نظم مجمع الشروق للإعلام والنشر مهرجانا تكريميا للأستاذ الراحل موسى صاري، الذي أفنى حياته مرشدا وموجها وداعية، وتداول على المنصة عدد من أفراد عائلة الفقيد وتلاميذه ورفقائه، وأجمعوا في تدخلاتهم على الأثر الكبير الذي خلفه الشيخ موسى صاري من خلال مشوار طويل من التدريس والتفتيش والإرشاد في المساجد، وعرف عنه وسطية الفكر ودقة الفهم، والقدرة على الصبر والتحمل، كما أن خريجي المدرسة الجزائرية يذكرونه جيدا من خلال كتب التربية الإسلامية في مختلف الأطوار التعليمية. الأستاذ يحيى صاري خلال حفل تكريم شقيقه الشيخ موسى صاري: علامات النبوغ ظهرت على موسى منذ كان طفلا نشأته في أسرة مثقفة فتحت الباب ليتتلمذ لدى أكبر العلماء قال الأستاذ يحيى صاري خلال حفل تكريم الشيخ موسى بمقر "الشروق" إن نشأة شقيقه داخل بيئة وأسرة محافظة على العلم وطلبه، جعلاه يكتسب حب الأدب وتذوق اللغة، وفتح باب النبوغ أمامه وهو لا يزال طفلا حتى أصبح علم من أعلام الجزائر، وفارس من فرسان التربية فيها، أكاديميا في المناهج، وإداريا في الإدارة، وأضاف المتحدث أن موسى صاري الصبي فتح عينه على مكتبة زاخرة برسائل علوم الشريعة، ونهل العلم الشرعي منذ نعومة أظافره، إلى جانب ذلك استغل قربه لوالده المعروف بتاريخ نضالي حافل قبل الثورة وأثناءها، ليصبح منبعا للتشبع بمعاني الوطنية. وواصل الأستاذ صاري حديثه عن انطلاقة شقيقه التي كانت من المدرسة الابتدائية بالأبيار، ونال بها الشهادة، ثم درس على يد كوكبة من علماء الأزهر الشريف بالمعهد المتوسط للتعليم الأصلي، وتعرف على المعارف الشرعية الراقية والعميقة وبالمستوى العالي إلى أن نال شهادة البكالوريا سنة 1977 من معهد التكوين والتعليم الأصلي بحسين داي، والتي أهلته ليكون أحد علماء الحجاز لإكمال دراسته العليا في الشريعة الإسلامية، بعدما أرسله والده مباشرة بعد حصوله على الشهادة، فالتحق بالجامعة الإسلامية لعلوم الشريعة بالمدينة المنورة 1978 وتخرج بعدها، ثم سنة 1982 عاد حاملا للإجازة العليا في الشريعة ودرس على يد نخبة من العلماء والدكاترة، كان منهم أبو بكر جابر الجزائري، العلامة المصري إبراهيم الصقلي، وعالم الحجاز عبد الله الغنيمة، إلى جانب الدكتور العراقي أكرم ضياء العمري، وأشار المتحدث أن الشيخ لم يفوّت الفرصة ليكون من المجدين والباحثين، بشهادة زملاءه وأصدقاءه ليعود بمكتبة زاخرة كبيرة من الحجاز، واشترى الكثير من الكتب، وحتى من الطلبة أنفسهم، منهم كتاب فتح الباري ورسالة التخرج التي كتبها في الجامعة الإسلامية، طرق الإثبات في الشريعة موضوعها في القضاء. "الأستاذ موسى تفرغ لتقديم حوصلة معارفه بالمساجد وتوعية الشباب " أكمل الأستاذ حديثه قائلا "إن عودة الشيخ لوطنه بعد رحلة ثرية في طلب العلم، فتحت شهيته ومنحته إرادة كبيرة، تجلت في لهفته