سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
قذف الولاة بالتزوير باطل.. وهذه قرائن تحسّن الإنتخابات! رئيس الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات عبد الوهاب دربال في حوار ل"الشروق"(الجزء الثاني):
أكد رئيس الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات عبد الوهاب دربال مجدّدا أن الانتخابات المحلية التي جرت يوم 23 نوفمبر الجاري "نزيهة" إلى حد كبير، نافيًا بذلك شبهة التزوير التي رماها بها بعض السياسيين، كما اعتبر قذف الولّاة بالتواطؤ يبقى مجرد اتهامات من دون دليل حتى الآن. أكثر من ذلك، فقد عبر عبد الوهاب دربال، في الجزء الثاني من حواره مع "الشروق"، عن بالغ سعادته بتحسن المسار الانتخابي في الجزائر، حيث عرض ما وصفه بالقرائن القاطعة وغير القابلة للإنكار على التطور الإيجابي بشأن نزاهة العملية الانتخابية، معتبرا أن الهيئة بتركيبتها وسلطاتها المحدودة لعبت دورا أساسيا في ذلك، وإنْ دعا إلى منحها حق تحريك الدعوى بصفة مباشرة على كل المخالفين للقانون.
ما تفضلتم به في نهاية الجزء الأول من الحوار بخصوص العلاقة بين "هيئة مراقبة الانتخابات" و"مصالح وزارة الداخلية" كلام منطقي بالنظر إلى السلطات القانونية والدستورية لكلا الطرفين، لكن نود معرفة واقعها في الميدان؟ تطبيق القانون دائما معرض للخطإ، حتى نحن كهيئة وجدنا أنفسنا أحيانا مخطئين في تطبيق القانون والنظام الداخلي الذي يحكمنا، وبالتالي الخطأ في التطبيق وارد على الجميع، بما في ذلك مصالح الداخلية وهيئة الانتخابات والأحزاب والإعلام وغيرها، لكن هناك فرق بين الخطإ والخطيئة، نحن نعتقد أنه في بعض الحالات يتمّ تجاوز القانون، ليس عن قصد إهماله، ولكن البعض يظن أنّ من صلاحياته التصرف بتلك الطريقة. أعطيك مثلا بهذا الصدد، وهو يخصّ مسألة إيداع الترشيحات، الجميع يعلم أنها خاضعة لآجال قانونية محددة، وبالتالي هناك أجل واحد نهائي للإيداع، بعدها يصبح التصرف في القائمة أو تغيير الترتيب ممنوعا، صحيح أنه يمكن التعويض في حالات حصرية، نصّ عليها القانون، مثل الوفاة أو المرض القاهر أو الاستقالة، لكن ذلك مقيد أيضا بالرزنامة الزمنيّة، وفي كل الحالات لا يعاد الترتيب. هذه المواد واضحة في القانون ولا غبار عليها، لكن نحن كهيئة وقعنا في الخطإ، لأننا لم نطلب تلك القوائم عند الإيداع في الآجال القانونية، حتى نكون لاحقا على بيّنة بشأن وضعها وترتيب مرشحيها لنتمكن من مراقبتها. بعض الأعضاء في الهيئة انتبهوا محليّا وطلبوها، لكن للأسف أعوان الإدارة لم يردوا عليهم، لاعتقادهم أن فترة الطعون تندرج ضمن الآجال القانونية، وعليه تبقى القوائم أولية وليست نهائية. إذن في هذه الحالة نحن أمام تفسيرات مختلفة للقانون، لا تبرر أبدا معركة مع أي طرف، مثلما يريد لها البعض أن تشتعل، لا بالعكس، ربما لأننا لم نكن جميعا منتبهين إلى الموضوع قبل تطبيق القانون.
