روى لي أحد إخواني الأفاضل أنّه وبينما كان في مركز البريد بقلب مدينة زيغود يوسف بولاية قسنطينة، لسحب راتبه، سمع أحد المفتونين الذين اعتنقوا المذهب الشيعيّ، يتكلّم بصوت مرتفع وبنبرة استعلاء واستهزاء وينسب إلى صحابي النبيّ -صلى الله عليه وآله وسلّم- أبي هريرة -رضي الله عنه-أنّه روى عن الرسول –عليه الصّلاة والسّلام-100 ألف حديث، ثمّ يضحك مقهقها ويقول لصاحبه: هل تصدق هذا الكلام الغبي؟ ليطلق لسانه بعد ذلك بالطّعن في هذا الصّحابيّ ويقول عنه إنّه كان بطالا وكسولا "fainéant"، وكان يربّي قطّة يطوف بها، ثمّ أخذ يدافع عن الخميني ويطريه ويعلي من شأنه، ليخلص في النّهاية قائلا: "إنّ بول الخميني أشرف ممّن يطعن فيه بل وأشرف من أبي هريرة"!. ما نطق به لسان هذا المجترئ ليس شذوذا خاصا بشخص معيّن، وإنّما هو عقيدة راسخة وسلوك مطّرد لكلّ المتشيّعين في الجزائر وفي غيرها من بلاد الإسلام التي دخلها هذا الطّاعون، وهو التّطبيق العمليّ لأصول مذهب أسّس على الطّعن والتّكفير؛ مذهب بغيض ينافح عنه المستهينون بخطره ويعادوننا لأجله ويتّهموننا بتشتيت الأمّة لأنّنا نتصدّى له، ووباء قاتل يحمله المشروع الطّائفيّ الذي يريد لنا الطوّافون على سفاراته أن نسكت عنه، ونفسح له المجال ليغرّر بإخواننا وأحبّتنا الشّباب، ويملأ قلوبهم بالحقد الأسود على خيار هذه الأمة بعد نبيّها عليه الصّلاة والسّلام، وعلى تاريخها وأعلامها وصالحيها، وينشر الأكاذيب ويزوّر الحقائق، ويعلّم المغترّين به الجرأة والصفاقة وقلّة الحياء وبهتَ خير الأصحاب، أصحاب خاتم الأنبياء. لقد كان في وسع هذا المتشيّع المغرّر به أن يبحث ويمحّص ويتحقّق قبل أن يلقي الكلام على عواهنه ويروّج للكذب الصّراح، لكنّه أبى إلا أن يردّد أكاذيب المغرضين على صحابة النبيّ الأمين ويرسلها إرسال المسلّمات، وهذه أمّ البلايا التي رزئ بها هؤلاء المتشيّعون؛ يلقون أسماعهم ويسْلمون عقولهم لدعاة التشيّع ليغرسوا فيها ما يشاؤون من دون أن يكلّف الواحد منهم نفسه التأكّد ممّا يروّج له أولئك الدعاة، مع أنّه لا يعرفهم ولا يعرف مآربهم ولا الجهات التي تحرّكهم، بينما تجده في المقابل يسارع إلى تكذيب علماء بلده، وإلى اتّهام أئمة مساجد مدينته، مع أنّ في إمكانه وفي وسعه أن يعرف عنهم كلّ صغيرة وكبيرة. هذا المفتون سمع من خطباء الشيعة ودعاتهم أن أبا هريرة -رضي الله عنه-روى 100 ألف حديث، فصدّقهم بكذبهم وتجرّأ على أبي هريرة واتّهمه بالكذب، بينما كان يفترض في حقّه أن يتثبّت ويتأكّد ليعلم الصّادق من الكاذب، قبل أن تزلّ قدمه بتكذيب صحابيّ حظي بدعاء النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-بأن يثبّت الله حفظه، ويحبّبه إلى المؤمنين والمؤمنات، يوم قال الحبيب المجاب عليه السلام: "اللهم حبّب عبيدك هذا -يعني أبا هريرة- وأمّه إلى عبادك المؤمنين وحبّب إليهم المؤمنين". قال أبو هريرة رضي الله عنه: "فما خلق مؤمن يسمع بي ولا يراني إلا أحبني". لو أخذ هذا المجترئ على أبي هريرة 10 دقائق من تلك الأوقات التي ينفقها في سماع الأكاذيب وعاد إلى برامج الحديث لوجد أنّ مجموع أحاديث هذا الصحابيّ في الكتب التسعة لأهل السنّة الصحيحين والموطأ والمسند والسنن الخمس، هو 8960 حديث بينها المكرّر، وإذا حذفنا المكرر بينها فإننا نجد مجموع ما رواه أبو هريرة 1475 حديث، اشترك في روايتها معه عدد من الصحابة، فإذا حذفنا الأحاديث التي اشترك في روايتها معه صحابة آخرون فإننا نجد أن الأحاديث التي انفرد بها أبو هريرة من دون تكرار ولم يروها أحد غيره في الكتب التسعة هي 42 حديثا.. فأين 100 ألف حديث التي ينسب المغرضون إلى أبي هريرة أنّه رواها؟. هؤلاء المتشيّعون المغرّر بهم يتبنّون أكاذيب دعاة التشيّع على صحابة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم، لكنّهم في المقابل لا ينظرون إلى جبال الكذب التي حوتها كتب المذهب الذي اعتنقوه وقيل لهم إنّه مذهب أهل البيت، ووالله الذي لا إله غيره إنّ أهل البيت الأبرار لبريئون من هذا المذهب؛ تراهم يعجبون ل8 آلاف حديث رواها أبو هريرة بينها المكرّر، ولا يلتفتون إلى الكم الهائل من الأحاديث