الكبيرة لتقديم حوصلة وخلاصة ما درس لبلده، من خلال إلقاء الدروس والمواعظ والمحاضرات في مساجد العاصمة، التي أسس في بعض منها المدارس الشرعية لتعليم مادة الفقه وأصوله، حتى يتمكن من دعم الشباب لرفع مستواهم من حيث المعارف الدينية والإسلامية وحمايتهم من الانحراف، وشرع في إلقاء خطبة الجمعة، وبقي كذلك لمدة 30 سنة خطيبا وإماما وواعظا، إلى جانب ذلك عدّ الأستاذ يحيى مناصب تقلدها الشيخ، حيث التحق بالتعليم ودرس مادة الأدب العربي وعمل أستاذا للتربية الإسلامية، وشغل مؤطرا لتكوين الإطارات وتحسين المستوى، ومفتشا للتربية والتكوين في مادة العلوم الإسلامية، وكذا عضو لجنة إعداد المناهج للتربية الإسلامية، وعضو إعداد كتب التربية الإسلامية للتعليم الثانوي، ومشرفا عاما على كتب التربية الإسلامية ما قبل الإصلاح للطور الابتدائي والمتوسط، ومشرفا عاما للعلوم الإسلامية لجميع أطوار التعليم، وساهم في تصميم الدروس. "الشيخ موسى متسامح صبور أفنى حياته في الحفاظ على الثوابت" وعن جوانب من شخصيته ذكر الأستاذ يحيى أن الشيخ امتلك شخصية من معدن فريد وكان صاحب رسالة، لا تهمه المصالح الذاتية والمآرب الخاصة، ومتفاني في عمله، كما كان أكثر ما تميز به الشيخ - حسب أخيه - هو التسامح والصبر، وتجلى ذلك في كلمة عظيمة، قالها على منبر المسجد يوم قتلت ابنته على يد الإرهاب الهمجي في التسعينات، والتي لا تزال درسا بليغا للأجيال، أظهرت مدى حبه لوطنه والتفاني في خدمته قائلا: "سأسامح قاتل ابنتي شرط أن يتوقف الدم في الجزائر"، وعاش الشيخ لأجل هدف وغاية، أفنى عمره وصحته حتى يحافظ على الثوابت والمعاني الوطنية، حيث أظهر اهتماماته بتناول الجانب الشرعي والروحي العبادي في كتبه، لربطه النصوص الشرعية والدين بالواقع وحياة الناس وعلاج همومهم، وأشد ما كره هو الطرح التقليدي الجاف للعلوم الشرعية البعيدة عن الواقع.
رشيد ولد بوسيافة (ممثل مجمع "الشروق"): الشيخ موسى صاري رجل أفنى حياته في خدمة العلوم الشرعية ثمن ممثل مجمع "الشروق" الأستاذ رشيد ولد بوسيافة، اللقاءات المتجددة التي يحرص مجمع "الشروق" على إحيائها دوريا من خلال الاحتفاء بالعلماء وشيوخ الجزائر الكبار، الذين قدموا الكثير للعلم والدعوة الإسلامية، وبذلوا سنوات من عمرهم في سبيل تحقيق ذلك، وقد وقع الاختيار هذه المرة على الشيخ الأستاذ موسى صاري الذي عرفه خريجو المدرسة الجزائرية مشرفا وموجها ومنقحا من خلال كتب مادة التربية الإسلامية، فإنجازات الراحل الفريدة ولدت رغبة كبيرة لدى الحضور في التعرف على هذه الشخصية النادرة والفذة والإطلاع على جوانب عديدة منها من خلال شهادات مقربيه وأصدقائه ومعارفه، والتي ستتحول لوثائق هامة جدا في يد النشء والجيل الصاعد سيطلعون من خلالها على الشيخ موسى صاري الرجل الذي بذل حياته لتعليم العلوم الشرعية.