يعني على العموم وبصفة إجمالية لم تواجه الهيئة عراقيل من طرف الإدارة؟ لا أبدا هذا غير موجود، بالعكس أنا وصلتني رسائل تهان من الولاة، تشيد بروح التعاون الذي حصل مع أعضاء وفروع الهيئة، وهذا الأمر يسعدني كثيرا، لأنه يجعل من العملية الانتخابية اهتمام الجميع، لأن الأخيرة مثلما هي محل تنافس بين المترشحين، يجب أن ندرك كذلك أنه يقوم عليها مليون شخص، وهؤلاء بشر وليسوا ملائكة، ألا يمكن أن نصادف بينهم 25 فردا من مرضى النفوس والضعفاء والطماعين، ذلك ممكن جدا، لكن العملية الانتخابية تقاس بحجمها وليس بالأشخاص. وبالتالي، إذا كانت تلك التصرفات لا تؤثر في مجملها على السير الانتخابي فهي مقبولة، والعالم كله يعيش بهذه الطريقة. أما إذا كانت عملية إفساد الانتخابات شاملة وممنهجة وتتولاها مؤسسات الدولة، حينها تكون الكارثة فعلا، لكن هذا غير موجود على الإطلاق، وأؤكد بصفة قاطعة وثقة كاملة أنه غير وارد.
لكن يبقى السؤال المطروح، من يتحمل حالات التزوير الجزئي أو الثانوي طالما أن الجميع يشتكي، هل هم أعوان الإدارة أم المسؤولون أم المترشحون؟ الهيئة مسؤولة عن سلوكها وليست مسؤولة عن سلوكات الآخرين.
ما دام هناك إخطارات، يُفترض أن هناك جهات متهمة، فمن هي؟ ما دام الجميع يشتكي مثلما تفضلتم، معناه أن هناك عملا لا قانونيا، ربما قام ببعضه متنافسون، والبعض قام به مشرفون، والبعض الآخر قام به مترشحون، إذن نحن نتعامل مع عشرات الآلاف من الأشخاص. أنا أتكلم عن مبادئ فكرية عامة، إذ ليس ممكنا أن 200 ألف شخص مندمجين في العملية الانتخابية، و900 ألف قائم عليها وأضعافهم من المناضلين والداعين والمبشرين في العملية، هؤلاء يتحركون مع بعض وفي نفس التوقيت، فمن الطبيعي جدا أن يحدث الاحتكاك والضعف والممارسة غير القانونية، هذا كله يحصل ومتوقع، لكن أقول إن هذه ظاهرة عادية لا تؤثر على الانتخابات. لكن إذا كانت منسوجة ومُوافقا عليها في سياسة معتمدة، حينها نكون بصدد عملية انتخابية فاسدة، ولكن هذا الأمر غير صحيح تماما في الجزائر اليوم.
عشتم تجارب انتحابية سابقة كسياسي وكمسؤول، هل تعتبر المحطة الأخيرة هي الأقل سوءا أو الأكثر نزاهة في المواعيد الانتخابية؟ قد أفاجئ الكثير بإجابتي، لأقول إني سعيد جدا بهذه الانتخابات، لأنها قلبت التنافس بين المترشحين والسياسيين.
نرجو مزيدا من التفصيل حتى تتضح المقارنة؟ بمعنى أن الجميع اليوم يشتكي من النتائج، سابقا كانت جهة واحدة أو جهتان أو ثلاث تشتكي من التزوير.
قد يكون ذلك مناورة سياسية للتغطية على حقيقة التزوير؟ أنت تقرأها كما تريد، وأنا لست مسؤولا عن قراءات الآخرين.
دعني أطرح السؤال بطريقة أخرى، سمعنا قائدي حزبي الأغلبية يشتكيان من التزوير، فهل تلقيتم فعلا إخطارات منهما في غضون العملية الانتخابية؟ نعم وصلتنا إخطارات من "الأفلان و"الأرندي" ومن الجميع، أريد أن أقول إن ذلك من القرائن القطعية وغير القابلة للإنكار، إلى أن يثبت العكس، على أنّ العملية الانتخابية في الجزائر تتحسن، وأن المنافسة الآن انتقلت بين المتنافسين، وهذا مهم جدا، حيث أصبح ذلك ظاهرا للعيان، ولأول مرة يظهر بهذا الشكل، والدليل أن الجميع يشتكي بعد العملية الانتخابية. سابقا كانت العمليات الانتخابية توصف بالتزوير قبل انعقادها، حيث وجدنا الجهات المستفيدة لا تعلق عليها، بينما الجهات المتضررة تشتكي ليلا نهارا. الآن الوضع مختلف، ومن أهم أسباب هذا التغيّر والتقدم، رغم أنه يحتاج إلى جهود إضافية أخرى، هو وجود الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات، صحيح أن صلاحياتها محدودة، هذا كلام سليم، والحمد لله أنها كذلك، ولكن وجودها بهذه التركيبة من الرجال والنساء الذين يزنون علميا وثقافيا واجتماعيا، كان له دور كبير في أن يشعر الجميع في العملية الانتخابية، أيّا ما كان وصفهم أنهم تحت الرقابة. هذا بحد ذاته أعطى العملية الانتخابية طعما ولونا آخر، وبتصوري أن هذه البداية حسنة.
