يتأخر غالبية رجال الدين في الجزائر مثل الساسة، من الذين يأخذون "علمهم" جاهزا من بلاد أخرى، فتجدهم يحاربون طوائف غير موجودة في الجزائر أصلا، وإنما في البلاد التي أخذوا من علمائها، ويهتمون بمظاهر غير موجودة عندنا، فيُشهرون لها، والنتيجة أننا أحيانا نجد أنفسنا قد غرقنا وغرق معنا زورق النجاة. كما حدث مع الأحمدية التي اكتشفنا متأخرين جدا بأن لها شعب يمتد في أعماق الجزائر من شمالها إلى جنوبها، وكما حدث مؤخرا مع الطريقة الكركرية التي تنتمي لطرق حاربها علامة الجزائر، ورفاقه من جمعية العلماء المسلمين، وكتب عنها الشيخ أحمد حماني، ولكنها عادت بقوة بالرغم من أن الشيخ عبد الحميد بن باديس كاد يدفع حياته ثمنا، بفضل كفاحه لهذه الطرق، التي زرعها الجهل وشجعها الاستعمار، ولا أحد من علماء الجزائر تساءل لماذا الزوايا وقد سنّ الله لنا المساجد؟، ولماذا الزوايا، وقد بنى الشيخ عبد الحميد بن باديس مدارس للقرآن وعلومه؟ فكل الكتب المؤرخة لتاريخ الزوايا وللطرقية في الجزائر تؤكد بأن الطريقة الكركرية قديمة في الجزائر، ويقارب تواجدها القرن من الزمان، حيث حاول بعض الذين سموا أنفسهم أولياء الله الصالحين، الزعم بأنهم ينتمون إلى عائلة علي بن أبي طالب ورسول الله صلى الله عليه وسلام، وأنشؤوا الزوايا على نفس طريقة الحسينيات في العراق وإيران، بظاهر يتحدث عن تعليم شؤون الدين، وفعل الخير وباطن من الجهل الذي يصل إلى درجة الشِرك، والمسمى سيدي محمد فوزي الكركري، زعم بأنه خليفة صوفي ساهم أجداده في تأسيس الزاوية العليوية في مدينة مستغانم التي عاصر شيخها الأول أحمد العلوي المستغانمي عصر بن باديس وقال عنه أحمد حماني، بأنه كان يزعم بأن له معجزات، والزاوية العلوية مازالت موجودة، لحد الآن وتتلقى الدعم من الدولة الجزائرية. ويصرّ الطرقيون على تفسير الآية الكريمة، وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة، على طريقتهم الخاصة فيمنحون شرف النظر إلى الله، لشيوخهم ويجرّون الكثير من الناس معهم، مازالوا لحد الآن يزورون قبورهم ويتبرّكون بها أمام صمت العلماء وحتى جمعية العلماء المسلمين، بالرغم من علمهم بأن مؤسس الجمعية وكل علمائها الأوائل، عاشوا لمحاربة الطريقة، ورآى بعضهم بأنها جزء من الاستعمار. ويعلمون بأنها حاربت الشيخ عبر جرائدها وحاولت اغتياله بالرغم من الصلح التاريخي بين شيخها أحمد العلوي الذي مقره في مستغانم والشيخ بن باديس عندما زار المدينة، في أوائل ثلاثينات القرن الماضي، وهو التصالح الذي اعتبره البعض مجرد ديبلوماسية من الشيخ بن باديس لأنه ضيف على المدينة فقط ! على خلفية ما حدث في شهر ديسمبر من عام 1926 عندما كان الشيخ عبد الحميد بن باديس ولم يكن عمره قد زاد عن 37 سنة عائد إلى منزله بنهج السود بحي القصبة بقسنطينة بعد أدائه لصلاة العشاء في مسجد سيدي قموش، فأخذ منحدر "مايو" طريقا له، ليهاجمه رجل ضخم الجثة، كان متخفيا في الظلام، وراح ينهال على رأس الشيخ بهراوة، حتى سقط على الأرض، ثم طعنه بخنجر من النوع البوسعادي كان يحمله بيده اليسرى، وحاول أن يزرعه في صدر الشيخ الذي فقد توازنه، ولكن العلامة بن باديس قاوم بشجاعة، وقبض أهل قسنطينة بمسرح الجريمة على المجرم، الذي حاول الهروب، وخلال تحقيق الشرطة معه اعترف بأنه تابع للزاوية العليوية التي كان شيخها في ذلك الوقت أحمد العليوي، الذي قاد حربا على كل رجالات جمعية العلماء المسلمين. وفي كتاب الراحل أحمد حماني مفتي الجزائر الأول "صراع بين السنة والبدعة" تحدث فيه بالتفصيل عن محاولة اغتيال الشيخ بن باديس، وذكر بالاسم مريد الطريقة العليوية والكركرية أحمد العليوي المستغانمي بأنه كان يمتلك فيلا فاخرة في العاصمة تطل على شاطئ البحر وله هاتف في عشرينات القرن الماضي إضافة إلى أملاك وأراضي في مدينة مستغانمأ بينما يغرق الجزائريون في فقر مدقع، ويدافع عنه أبناء الزاوية الآن ويتحدثون عن لقائهم بشقيق الشيخ الأستاذ عبد الحق بن باديس "97 سنة" الذي مازال على قيد الحياة، ويعتبرون ذلك دليل على أن الزاوية العليوية بريئة من الأذى الذي حدث للشيخ منذ تسعين سنة.