المفتش السابق الأستاذ سعيد معول كان مدرسة في الأخلاق لم يتغيّب حتى بعد اغتيال ابنته الكبرى تحدث المفتش السابق الأستاذ سعيد معول، عن الشيخ موسى صاري والذي عرفه سنة 1993 عندما طلب منه الإشراف على مادة العلوم الشرعية، وكان أنذاك يقيم في ولاية تيزي وزو، ومسؤول على الولايات الداخلية، وفي تلك السنة أسندت إليه في العاصمة مادة الشريعة، فشرع في خوض رحلة البحث عمن يساعده في هذه المهمة، من خلال زياراته المتعددة للمدارس، وكانت المناهج التعليمية أنذاك تحمل الكثير من العيوب ولم يسبق أن تفطنوا لها أو أعطوها أهمية إلا بعد اندلاع الفتنة في الجزائر وتحول أصابع الاتهام إلى مادة العلوم الإسلامية، يضيف المتحدث كان الشيخ صاري أنذاك أستاذا بثانوية عبد المؤمن ببوزريعة، وهو أقدم أستاذ للمادة في العاصمة، فصحبه معه مرتين أو ثلاث للتفتيش والترسيم، وكان الشيخ ينقصه سنة واحدة من العمل في قطاع التعليم حتى يتسنى له الدخول في مسابقة المفتشين، فقصد الأستاذ بوروينة وصارحه بثقل العبء الذي كلف به، وهو لا يستطيع تحمله بمفرده، ليتفقوا على منحه مقرر التكليف كمفتش حلا، وعمل الشيخ صاري في هذا المنصب لمدة سنة ونصف وسلمت له بعض الولايات وبعد استكمال المدة المحددة اجتاز المسابقة ونجح فيها. وعن صفاته يقول رفيق درب الشيخ بأنه كان مدرسة عليا في الأخلاق، لا يتخلف عن موعد أبدا وعندما يقطع وعدا ما يلتزم بإنجازه، وعندما بدأت الفتنة وجهت أصابعها لمنظمة التربية مباشرة، وكان لابد من مراجعة المناهج والكتب القديمة، فمثلا: كان كتاب العلوم الشرعية في السنة الأولى ثانوي فيه حكم تارك الصلاة، فمن تركها جحودا فهو كافر يجوز قتله، وهو ما جعل العديد من أولياء التلاميذ ينتفضون ضد هذه الدروس التي تشجع الأبناء على قتل آبائهم، ودرس آخر حول ضرب المرأة وتأديبها في الإسلام وغيرها من الدروس التي كان لابد من حذفها وتغيير الكتب والبرامج وتنقيتها وتصفيتها من كل ما قد يتخذه خصوم المادة كذريعة. وعن تلك الفترة قال الأستاذ معول، كانت صعبة جدا فقد عملوا لإبعاد الشبهات وعمل المتحدث والشيخ صاري معا كفريق لمدة 9 سنوات، وعندما حان الوقت المحدد كي يغادر الأستاذ معول التفتيش نحو وزارة الشؤون الدينية، اقترحه كخليفة له، وقد تجولا وجابا جميع أنحاء الجزائر، واسترجع المتحدث حادثة في العشرية السوداء عندما ذهب رفقة الشيخ لولاية تيسمسيلت لترسيم مفتش، وكان الطريق خاليا بعدما شهد مجزرة ليلة سفرهم، ولكن هذا لم يردعهما بل حفزهما أكثر على السفر وأداء واجبهما. واسترجع المفتش السابق الأيام التي تلت فقدان الشيخ لابنته الكبرى ميمونة بعد اغتيالها في مجزرة الرايس على يد الإرهابيين، فكان مثلما قال أبو فراس الحمداني "عصي الدمع"، فقد أبى البكاء عليها بالرغم من محاولات المتحدث حثه على البكاء عدة مرات بالبكاء أمامه لكنه صبر، وحتى في لحظة بحثه عن أشلاءها وسط كومة من الجثث لم تنهمر دموعه، وبقي صابرا صامدا وبعد دفنها كانت زوجته في المستشفى تصارع الموت، لكنه لم يطالب بعطلة وتوجه للعمل، فقد كان دائم الحضور والعمل، فكانوا في وزارة التربية يسمونهم "عباقرة العلوم الإسلامية" فهي أول مادة أدخلت في الكومبيوتر.
