفية، أليس من الأفضل استعمال تيار شكله سلفي وباطنه طرقي؟ بصراحة شديدة لم أفهم وأنا طالب معنى "سلفي طرقي"، لكن تفتّق فكر بعض مصالح الأمن العربية على هذه الفكرة التي كانت حيلة مدروسة بإحكام، لأنّ الإخوان المسلمين تنظيم سياسي دعوي وحدوي بنيته الأساس سلفية العقيدة ويرضى ويقبل بأعضاء مخالفين من الأشاعرة والماتريدية والإباضية والزيدية، لكن البناء الأساس سلفي، لذا وجب ضربه بمعول يشبهه في الشكل ومختلف معه في القوة والاتجاه، وأحسن ما قام بهذا الدور هو ربيع المدخلي.
ما دخل الإخوان المسلمين هنا؟ الإخوان المسلمون حالة اجتماعية عامة، والتيارات التي عملت في فترة أعقبت سقوط دولة الخلافة وقيام الدولة السعودية ثم استقلال سوريا وبعدها قيام دولة إسرائيل كلها تيارات تتشابه ومن بينها جمعية العلماء المسلمين، وقد اتفقت الدولة السعودية مع هذا النهج لوقت طويل عندما لم تكن هناك حدود تماس أو امتحانات يجرب فيها كل طرف ولاء الطرف الآخر. لذلك وبعد غزو صدام للكويت وتبني الإخوان لموقف لا يتفق مع الدول العربية التي قررت التحالف مع الولاياتالمتحدة، تقرر ضرب الإخوان، بالخطأ أو بالعمد كل التيارات التي تبنت موقفا مخالفا، بمعول المدخلية، استعمل فيه الشيخ الألباني في بادئ الأمر لكنه تفطن للمؤامرة ونأى بنفسه وتبرأ من هذا التيار المدخلي الهدام.
كيف أثّر ما حصل على الجزائر؟ بعد القرارات التي أعقبت حرب الخليج الثانية، ظهر إلى العلن الشيخ "عبد المالك رمضاني"، في مواجهة تيارات الجزأرة والإخوان المسلمين، بدعم وتمويل سعودي واضح، لكن وعكس ما يتصور المرء، كانت الجزائر في تلك الفترة قوية فكريا وأمنيا، لذلك تفطّن الكثيرون إلى ما يجري سواء في وزارة الشؤون الدينية أو جمعية العلماء المسلمين أو التيارات السياسية الإسلامية والجمعيات الدعوية. لقد جاء التيار الجديد بفكرة التربية والتصفية كأنّ من سبق في المدارس والجمعيات والزوايا لم يربي ولم يصفي والغاية برأيي من فكرة التربية والتصفية هو ضرب صفوف المخالفين عبر إظهار البعد عن النهج السلفي السليم للوصول إلى نتيجة التحييد الفكري للخصوم وتعطيلهم عمليا ودعويا وسياسيا، فالعمل هو على غير نهج السلف، والدعوة كما هي الآن، هي على غير نهج السلف والعمل السياسي والجمعيات بدعة لم تكن في الإسلام أصلا.
ماذا عن اعتبار جمعية العلماء المسلمين بدعة؟ هذا ما يعتقده أنصار التيار المدخلي خطأ، لأنّ إنشاء الجمعيات والأحزاب السياسية والمشاركة في البرلمان وخوض الانتخابات، مرتبطة بالخلاف الفقهي أي بقول أول وثان وثالث وليس بمسألة اعتقادية مجمع عليها بين المسلمين، وهذه المسألة ولئن راج شأن بدعتها عند المدخليين الجزائريين فهي في مصر أو الكويت مسخرة، ففي مصر هناك حزب النور السلفي، وفي الكويت لا يلقي السلفيون بالا لفتاوى المدخلي ويعدونها من الشواذ، أما في الجزائر فإنّ جمعية العلماء المسلمين وباقي الجمعيات لا تلقي هي الأخرى بالا لهذه الدعوى الغريبة وهي على كل حال كما قلت لكم خلاف فقهي يقتنع فيه كل واحد بحرية بما تبين له أنه هو الرأي الصحيح، لذلك فإنّ من بدع المدخلي حاجتان هما: الجرح والتعديل في غير الرجال والنساء الناقلين والراوين للسنة الشريفة وأقوال وأفعال الصحابة رضي الله عنهم، وتبديع المخالفين فقهيا وسياسيا، ناهيك عن تبديع المخالفين في تفاصيل فهم بعض مسائل العقيدة الإسلامية.