في كل القوانين الجزائية هناك متهمون يحاكمون ويعاقبون بسبب مخالفتهم لها، كيف تفسرون أنه لا أحد حتى الآن حوكم بموجب قانون الانتخابات برغم العقوبات المشددة، ألا يعني ذلك أن هناك حماية توفرها جهات ما للمزورين، أم هي مؤشر على الانتفاء المطلق لفعل التزوير؟ هذا سؤال وجيه، وبالمناسبة من المسائل الإيجابية في قانون الانتخابات أنه جاء بأحكام جزائية، مع أنه فعلا وعلى غرار كافة القوانين يحتاج إلى تحسين وتحيين، الذي يقرأ قانون الانتخابات يعتقد أنه قانون عقوبات، لأنه شديد في هذا المجال، حيث شدد على تزوير التوقيعات والترشيح، وشدد أكثر على المكلفين بالمراقبة والإشراف في المكاتب والمراكز. لكن كنّا نتمنى كهيئة، وقد أعطيتْ لها مهمة مراقبة تطبيق القانون، أن يمنح لها كذلك حق التحريك المباشر للدعوى على من يخالف القانون، فيصبح لها معنى، هذه ملاحظة أولى. غير أن المبدأ العام في القانون هو أن الذي يحرك الدعوى هو صاحب المصلحة وهو المتنافس.
لكن في هذه الحالة الهيئة تشبه دور "النيابة العامة" في سلك القضاء، فهي تمثل الحق الانتخابي العام، ومن المفروض أن تتمتع بسلطة تحريك الدعوى تلقائيا؟ أنا أتحفظ على التشبيه لأن القضاء سلطة قائمة بذاتها ومستقلة والنيابة العامة لها سلطاتها القانونية، والهيئة مختلفة عنها، وأقصى ما تقوم به في هذا الصدد هو الإخطار.
أنتم كرجل قانون، هل تعتقدون أنه لا يوجد مزور واحد في الجزائر، أم إن هناك إفلاتا من العقاب بفعل التستّر على الجريمة؟ أنا بدوري أجيبك بسؤال آخر، هل حرّكت الدعوى من صاحب المصلحة وهو المتضرر من التزوير أم لا؟ إذا تحركت الدعوى أمام القضاء والمعني لم يتحرك فهذا أمر، أما إذا لم تحرك الدعوى أصلا فهذا أمر آخر، لأن القاضي لا يتحرك بمفرده. أنا شخصيا لم أسمع أن هناك من تمّ تقديمه أمام القاضي الجزائي ولم يبلغني أحد بذلك إطلاقا، فلا يمكن أن نعاقب الناس دون دعوى.
سمعنا كثيرا من رؤساء أحزاب يتهمون ولاة بالتزوير، لإرضاء مسؤوليهم أو سياسيين نافذين، يعدونهم بالترقيات، ما تعليقكم على ذلك؟ لا تعليق عندي على السياسيين، مارست السياسة وأعرف قواعدها وأساليبها، لكن الاتهام الذي لا دليل عليه باطل، ومن كانت لديه إثباتات فالقضاء أمامه. رجل السياسة تحليلاته دائما سياسية، وبما أن قائمته لم تقبل أو لم تفز فإن هناك عرقلة. وقد لاحظنا، كهيئة، كثيرا من الناس يدخلون العملية الانتخابية كسياسيين وهم لا يعرفون إجراءاتها، ثم يرتكبون أخطاء جسيمة في الترشيح مثلا، وحينما تسقط القائمة لا يعترف بذلك، بل يتهم الإدارة بالإقصاء والعرقلة، وقد وقع ذلك كثيرا. حينما تكون سياسيا، فأنت تمارس السياسة وتبرر دوما أخطاءك بمنطق سياسي، لكن يجب الانتباه إلى أن السياسة فعل يمتدّ أو يضمحل في الزمن، ولذلك مصداقيته في ما تقول وتفعل، لذلك لا أعلق على السياسيين، لأن الكلام دون دليل هو شأنهم، والذي يعاقبهم أو يحاسبهم هو الناخب والرأي العام.