بوجمعة أوراري: هو من أبرز مؤسسي التيار الوسطي في الجزائر وصف الداعية بوجمعة أوراري، الشيخ موسى صاري بواحد من مؤسسي التيار الإسلامي الوسطي في الجزائر، داعيا لاغتنام مثل هذه المواعيد المخصصة لتكريم العلماء لاستخلاص العبر والرسائل، فالرسالة الأولى: من خلال شخصية الشيخ يتضح أن التيار الوسطي هو الأقدم تاريخيا الأوسع قاعدة، الأطول عمرا والأكثر تأثيرا وهو المعول عليه في التمكين لدين الله. الرسالة الثانية: إذا سلمنا بالرسالة الأولى، فالإعلام إعلامان الهادف وإعلام الرويبضة، حيث ينطق فيه الفويسق بأمر من العامة، ويرغب في التعتيم على مثل هذه القامات ويركز الأضواء على شواذنا والقلة والاستثناءات، ويعتم على الشيوخ أمثال الشيخ موسى والعلماء قبله، الذين حرص مجمع "الشروق" على تكريمهم تباعا، فالإعلام الهادف يركز على الغالب. الرسالة الثالثة: فقد حضر الداعية جنازة الشيخ موسى وميزة الدعاة والعلماء القبول في الأرض، مثلما قال الإمام أحمد "بيننا وبينكم الجنائز"، وقد حضر يوم وفاته ألف وألف فيومها لم يكن الرقم مليون معروف بعد، وأسلم 6 آلاف شخص. وختاما أكد الشيخ أوراري استحالة تكريم الرجل بعيدا عن فكره، فالشيخ موسى كان قويا في الفكر الذي حمله وسعى لنشره.
الشريف رمضان (مفتش التربية الوطنية لمادة العلوم الإسلامية مقاطعة الجزائر وسط): أستاذي موسى أخلاق متحركة.. وعلمني الصبر والمسامحة كشف مفتش التربية الوطنية والتعليم لمادة العلوم الإسلامية الشريف رمضان أن الأخبار التي وصلته عن الشيخ موسى من خلال أحد معارف عائلته، جعلته يتحمس شوقا لمقابلته، والتنقل للعاصمة للتعرف عليه عن قرب، وأضاف المتحدث في نفس الصدد أن فرصة لقاءه الأولى كانت سنة 1988، حينما أصبح طالبا متربصا لديه، قائلا: "الشيخ علمني الابتسامة، وحب التلاميذ والنكتة وكيف تجعل تلميذك يحب مادتك، وهناك عرفت منه الصبر والمسامحة والخلق الطيب"، ويضيف المتحدث أن القدر شاء مرة أخرى أن يجمعه بأستاذه، وهو مفتشا.
فيصل زقاي تلميذ الشيخ موسى صاري (أستاذ لغة عربية): الشيخ صاري ترك صدقة جارية فيمن كوّن من الشباب اعتبر أستاذ اللغة العربية فيصل زقاوي، أن الكلام عن أستاذه الشيخ موسى صاري في بضع دقائق، لا تفيه حقه، مشيرا أنه كان بمثابة الغيث في الصحراء القاحلة، خلال تواجده للتدريس بثانويته، ورغم الجو الفرنكوفوني السائد في تلك الفترة، لم يمنعه من تلقينهم وغرس الحب اتجاه العربية، وأثنى الأستاذ على اجتهاده لجعلهم يجتهدون بفضل تشجيعه، ويجعل منه أستاذا للغة العربية بخبرة فاقت 30 سنة، وأضاف أن أستاذهم حببّ اللغة العربية في قلوبهم، وجعلهم يعتزون بها قائلا: "شجعنا على الحفظ وتعلم العربية وإعارة الكتب ومطالعة الكتب الضخمة منها مقدمة ابن خلدون، ونحن من كنا نستحي أن نحمل جريدة باللغة العربية، وفي الأخير نوّه الأستاذ أن الشيخ ترك صدقة جارية فيما كوّن من الشباب، وزرع فيهم بذورا فأنبتت أزهارا وأشجارا، حين أكسبهم حب العربية والإسلام والوطن والشخصية الجزائرية الأصيلة، وجعل الناس تحبه لأخلاقه ورغم الثقافة الغربية للبعض.