ماذا تعنون بحكاية إخراج الجرح والتعديل عن دائرة الحديث الشريف، وتبديع المخالفين؟ هذا يعني جرح وليس تعديل، لأنّ المدخلي نادرا ما يعدّل فهو يجرح أكثر مما يعدل، كل وجميع العلماء المسلمين منذ القرون الأولى إلى غاية اليوم، لذلك بدّع المدخلي الحافظ ابن حجر والنووي من القدماء، أما الغزالي والقرضاوي وسيد سابق والشيخ كتو فهؤلاء "بدع ولا حرج، لا يُسمع لهم ولا تُقرأ كتبهم"، وبالجملة فإنّ المدخلية تبدع تبديعا قبيحا الأشاعرة والماتريدية والإباضية، أما الشيعة فهم "حثالة" لا ينبغي الحديث عنهم. أقول هذا كي أبيّن جوهر المغايرة ما بين خلاف قديم ما بين حنابلة وأهل حديث من جهة، وأهل رأي وأشاعرة من ناحية أخرى، لقد كان هذا الخلاف قديما وكان كل طرف ينتقد الآخر بشدة، لكن لم يكن هناك تبديع بالشكل الذي نعرفه الآن وخاصة ذلك التبديع الذي لا يأخذ بالحسبان مقومات الوحدة الوطنية وهشاشة البلد أمام الأعداء، لذلك فإني أحذر مشايخ السلفية الذين سماهم الشيخ شمس الدين بالاثني عشرية ومن بينهم الشيخ فركوس من شيء واحد، وهو أنّ المدخلي يعلن ويفاخر ويجاهر بأنه سعودي يمتدح عاليا جهود دولته في كل محفل أو اجتماع يحضره ويخطب فيه، أما أنتم فقد تقعون في موقف "الغراب" الذي أراد تقليد مشية الحمام فنسي مشيته، أنتم لستم سعوديين بل جزائريون والحفاظ على وحدة الجزائر فرض عين عليكم والفاهم يفهم.
لكن الحنابلة يختلفون عن أهل الحديث، ويسمون أنفسهم سلفيين وأشاعرة وماترديين؟ من ينكر هذه الخلافات مكابر، لكن الخلافات مقابل الحفاظ على الوحدة الوطنية والوئام الوطني تفاصيل لا جدوى منها، فما الجدوى من بسط الخلاف في المقاهي ووسائل الإعلام بطريقة تهيّج الرأي العام، وهنا لي موقف خاص مع الشيخ شمس الدين، إذ أعاتبه كما أعاتب شيوخ السلفية في الجزائر لأنه يهدّد هو الآخر الوحدة الوطنية بقوله بأنّ مخالفيه أدخلوا عقائد اليهود إلى العقيدة الإسلامية، كان يكفيه أن يذكّر بمسألة التجسيم التي تخالف فيها أهل الحديث وأهل الرأي ومن بينهم الأشاعرة إلى اليوم عوض اتهام الطرف الآخر بأشياء ليست فيه، وهذا ليس من النهج العلمي السليم. وهناك شيء آخر وعلى فرض أنّ الجميع تناظروا أمام وسائل الإعلام، النتيجة برأيي لا شيء لأنّ من يستدل بتصحيح الألباني لحديث، سيرد عليه الآخر بتضعيف عالم ندوي من الهند وقاعدة الجدال الأهم هي عدم إمكانية الفرض على المخالف قولا أو رأيا ومفهوم نص لا يتفق عليه أو أنّ الخلاف عليه كبير، والنتيجة هي تشتيت فكر الجزائريين وتجييش بعضهم على بعض، فيما المدخلي ينظر إلى المشهد وهو يمدح من كان سببا في الأمن والرخاء في بلده. لست أتفق مع شيوخ بعض السلفية الجزائرية الذين ينفون صفة العالم أو أحقية الفتوى عن الشيخ شمس الدين، لقد سمعت الرجل وهو يفتي ويتحدث ولم أرى له كما رأى الكثير من الشعب الجزائري هفوات كثيرة، ولئن أخطأ فجلّ من لا يخطئ وأعتقد أن الخلاف معه بعد كونه عقديا كما يقال، فهو نفسي بالدرجة الأولى، لأنّ شيوخ السلفية في المجمل لهم طريقة خاصة في الحديث والتوجه إلى الجماهير تميزهم وهم أحرار في اتباعها رغم أني لا أحبذها بسبب تكلفها وثقلها، فيما الشيخ شمس الدين يتبع نهجا خطابيا وحواريا آخر رغم أني لاحظت كما لاحظ الجميع أنه لا يرفع عينيه قبالة الكاميرا بل ينظر إلى الأسفل دائما.
