استقبل مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي ارتفاع أسعار الخبز منذ الجمعة بمزيج من الغضب والسخرية، بعد أن وصل سعره 15 دج للخبزة الواحدة، فيما دعا الرجال زوجاتهم إلى مقاطعة الخبز والتشمير عن سواعدهن لإعداد الخبز المنزلي لاسيما المطلوع والكسرة. استغلت عائلات فرحة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف والذي تزامن مع ارتفاع أسعار الخبز إلى 15 دج على مستوى المخابز والمحلات التجارية، إلى دعوة الرجال لمقاطعة شراء الخبز نهائيا، خاصة وان الكثير من الخبازين لجأوا إلى التقليل من حجم الخبز ورفع سعره، وهذا بالتشمير على سواعدهن وتحضير يوميا "الكسرة"، "المطلوع"، "الغرايف"، والتي تنفرد بمذاق لذيذ، خاصة خلال هذه الأيام الباردة، ويُقدم في كل المناسبات ومع كل الأطباق. وقد عادت الكسرة والمطلوع إلى الواجهة، بعدأن سجلت غيابا مثيرا عن موائد كثير من العائلات البويرية في السنوات الأخيرة، وذلك لأسباب عديدة منها عدم إلمام الجيل الجديد بأهمية الدور الذي تلعبه تلك الوجبات الأصيلة، وابتعاد فتيات جيل اليوم عن تعلّم إعدادها بسبب انشغالهن بالتعليم والوظيفة، وتوجه أغلبية العائلات إلى شراء مختلف أنواع الخبز. وتعتبر الكسرة والمطلوع التي تطهى في طاجين الطين وطعمها أفضل بكثير من خبز المخبزة من أنواع الخبز الشعبي والمحبوب لدى معظم العائلات، كونها وجبات مشبعة ومفيدة للصغار قبل الكبار، لكن كثيرا من النساء "العصريات" لا يجدن تحضيرها، وهذا رغم أن التقاليد المتوارثة تشجع الفتيات على تعلم فن الطبخ التقليدي، ولهذا أصبحت تباع في الأسواق والمخابز، ورغم أن طريقة تحضيرها لم تتغير منذ قرون خلت، ولكن تراجع وجودها على المائدة يعود إلى توفر الخبز بأشكال مختلفة بعد أن كان نادرا. وفي وقت غير بعيد، كانت الفتيات المقبلات على الزواج بمنطقة القبائل يتعلمن صنع الكسرة والمطلوع والخفاف كشرط من شروط الزواج، فالمرأة التي لا تجيد "صنعها" تعود إلى بيت أهلها لتتعلم أصول إعداد الكسرة وأخواتها، لأن المثل يقول "أقرب طريق للوصول لقلب الرجل معدته"، ويقولون أيضا "ان المرأة التي لا تعرف تحضير الكسرة والمطلوع والمسمن لا تصلح للزواج"!! وقد شكلت الكسرة والمطلوع لقرون طويلة الغذاء الأساسي للجزائريين، إلى جانب الحليب والتمر وبعض ما تنبته الأرض، فعاشوا أصحاء أقوياء، ومنهم من تجاوز عمره التسعين، ولم يشك الألم قطّ، لكن خلال السنوات الأخيرة حلّ محلّ الكسرة الرغيف الذي يباع في المخابز، بل إنه بعد أن خرجت المرأة للعمل أصبحت تشتري الكسرة من السوق حين يشتهي أطفالها أكلها. وتعمل العديد من النساء العاطلات عن العمل وحتى المسنات بقرى ومداشر البويرة في إعداد الكسرة والمطلوع وبيعها لأصحاب المحلات التجارية والمطاعم للمساعدة في توفير مصروف العائلة، وأكدت العديد منهن "للشروق" أن تجارة الكسرة والمطلوع ستنتعش خلال هذه الأيام بعد الغلاء الذي يشهده الخبز الذي ارتفع سعره منذ أمس إلى 15 دج للخبزة الوحيدة.