شعيب صاري (ابن الشيخ): هو الوالد والصديق والمشرف التربوي قال شعيب صاري ابن الشيخ موسى صاري إن والده رحمه الله ربى أبناءه على القيم والثوابت، والثبات في المواقف، الأمر الذي ساعد أبناءه على تكوين شخصية مستقلة تعمل في سبيل إعلاء كلمة الحق والعمل في سبيل الوطن. وأكد المتحدث على أن والده أيقن أنه من يعمل لله ويضحي لأجل مبادئه، ويعيش لدينه فإن الله لن يضيّعه وسيرعى أبناءه من بعده، وقال إن الشيخ موسى صاري الذي هو والده لم يعش لأبنائه فقط، بل عاش لأبناء المسلمين مربيا ومصلحا وكافلا، مما جعل مكانته تسمو بين جميع من عرفه، فهو الأب الرحيم حسبه، العطوف الذي ضحى لأجل أبناءه، فجزاه الله وأسكنه في جوار نبيه محمد صلى الله عليه وسلم. وعاد شعيب إلى أيام مرضه التي كشفت مدى صبر الشيخ موسى صاري ومدى إيمانه بقضاء الله وقدره، حتى إنه في شدة مرضه لم يرض أن يتجاوز المرضى إلا بعد إذنهم، مع أنه الأولى لاستعجال حالته، إضافة إلى أنه كان لا يشتكي من مرضه وتراه صابرا محتسبا لله، وكان داعية أثناء مرضه مما جعله يترك أثرا في مصلحة الاستشفاء أثناء علاجه، وقال كان داعية على منبره وفي قسمه، وكان داعية وهو على سرير العلاج وبشهادة أطباءه الذين تحدثوا عنه، وكانوا منبهرين من صبره وإيمانه، حتى إن أحد الأطباء قال لأفراد العائلة، ما عرفت مريضا صبورا يتحمل دون شكوى مثله، زيادة على أنه كان يقول لطبيبه لا أشكي لك الألم إنما أصف لك المرض لتحسن تشخيصه. وفي السياق ذاته أكد ابن المكرم أن والده عرف بخاصية قلما تتكرر، وهي أن الشيخ موسى كان داعية أينما حلّ وارتح، يرشد الناس في جميع الأماكن من مساجد ومدارس وأسواق ومناسبات وغيرها، فكان الشيخ يوجه ويعطف على السائل ويراعي العجوز ويشفق على الأطفال الذين كان يدخل البسمة على قلوبهم بابتسامته الصادقة.
ناصر الدين خالف (مفتش ورفيق الشيخ): الشيخ جاء لتدريسنا يوم زفافه اعتبر ناصر الدين خالف الشيخ موسى صاري من أهم العلماء الذين أنجبتهم الجزائر، وقال إن مهما تكلمنا ومهما ذكرنا خصاله فإننا لا نفيه حقه، مؤكدا أن الشيخ كان عالما ومؤلفا وإماما وخطيبا ومدرسا ومفتشا استفادت منه الجزائر كثيرا، خاصة فيما يتعلق بالمحافظة على المرجعية الوطنية، إضافة إلى مساهمته الكبيرة في وأد الفتنة التي أصابت الجزائر إبان العشرية السوداء. وعاد المتحدث إلى تاريخ تعرفه على الشيخ، وذكر أنه كان تلميذا للشيخ في الثانوية، وكانت طريقته في التدريس والتعليم تجعلنا ننبهر، حتى إنه أصبح ملازما له، وذكر خالف حادثة قال إنها بقيت في الأذهان وهي قدومه لتدريسنا يوم عرسه، وهي حادثة بقيت في أذهان الجميع. ومن الخصال الحميدة التي زرعها الشيخ صاري في أوساط الطلبة هو وضعه "شحيحة" كان يضع فيها التلاميذ مبالغ مالية حسب قدرة كل تلميذ، إلى أن يصل إلى مبلغ معين ليقوم بعدها الشيخ موسى صاري بشراء لباس شرعي يقدمه إلى إحدى الفتيات، مما يجعلها تلتزم بالحجاب الشرعي منذ ذلك الوقت، وأضاف المتحدث أن نجاح الشيخ صاري هو تعلقه بشعبة الشريعة واهتمامه بها، مما جعله يرتقي في التعليم إلى أن أصبح مؤلفا ومحاضرا في عديد الملتقيات الوطنية والعربية، حيث كان يناقش العلماء الكبار في ذلك الوقت أمثال عبد الرحمان الجيلالي حتى لقب بالشيخ الموسوعي، لما كان يبديه من علوم في جميع المجالات غير تخصصه الذي كان يبدع فيه، وقل ما يجد نظيره في ذلك الوقت. وذكر المتحدث أن الشيخ موسى وقف في أحد الملتقيات معارضا محاضرة تونسية جاء فيها كلام لم يعجب الشيخ ويتنافى مع قناعته، وضد سياسة الجزائر، خاصة فيما يتعلق نظرتها للإسلام وحقوق المرأة ومناهج التربية، مما جعل وزير التربية الأسبق أبو بكر بن بوزيد يشكره ويسلم عليه كعربون اعتراف لشجاعته ودفاعه عن الجزائر. وفي السياق ذاته أكد المتحدث أن الشيخ صاري كان يضع الجزائر فوق كل اعتبار، والدليل حسبه تعرضه لحلق لحيته في إحدى المرات من طرف الأمن، إلا أنه لم يذكر الأمر ولا مرة، سواء في خطبه في المساجد أو خلال محاضراته أو في الملتقيات التي كان يشارك فيها، لأنه يقدر الجزائر، ويحب لها الخير، ولا يستطيع أن يرى الجزائر مثلما كانت أيام العشرية السوداء.
عيسات فتيحة (أستاذة شريعة) الشيخ موسى صاري عنوان للنجاح قالت أستاذة الشريعة عيسات فتيحة إن الشيخ موسى صاري كان بمثابة الأب والأستاذ والمفتش والمشرف والمربي الذي ترك أثرا طيبا في نفوسنا ونفوس كل من التقى به، معتبرة موته خسارة للجزائر ولشعبة العلوم الإسلامية التي كان يقول لنا بخصوصها بأنها أم العلوم، وأنه كان يقول لنا بأننا محظوظين أي طلبة شعبة العلوم الإسلامية، لأننا نبدأ يومنا بكلام الله ونختمه بكلامه، وأنه كان يؤكد لنا بأن الدراهم المعدودات التي نقبضها كل شهر ليست هي الغاية وإنما النجاح هو إعلاء كلمة الله وتدريسها للتلاميذ كل سنة، وأضافت المتحدثة قائلة إن الشيخ موسى صاري كان يجمع خصالا متناقضة ميزته، فكان يجمع بين الأبوة والتفتيش وبين الحزم واللين وبين التواضع والشموخ، حيث كان يفرح كل من يأتي دوره في التفتيش لأنه كان يقدم لنا دروسا وحكما وغيرها من الأمور التي نستفيد منها، رغم أننا كنا أساتذة، مؤكدة أن أساتذة الشعبة كانوا محل حسد من طرف باقي أساتذة الشعب الأخرى، وذلك لتميز الشيخ موسى صاري في شعبته التي كانت حياته، والتي أخذت وقته، فكان إما في التفتيش أو التعليم أو التأليف أو الدعوة في سبيل الله.