ماذا تستنجون بشأن خلاف شيوخ السلفية مع الشيخ شمس الدين؟ أبدأ بالشيخ شمس الدين الذي هو ناطق رسمي باسم كل الأشاعرة والصوفية الجزائريين، الذي أراهم مندهشين من هذا التيار الوافد الذي لا يعترف بهم أولا ويبدعهم ثانيا، فيما ألوم شيوخ السلفية في الجزائر على موقفهم الذي لا يلتفت إلى مقومات الواقع والمكان والزمان، لأنّ الخلاف النظري بل وحتى التبديع النظري الذي في الكتب شيء، وتبديع من أمامك ومن تعيش معه شيء آخر. وللمضي في هذا أقول إنّ مسألة تبديع المخالفين وهجرهم قال بها بعض العلماء، إلا أنّها اليوم لا تصلح، بمعنى أنّ الهجر ولئن كان اجتهادا من قبل بعض العلماء إلا أنّه تبينت هشاشته بالتطبيق العملي من خلال تنافر وتباغض أهل البلد الواحد، أما الخلاف حول صفات الله تعالى فلا ينبغي به أن يُصبح سببا لشقاق اجتماعي فهذه مضحكة ومسبة بين الأمم. أنا شخصيا ولئن كنت من أتباع مذهب عدم التأويل في الصفات، إلاّ أنني أشعر بالأسى من هذا النهج الذي يقسم المجتمع الواحد ويضر بموروث الأمة من العلماء والأدباء والخيرين الأشاعرة والإباضية هذا تراثي وهذا وجودي وهم إخوتي الذين أعتز بهم في حياتي وتحتاج الجزائر إليهم، كما تحتاج إلى السلفيين في بناءها وإعمارها وازدهارها. إنّ القول بأنّ أهل السنة هم السلفية وحدهم أو أنّ الأشاعرة والماتريدية هم سنّة حينا وحينا آخر غير سنّة، لا يخدم الإسلام في شيء، ولو كانت هناك حركية اقتصادية تأخذ الناس كالتيار الجارف لنسوا مثل هذه الخلافات التي تنتج عن البطالة ولحفظوا أنهم مسلمون فقط، قل لي بربك لو كان أمامنا شاب انحرف واتبّع عبادة الشياطين ثم جاء أشعري أو إباضي أو صوفي هداه إلى الحق هل تقول له حمدا لله على عودتك للإسلام، أم تقول له إنك لم تعد بالشكل الصحيح لأنك أصبحت أشعريا أو إباضيا أو صوفيا؟؟، هذا خلل في الوعي كبير. ألا نقرأ التاريخ؟ كم أدخل المعتزلة من الكفار في الإسلام؟ عدد هائل بعضهم على الاعتزال والكثير منهم بعد ذلك عدّلوا عن منهج الاعتزال إلى غيره من أشعري وحديث وصوفي، هذه حيثيات لا يفقهها إلا من أراد فعلا أن يتفقه بما يخدم الناس والأمة.
تحدث الشيخ شمس الدين عن "الفراكسة"، فمن هم؟ هذه معضلة التيار السلفي الحالي وخاصة منه الذي يرفض النظام والجمعيات بشكل عام، فبسبب عدم تقبله للهيكلية والتراتبية تجد حينها أنّ الرأس موجود مثلا الشيخ فركوس، لكن من هم دونه هجين ما بين المخلص والراغب في الدنيا والملتزم قديما والملتزم حديثا من دون أي تكوين في حفظ اللسان والابتعاد عن القيل والقال وضرب هذا بهذا والتحريش والتهييج ما بين الشيوخ والتعريض بهم وبسبب أحد أقوالهم. دعني أقول لكم، فبالرغم من هناك اثنا عشر شيخا سلفيا وقعوا بيانا مشتركا لا يعني أنهم على رأي واحد في طريقة تسيير هذا التيار وقيادته والتفاعل به ومعه، وبرأيي فإنّ التيارات السلفية التي ترفض الهيكلية والنظام مخرومة فكريا وأمنيا، ومرتع خصب سعيد لكل مصالح المخابرات العالمية وما تراه في (داعش) و(القاعدة) خير دليل، فهي أسهل التنظيمات اختراقا وأكثرها فوضى على ما يظهر من نظام تنظيم الدولة. وبإمكان القراء أن يجدوا في الأنترنيت أنّ مصالح المخابرات الكندية جنّدت لصالح ما يسمى (تنظيم الدولة) عن طريق عميل يبلغ من العمر 26 عاما، ثلاث مراهقات مسلمات بريطانيات قبضت عليهم لحسن حظهن الاستخبارات التركية، وكُشف الأمر ومثل هذه الاختراقات والتلاعبات الفكرية والتوجيه الاستخباري السلبي عظيم داخل التيارات السلفية المدخلية وغير الهيكلية أو التيارات السلفية المتطرفة التي حملت السلاح ضد شعوبها.