التي روتها كتب الشيعة عن أمثال أبان بن تغلب وجابر الجعفي وغيرهما من الرواة الذين ملئت دواوين الشيعة بكذبهم على محمد الباقر وجعفر الصادق رحمهما الله، مع أنّ الإمامين كانا في المدينة النبوية، وهؤلاء الرواة من أهل الكوفة! جابر بن يزيد الجعفي، مثلا، هذا الراوي الذي تفوق وثاقته عند الشيعة وثاقة أبي هريرة عند أهل السنّة، يقول عنه عالم الشيعة الحر العاملي في "خاتمة الوسائل" إنّه روى 70 ألف حديث عن الباقر، وروى 140 ألف حديث في المجموع!. بمثل هذا التلبيس والكذب غرّر ببعض شبابنا فاعتنقوا مذهبا كان أتباعه قبل وقت ليس بالبعيد عارا على أمّة الإسلام بل عارا على البشرية؛ شباب لا يعرف الواحد منهم أبجديات النحو والإملاء، فضلا عن أبجديات علم التفسير وعلم الرواية، أشرعوا أعينهم وآذانهم وفتحوا قلوبهم لكلّ من يشكّكهم في حقائق الدين والتاريخ، واستساغوا كلّ ما قيل لهم من دون تمحيص أو مراجعة، فلمّا سقطوا في المستنقع، صمّوا آذانهم واستغشوا ثيابهم عن سماع نصح الناصحين وأخذتهم العزّة بالإثم ولووا رؤوسهم وصدّوا عن الحقّ صدودا. لقد ابتليت بلادنا الجريحة بوباء التشيّع الذي اعتنقه بضعة آلاف من الأغيار الذين لا يميّزون بين الصحيح والضعيف ولا بين الثابت والمختلق، بعد أن قدّم إليهم على أنّه مذهب أهل البيت الأطهار برّأهم الله، وتبنّوا كلّ شذوذاته التي حادت به عن دين المسلمين، وانحدروا إلى درك الطّعن في الصّحابة الأخيار بألفاظ مقذعة لا يرضاها المسلم السويّ في حقّ سائر المسلمين، فضلا عن أن يرضاها في قوم أثنى العليم الخبير عليهم ثناءً عطرا، فقال: ((مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً))، وشهد بأنّهم اتبعوا نبيه ليس لأجل الدنيا وإنما لأجل أن يرضى عنهم ربهم وخالقهم فقال: ((لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُون))، وبأنّهم أحقّ النّاس بالتقوى وأولاهم بها فقال: ((إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً))، وشهد لقلوبهم بأنّها متعلّقة بما عنده سبحانه وعامرة بمحبّة الله ورسوله وكتبَ لهم على ذلك رضوانه فقال: ((لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً{18} وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً))، ووعدهم جنات تجري من تحتهم الأنهار فقال: ((وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)). أمّا الحبيب المصطفى-صلوات ربّي وسلامه عليه- فقد نهى أشدّ النّهي عن سبّهم أو انتقاصهم فقال: (لا تسبّوا أصحابي، فلو أنّ أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نَصِيفه) (رواه البخاري ومسلم)، وقال: (من سبّ أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين) (رواه الطبراني، وهو حسن بمجموع طرقه)، وأثنى عليهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: "أمَا والله لقد عهدت أقواما على عهد خليلي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وإنّهم ليصبحون ويمسون شعثا غبرا خمصا، بين أعينهم كركب المعزى، يبيتون لربهم سجدا وقياما يراوحون بين أقدامهم وجباههم، يناجون ربّهم ويسألونه فكاك رقابهم من النار، والله لقد رأيتهم على هذا وهم خائفون مشفقون". وأوصى بألا يُسبّوا أبدا، فقال: "أوصيكم بأصحاب نبيّكم، لا تسبّوهم وهم الذين لم يُحدثوا بعده حدثا، ولم يأتوا محدثاً، فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أوصى بهم". ذاك ما قاله المولى سبحانه في حقّ أصحاب نبيه، وتلك وصية الحبيب المصطفى -عليه الصلاة والسلام- بهم، وهذه وصية أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، لكنّ المغرّر بهم يعرضون عن كلّ هذه النصوص ويأبون إلا أن يصغوا بآذانهم وعقولهم لدعاة أوقفوا أنفسهم لخدمة الباطل؛ دعاة لا يتوجّهون إلى الشّباب التائه لينتشلوه من مستنقعات الخمور والمخدرات والمواقع الإباحية والمعاكسات، وإنما يتوجهون إلى شباب المساجد ليشككوهم في دينهم ويثيروا عليهم الشبهات ويفتحوا لهم أبواب الشهوات، وينقلوهم من رحابة الإسلام إلى ضيق الطّائفة ومن محبّة أهل البيت والصّحابة، إلى الطّعن في الصّحابة والغلوّ في القرابة.