هل تعتقد أنه من الصدفة أن يتركز الحديث عن شبهات التزوير في ولايات محددة، ولها خصائصها الجيوسياسية والجغرافية مثل وهران والوادي وتندوف وعنابة مثلا؟ هذه مسألة تتحكم فيها عدة عوامل، أبرزها أن ثمة أحزابا قوية في مناطق ما وضعيفة في جهات أخرى، فمن الطبيعي أن يشتد الاحتكاك حيث تنتشر أكثر. والعامل الثاني هو أن الجزائريين يعرفون بعضهم بعضا من حيث التشكيلات السياسية، كما أن طبيعة المناطق التي يتنافسون عليها لها تأثير، لأن البلديات الحضرية الكبرى غير المجالس النائية التي تعيش على ميزانية الدولة. أضف إلى ذلك، النسيج الاجتماعي، أنا أعرف أن هناك أحزابا ليس لها مناضلون إطلاقا في أماكن معينة، لكن قيادة تلك الأحزاب تفطنت إلى أن النسيج المحلي يعتمد على علاقات أخرى غير النضالية والبرنامج السياسي والانتماء الحزبي، وبذلك ضربت في القلب، بترشيحها من العرش الكبير لتفوز بالبلدية مثلا. كما أن المنافسة تعتمد على عادات وتقاليد المناطق، نحن في بلد قاري، وهو يختلف بين الشمال والجنوب والشرق والغرب، وبالتالي الاحتكاكات والمصالحات التي تقع تصنعها تلك الاعتبارات. كل هذه العوامل المذكورة تعطي لسؤالكم معناه.
نمرّ إلى محور آخر، والمتعلق بحالة العزوف في الجزائر، والتي يبررها البعض بأنها موجة عالمية، ما هي قراءتكم لتنامي الظاهرة وما مدى تأثيرها على مصداقية المؤسسات المنتخبة؟ أنا لست ميّالا إلى تبرير العزوف بالسياق العالمي، رغم أن ذلك جزء من الحقيقة، حيث أن الانتخاب واجب في بعض الدول ويترتب عليها غرامة في حال المخالفة، إلا أنك تجد ناخبين يرفضون التصويت ويدفعون الغرامة الجزائية، ومع ذلك أرفض تبرير العزوف بهذا المنطق، لأنني لاحظت أنّ الشعب الجزائري كلما وثق في قياداته الرسميّة والسياسية والفكرية والثقافية والاجتماعية والدينية، تبعها، بدليل أن ذات الشعب في زمن الاستعمار كان يقوده شيخ الزاوية أو كبير العرش، لأنه محل ثقة لدى الناس، وكلماته مثل الرصاص، يمشي الجميع خلفه دون تردد، أريد أن أقول أنه كلما نقص منسوب تلك الثقة ضعُف الإقبال من المجتمع ، إذن ذهاب الناخبين من عدمه إلى صناديق الاقتراع مسؤول عنه المتنافسون على الانتخابات. لابدّ أن يقتنع الناس بذاتهم وبرامجهم وخطابهم، لأنهم فوق الميزان، لا أقول إن ذلك هو الشرط الوحيد لكنه من الشروط الأساسية، الشيء الثاني هو ثقة الناخب في القانون، هل هو عادل أم مجحف في نظره، لا تطلب من الشعب الجزائري أن يكون جميعه قانونيا ويعرف القانون بتفاصيله، وقد وجد مترشحين لا يفقهون من القانون شيئا، فما بالك بعامة الناس. والشيء الثالث، وأستسمحك لأقول ذلك بصراحة، هو دور الإعلام في صناعة رأي عام واع، فلما تقرأ أو تشاهد أو تسمع كل صباح ومساء، وتجد كل قناة وجريدة، لا تتكلم يوميّا سوى عن الفضائح والإجرام والسرقات وعدم الثقة، وانسداد الأفق، وضبابية المستقبل، كيف تنتظر من الناس أن تقبل على الحياة، الإعلام أصبح يصنع اليأس عند الجزائريين. .. يتبع