هل يعني هذا أن الشيخ فركوس لا يسيطر على أنصاره؟ لا أعتقد أنه يسيطر على شيء، بل وحاله إذا ما أصدر يوما فتوى تخالف ما يريده البعض أو فتوى تراجع فيها عن شيء سابق، أسوأ من وضعية الشيخ العيد الذي أثار حوله العوام من الفراكسة أنصاف المتعلمين حملة شعواء بعد رأي أعطاه في عمر ابن الخطاب رضي الله تعالى عنه، فأٌقام أنصاف المتعلمين حوله حملة انتهت بعزله لذلك تُرك الشيخ العيد الآن مهمّشا من قبل أناس ما كان لهم أن يحكموا عليه لأنهم دون مستواه بقرون ضوئية، ولكن هذه نتيجة رفض النظام والجمعيات والأحزاب، أي هنا يعلو صوت الجُهّال وأصحاب المنافع والمجاهيل، في حين يعلو في جمعية العلماء المسلمين والزوايا والتيارات الأخرى أصوات الدكاترة والأساتذة والمشايخ لأنه لا مكان ل "الرويبضة" هناك. بالمناسبة، وصف بيان مشايخ السلفية الشيخ شمس الدين ب "الرويبضة"، وهذا لا يصحّ لأنّ الروبيضة لا تحسن الحديث بآي الله وحديثه، فيما الشيخ شمس الدين يحسن الحديث بها كما تحسنون، وإذا ما تخالفتما فأدب الحديث والمصلحة الوطنية الجزائرية المحضة يقتضيان حسن تخير الألفاظ والكلمات، قال الله تعالى: " قل للذين آمنوا يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم"، فلا هو ب "الرويبضة" ولا أنتم من أدخل عقائد اليهود في عقائد المسلمين.
ماذا عن الإباضية وخلافها مع التيار السلفي؟ هذا برأيي من بدع المدخليين تجاه الإباضية، وهو فخ وقعت فيه السلفية الجزائرية التي لم تنتبه إلى تأكيد الشيخ عبد الحميد ابن باديس وهو السلفي الأصيل، على أهمية التعاون والتكامل مع الإخوان الإباضيين، فبرغم الخلافات الموجودة إلا أن المجال واسع اتساعا هائلا للتعاون والتآخي، لذلك شارك في تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين إباضيون واتفق الشيخ ابن باديس والشيخ بيوض لأول مرة على جواز وضرورة صلاة كل أحد خلف الآخر حفاظا لعرى الأخوة ووحدة البلاد. وأذكر هنا بأنّ تفضيل التركيز على الخلاف دونما أيما فائدة تقتضيه من قبيل محاولة فرض الرأي على الآخر أو نشر المذهب، لا فائدة ترجى من الخلاف هنا، أما دعوة المدخلي لسلفيي الجزائر والمغرب العربي للذهاب والقتال مع الجنرال "حفتر" فسببه إرادة المدخلي نصرة موقف الدول المساندة للجنرال "حفتر" ولا دخل للإسلام أو السلفية في دعواه، ثم لماذا يدعو السلفيين بالذات ولا يدعو المسلمين في الجزائر؟ أهناك فرق بينهما؟ أم أنّ اسم المسلم انقلب إلى سلفي؟ عجيب أمر هذه الرجل، قال تعالى عن سيدنا إبراهيم أبو الدعوة الإسلامية التوحيدية السمحة: "ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل، وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم، فنعم المولى ونعم النصير.
كلمة أخيرة.. أدعو الجميع إلى التعقل وحفظ اللسان من التنابز بالألقاب، وجعل استقرار الجزائر والوحدة الوطنية مربط الفرس قبل إبداء الرأي في مسألة ما، لأّن الشعوب الآن تغار على بلدها التي ضحت من أجله ولا تفرّط فيه، وكذلك كانت حصافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما أوقف العمل بحد السرقة في عام المجاعة، وإني أهيب بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان ابن عبد العزيز بأن ينظر بعين الأخوة إلى بلده الثاني الجزائر، وأن يميل بحسه الإسلامي والسياسي الثاقب تجاه ظاهرة مبتدعة في التيار السلفي لم تكن يوما ما جزءا من الدعوة السلفية التي أسّسها الشيخ محمد عبد الوهاب وشاركت مشاركة فعالة في تأسيس الدولة السعودية الحديثة الحصن الحصين لعقيدة الإسلام وقبلة المسلمين ومدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم.